هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية مقال رأي لسيغورد نيوباور، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط ومقره في واشنطن، تحدث فيه عن الصحفي الراحل جمال خاشقجي الذي جرى اغتياله على خلفية انتقاده للسياسة "الوحشية" للحكومة السعودية.
وقال الكاتب في مقاله الذي ترجمته
"عربي21"، إن جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة
إسطنبول التركية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أثار موجة تسونامي جيوسياسية.
وعلى عكس ما حدث في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر،
عندما كانت المؤسسة السياسية الأمريكية موحدة في معظمها خلال سعيها للحفاظ على
علاقات الشراكة التي كانت تربط الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، بات
هناك الآن إجماع كبير داخل مجلس الشيوخ على استحالة استمرار تلك العلاقة كالمعتاد.
وأضاف الكاتب أن صديقه جمال كان شخصية وطنية سعودية
تدعو للفخر، حيث كان يدعم الرؤية الإصلاحية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة
التي دعا إليها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. لكنه انتقد بشدة الأساليب
القمعية التي اعتمدها ولي العهد لفرض سيطرته على مقاليد الحكم في المملكة، مثلما
حصل في أواخر سنة 2017 على سبيل المثال، عندما اعتقل العديد من الشخصيات السعودية
البارزة، بما فيها أفراد من العائلة المالكة، في فندق ريتز كارلتون في الرياض.
فضلا عن ذلك، انتقد خاشقجي احتضان القيادة السعودية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وتابع الكاتب قوله إن "هذا الصحفي السعودي قد
لجأ في نهاية المطاف إلى منفى اختياري في واشنطن سنة 2017، وأشرك جميع المهتمين
بالشؤون السعودية والمنطقة العربية بشكل عام في النقاش، وهو ما كان دائما يفعله
بحسن نية، كما كان تفكيره وتحليله يستندان إلى الحقيقة على أساس الجدل، وهذا هو
السبب الذي جعله محبوبا ومحترما في دوائر السياسة في واشنطن، لكنه كان معروفا فقط
ضمن هذه الدوائر وبين قراء عموده في صحيفة واشنطن بوست إلى حين وفاته التي جعلته
ذائع الصيت في كامل أنحاء العالم".
اقرأ أيضا: فيديو يظهر نقل جثة خاشقجي خارج السفارة بعد تقطيعها (شاهد)
من جهة أخرى، أثارت قضية مقتله اتهاما واسع النطاق
لنهج ترامب في السياسة الخارجية من قبل المشرّعين الأمريكيين، الديمقراطيين
والجمهوريين على حد سواء. ومنذ ذلك الحين، ظهر جدل علني في صفوف المشرعين حول
ضرورة تخلي الولايات المتحدة عن دعمها للسعودية في حربها على اليمن، أو الفظائع
الأخرى مثل مقتل خاشقجي، مقابل النفط السعودي أو الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي.
وذكر الكاتب تداعيات هذه الجريمة على السياسية
الأمريكية، حيث أصدر مجلس الشيوخ مؤخرا قرارا بالإجماع يتهم فيه محمد بن سلمان
بتدبير جريمة قتل خاشقجي، تمشيا مع تقييم وكالة المخابرات المركزية للجريمة، في
حين أنكرت الحكومة السعودية مشاركة ولي العهد.
فضلا عن ذلك، صوت الكونغرس بأغلبية 56 مقابل 41
لإصدار قرار يسحب الدعم الأمريكي للقوات السعودية في الحرب الأهلية في اليمن.
وبينما يبدو ترامب ملتزما بالحفاظ على العلاقة مع السعوديين، فإن هذه القرارات
مهدت الطريق لمزيد من التحقيق حول مقتل خاشقجي وسياسة ترامب في اليمن، بمجرد أن
يستأنف الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في كانون الثاني/ يناير القادم.
وأضاف الكاتب أنه في حين يعتبر اهتمام الكونغرس
بالحرب اليمنية ومحادثات السلام تطورا إيجابيا على طريق حل هذه الأزمة، تعرض جمال
خاشقجي في المقابل ولسوء الحظ إلى حملة تشويه لسمعته منذ وفاته لإنقاذ سمعة محمد
بن سلمان، حيث عمد الذين كانوا يمجدون ولي العهد إلى تشويه صورة خاشقجي على تويتر.
كما اتهمه هؤلاء بأنه كان "عميلا" لصالح قطر، وهي المنافسة الأبرز
للسعودية في المنطقة، ناهيك عن أنه كان من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين، بسبب
علاقة الصداقة التي كانت تجمعه بمسؤول تنفيذي في مؤسسة قطر الدولية، وهي مؤسسة
لتعليم اللغة والثقافة العربية تدعمها الحكومة القطرية.
اقرأ أيضا: ذكرى خاشقجي حاضرة باحتفالية رأس السنة بتايمز سكوير
وشدد الكاتب على أن هذا الصحفي لطالما قدم نفسه على
أنه صوت مستقل، وهو ما جعل تحليله للأوضاع مطلوبا على نطاق واسع. ولم يكن يرغب في
أن يصبح بيدقا سياسيا في أزمة الخليج، التي تضرب السعودية والإمارات والبحرين ضد
قطر. وقبل وصوله إلى واشنطن، كان يتواصل مع مؤسسة أبحاث تمولها دولة الإمارات على
الرغم من أنه لم ينضم إليها.
ويجب أن يوضح هذا الاهتمام أنه ليس وكيلا لأي طرف في
الأزمة الخليجية، كما رفض الدعوات للظهور على شبكة الجزيرة في قطر، رغم أنه كانت
تجمعه صداقات مع العديد من صحفيي الجزيرة، كما التقى بصورة منتظمة بوكلاء محمد بن
سلمان في واشنطن، بمن في ذلك شقيقه خالد بن سلمان، السفير السعودي بأمريكا.
وكشف سيغورد نيوباور أنه برحيل جمال خاشقجي فقدنا
شخصا كانت له علاقات جيدة مع المؤثرين في السياسة على جميع جوانب أزمة الخليج،
الذي كان على استعداد دائم لمشاركة آرائه حول التغيير في السعودية مع أي شخص مهتم،
دون الدخول في الدعاية المحمومة التي تعرفها واشنطن. وقد كشف موته المأساوي أيضا
عن مدى فداحة سياسة واشنطن في الفترة الأخيرة تجاه منطقة الخليج. وقد يكون عزاؤنا
الآن في أملنا بأن تصبح حقوق الإنسان وحرية التعبير ووسائل الإعلام الحرة مرة أخرى
أعمدة أساسية لأجندة السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي.