استندت بعض التيارات المحسوبة على
السلفية الجهادية إلى الناقض الثالث من نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب في تكفيرها لشخصيات وجماعات وفصائل إسلامية ووطنية، بما أُطلق عليه "
التكفير بالتسلسل" وفقا لباحثين شرعيين.
وينص الناقض الثالث على أن "من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم: كفر"، والذي يفسره علماء الدعوة النجدية على أن المقصود بذلك "الكافر الأصلي، وُيلحق به الذين وقعوا في ردة قطعية أجمع عليها العلماء، تتعلق بالمعلوم من الدين بالضرورة..".
وتنتمي تلك التيارات التي احتجت بأقوال بعض علماء الدعوة النجدية إلى "منظومة منهجية وفقهية تعتقد أن لازم الفعل والقول يترتب عليه أحكام الأصل، فمن يشك عندهم بالفعل الكفري أو القول الكفري فهو كافر" بحسب الكاتب والباحث العراقي المختص بالجماعات الإسلامية، هشام الهاشمي.
وأوضح الهاشمي لـ"
عربي21" أن بعض قيادات "جماعة أنصار الإسلام وكتائب أبي الصديق السلفية الذين يتبنون تلك المنظومة أصبحوا بعد احتلال العراق عام 2003، قيادات في فصائل السلفية الجهادية، ومنها القاعدة فرع العراق".
وتابع "وكان لافتا بعد ذلك توسعهم في تكفير الناس، ثم الفصائل المسلحة من الإخوان والصوفية والسلفية الحركية، وهكذا حتى وقع القتال في بدايات عام 2007 مع كتائب ثورة العشرين الإخوانية، وأيضا حدثت معارك متعددة في 2008 بين القاعدة والجيش الإسلامي شمال وجنوب بغداد، وكذلك مع جيش المجاهدين في ديالي".
ولفت الهاشمي إلى أن هذا اللون من الغلو في التكفير "نقله دعاة وناشرو الفقه القاعدي من العراق إلى سورية عام 2011، حيث كانت الساحة السورية على مذهب العذر بالجهل، ولا بد من إقامة الحجة على المعين قبل إطلاق الأحكام عليه، والذي يتولى إنزاله على المعين هو العالم الفقيه".
وأضاف "كانت الساحة السورية تتبع مدرسة سلفية متأثرة بفقه الألباني وابن باز وابن عثيمين، تشدد على ضرورة تحقق الشروط وانتفاء الموانع في تكفير المعين"، مبينا أن بعض الدعاة العراقيين أمثال أبي على الأنباري، وأبي طيبة غانم الجبوري وغيرهم من الغلاة أدخلوا هذا الغلو إلى سورية، والذين كانوا يرون أن الشيعة بكل فرقها وطوائفها كفار أصليون، يجوز سبي نسائهم.
من جهته أوضح الباحث المصري، طارق عبد الحليم أن بعض جماعات الغلو استندت إلى قاعدة "من لم يكفر الكافر فهو كافر"، فمن توقف أو امتنع عن تكفير من حكموا عليه بالكفر (وقد لا يكون كافرا في ذات الأمر) من المسلمين فهو كافر عندهم.
وبيَّن عبد الحليم لـ"
عربي21" أن "التكفير بالتسلسل يقوم على إلزام الخصم بلازم قوله، لا بذات قوله، ومثاله "بما أنك تقول كذا، فهذا معناه أنك تقول كذا وكذا وهذا كفر، فتكفر بذلك" مشيرا إلى أن هذا القول مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة وهو أوسع أبواب البدعة في التكفير".
وتابع شرحه قائلا: "ليس لأحد أن يلزم أحدا بما لم يقله صراحة، مستندا في ذلك إلى لوازم كلامه، ما لم يصرح بالتزامه بتلك اللوازم".
وأوضح عبد الحليم أن التكفير بالتسلسل يظهر حينما تحكم جماعات الغلو على مسلم أو جماعة من المسلمين بالكفر، بناء على رأيها ومفاهيمها، فكل من لم يوافقها على حكمها بتكفير أولئك فإنه هو الآخر يكون كافرا، وهكذا يتسلسل الأمر بالتكفير.
وشرح الباحث المصري عبد الحليم أن المقصود بقاعدة "من لم يكفر الكافر فهو كافر" عند علماء السنة والجماعة "أنه إن ثبت كفر أحد كفرا يقينيا مجمعا عليه، لا اختلاف فيه، مثل كفر اليهود والنصارى، أو حق الله في الطاعة المطلقة، ومثله مما ثبت من الدين بالضرورة، فإنه يكفر إن بُيّن له ذلك، فأصر على عدم كفر الكافر، فيستتاب أو يجري عليه حكم المرتد" على حد قوله.
بدوره عرّف الباحث الشرعي السوري، محمد الأمين "التكفير بالتسلسل بأنه تكفير من لا يوافق التكفيري بتكفير المعين" ممثلا لذلك بقوله "فمثلا بعضهم كفر الرئيس محمد مرسي، لكن الظواهري لم يكفر مرسي تعيينا، لذا فإنهم اعتبروا الظواهري كافرا، ووصل التسلسل عند بعضهم إلى البغدادي لأنه لم يكفر الظواهري، وهكذا..
وجوابا عن سؤال "
عربي21": ما هي دوافع التكفير ومآلاته عند تلك الجماعات؟ قال الأمين "هناك نوعان من التكفيريين، أولهما: اتخذ من التكفير وسيلة لاستباحة الدماء والأموال، وكل ما يسوقه من حجج ليس عن قناعة، وإنما لتبرير أفعاله".
وتعضيدا لرأيه نقل عن حذيفة عبد الله عزام قوله "خذوا عني خبرة ثلاثين عاما مع التكفيريين: التكفير عندهم ليس مقصودا لذاته، وقد يكون غير مقتنع به، لكنه وسيلة لغاية وهي استحلال الدم والمال والعرض".
أما ثاني أنواع التكفيريين، فهم طبقا للأمين "قلة اقتنعوا فعلا بمسألة التكفير، وحاولوا تطبيق أصول التكفير عندهم على الجميع، لكنهم توسعوا في ذلك حتى شمل بعض أمرائهم، كما حصل في صفوف داعش بين الحازمية (اتجاه ينسب إلى عمر الحازمي طالب علم شرعي سعودي معتقل في السجون السعودية)، والبنعلية (نسبة إلى تركي البنعلي).
ولفت الأمين إلى أن أفكار الغلو الجانحة إلى تكفير المسلمين، ومنها التكفير بالتسلسل، كانت موضع انتقاد أبو أيمن الحموي، (أحد قيادات حركة أحرار الشام الذين تم اغتيالهم في 2014)، فيما كتبه في رسالته "نحو منهج رشيد".
ونقل الأمين عن الحموي قوله "فمثلا ما يذكرونه في قواعد التكفير (من لم يكفر الكافر أو شك في كفره فقد كفر.. هو مثال للتخبط والجهل في هذا الباب، فظاهر القاعدة تكفير من لم يكفر الكافر، مع أن بعض المكفرات تنازع العلماء في كونها مكفرة، كترك الصلاة مثلا"، متسائلا: "فهل يلزم تكفير من لم يكفر تارك الصلاة وهم جمهور العلماء؟؟".
وتابع الحموي انتقاده قائلا "جاء المرقعون أصحاب التأصيل ليحلوا المشكلة فوضعوا قيد الكفر المجمع عليه، أو الكفر القطعي"، واصفا هذا الكلام بأنه "يجعل من القاعدة بأقل تقدير لغوا، لأن إنكار أي شيء من قطعيات الدين كفر مهما كان هذا القطعي سواء كان حرفا من حروف القرآن، أو تكفيرا لكافر مما يجعل عدم تكفير الكافر وصفا غير مؤثر في المسالة، ووضع الوصف غير المؤثر في الضابط لغو عند أهل الأصول".