هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يجلس يوسف على بعد أمتار من منزله الذي كان يوما مأوى له ولأطفاله التسعة؛ أما الآن فتحول إلى ركام يحوي تحته الكثير من الذكريات على مر سنوات طويلة تفوق عدد سنوات وجود الاحتلال.
ورغم أنه عاد وشيّد غرفة سكنية جديدة،
إلا أن الفلسطيني يوسف أبو عرام كان واحدا ممن عانوا حرب التهجير، التي تشنها قوات
الاحتلال على أهالي منطقة مسافر يطا جنوب مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة.
وتعتبر هذه المنطقة واحدة من
المساحات الشاسعة الغنية بالموارد الطبيعية، التي يريد الاحتلال الاستيلاء عليها
وتحويلها إلى مشاريع استيطانية.
وقبل أسابيع داهم جنود الاحتلال برفقة
الجرافات خربة القويويص داخل مسافر يطا، وشرع بهدم منازل عدة بينها منزل أبو عرام؛
وليست تلك سوى غرف مسقوفة بالصفيح في ظل التضييق الإسرائيلي على البناء فيها.
اقرأ أيضا: الاحتلال يعتقل فلسطينيين ويعتزم الاستيلاء على أراض بالضفة
ويقول أبو عرام لـ"عربي21"
إن "قوات الاحتلال هدمت منزله بعد إخطاره بذلك قبل 96 ساعة من تنفيذ عملية
الهدم؛ حيث يأوي المنزل 13 فردا معظمهم من الأطفال، إضافة إلى هدم غرف سكنية
ودورات مياه بحجة عدم الترخيص".
ويوضح أبو عرام أنه اضطر وعائلته
للجوء إلى أحد منازل الخربة وبقوا فيها حتى تمكن من تشييد غرفة جديدة على بعد
أمتار من منزله المهدوم، مبينا أن الاحتلال كذلك يتذرع بأن تلك المنازل قريبة من
شارع استيطاني عمل على شقه حديثا لراحة المستوطنين.
ولا يقتصر الأمر على عمليات الهدم؛
بل يلاحق الاحتلال أهالي مسافر يطا في لقمة عيشهم، حيث يعتمدون بشكل كامل على
رعاية الأغنام فيقوم الجنود والمستوطنون بملاحقة الرعاة ومضايقتهم وسرقة المواشي
وأحيانا قتلها، كما تعمل إجراءات الاحتلال على تقليص المناطق الرعوية وبالتالي
تهديد رعاية المواشي في تلك المناطق.
ويؤكد أبو عرام أن "أهالي
المسافر يعتمدون على الزراعة البعلية، لأن ري المزروعات بالنسبة لهم أمرا مستحيلا
بسبب حرب الاحتلال على المياه".
ويشير إلى أن حفر الآبار ممنوع في
تلك المنطقة بأمر الاحتلال، الذي قام كذلك بقطع خطوط المياه الرئيسية للمسافر كي
لا يستفيد أهلها من المياه، فيضطرون إلى نقلها عبر الصهاريج ما يزيد عليهم الجهد
والتكلفة.
اقرأ أيضا: مسؤولة أممية: لا سلام بالشرق الأوسط دون حل الدولتين
ويتابع: "معاناتنا تتمثل في
الاحتلال فقط؛ فطبيعة الحياة بإمكاننا أن نعيشها لو كانت المياه متوفرة ولو كانت
الطرق معبدة ولو كان البناء مسموحا، ففي ظل الاحتلال لا نتمكن من بناء منازل أو
غرف ويتهددها الهدم باستمرار".
وإلى جانب كل ذلك يعيش أهالي خربة "قويويص"
دون تيار كهربائي أو ضعيف في معظم الأحيان؛ حيث أن الطاقة التي تستخدم في توليده
هوائية، ولا تكفي السكان الذين يبلغ عددهم في الخربة أكثر من 400 شخص.
ويبين أبو عرام أنه فوق كل ذلك يواصل
المستوطنون الاعتداء على أهالي الخربة واقتحام أراضيهم، حتى أن الأطفال يضطرون
لسلوك طرق أخرى للوصول إلى مدارسهم دون التعرض لاعتداءات من المستوطنين، فيسلكون
طرقا وعرة تسبب لهم صعوبة كبيرة في الذهاب والإياب خاصة خلال فصل الشتاء.
لكن رغم كل ما يمرون به يرفض أهالي
مسافر يطا فكرة الخروج من أراضيهم؛ فالاحتلال يسعى عبر هذه المنغصات إلى طردهم
منها وإجبارهم على الرحيل، إلا أنهم يؤكدون بقاءهم فيها، والاحتلال هو الدخيل
عليها.
خطة متكاملة
قبل عدة أيام سلمت قوات الاحتلال
إخطارات بهدم مساكن لفلسطينيين في منطقة أم الخير داخل مسافر يطا بحجة تواجدهم
داخل أراض مصنفة على أنها خاضعة لسيطرتها أو ما تعرف بأراضي ج، وشكلت الإخطارات
ناقوس خطر أمام الأهالي ببدء تطبيق خطة ضم هذه الأراضي وتحويلها لمستوطنات جديدة.
وتتكون مسافر يطا من 14 تجمعا سكنيا
فلسطينيا تتوزع على مساحة 100 ألف دونم، يسعى الاحتلال إلى الاستيلاء على أكثر من
نصف مساحتها.
ويقول منسق اللجان الشعبية في منطقة
المسافر راتب الجبور لـ"عربي21" إن "بعض الأهالي في تلك المنطقة
اضطروا للعيش في كهوف ومغارات، كي يحافظوا على وجودهم في أرضهم ويتغلبوا على حرب
الهدم التي تشنها قوات الاحتلال ضدهم".
ويبين الجبور أن قوات الاحتلال تمنع
أهالي "المسافر" من ترميم بيوتهم وتهددهم وتحاول ترحيلهم من منازلهم،
المقامة على أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم قبل مجيء الاحتلال الإسرائيلي إلى
فلسطين.
ويؤكد الجبور أن جميع المنازل
الفلسطينية المتواجدة في مسافر يطا مسقوفة بالصفيح؛ وأن الاحتلال يستكثر عليهم حتى
هذه المنازل البسيطة فيقوم بإخطارها ثم هدمها دون أي رحمة، حسب قوله.
وفي ظل هذه الانتهاكات اليومية اضطر
الفلسطينيون إلى ترميم الكهوف والعيش فيها كما يحدث في مناطق جنبا والمركز والمجاز
والمفقرة والركيز؛ وهي مناطق تقع داخل المسافر، ويعيشون داخلها ظروفا قاسية للغاية
ولكنهم يفضّلونها على الرحيل من أراضيهم.
ويقول الجبور إن الاحتلال يحارب
الفلسطينيين هناك بقطع الموارد الأساسية عنهم؛ حيث يمنعهم من الحصول على المياه
وقام بقطع الأنابيب الرئيسية التي تزودهم بها؛ إضافة إلى حربه على الآبار وهدمها،
بينما يمنع إيصال التيار الكهربائي لهم فيضطرون إلى الاستعانة بالطاقة الشمسية
لتوليدها، بينما تعتبر الطرق تحديا آخر أمامهم حيث يقوم الاحتلال بتجريفها
باستمرار فتبقى ترابية وعرة ويصعب عليهم استخدامها، وأن الهدف في ذلك هو قطع
التواصل بين مختلف القرى داخل المسافر وتحويل التجمعات فيها إلى معزولة.
اقرأ أيضا: غانتس يتعهد بضم غور الأردن بعد الانتخابات الإسرائيلية
أما المستوطنات فشيدها الاحتلال على
أراض محيطة بالمسافر منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي؛ وتشكل ما مجموعه عشر
مستوطنات وبؤر يسعى الاحتلال إلى إبقاء التواصل فيما بينها عن طريق شق شوارع
استيطانية على حساب أراضي المسافر، كما أنها تشكل خطرا حقيقيا على حياة الفلسطينيين
بسبب استمرار اعتداءات المستوطنين اليومية.
ويضيف: "حياة قاسية يعيشها
الفلسطينيون هناك وهي أشبه بنكبة يومية؛ ولكنهم بصمودهم يقولون للاحتلال في كل مرة
لن نخرج من أرضنا مهما بلغت الانتهاكات بشاعة".
وفي تقرير نشرته مؤسسة
"بيتسيلم" الإسرائيلية فإن الاحتلال يسعى إلى ترحيل جزء من سكان هذه
التجمعات إلى ما تسميه "مواقع تثبيت" وهي مواقع يسكنون فيها بشكل دائم
بزعم تحسين مستوى حياتهم، فيما تهدف هذه المخططات إلى تركيز الفلسطينيين في مناطق
ضيقة داخل مواقع سكن مدنية ما سيصعّب عليهم مواصلة كسب رزقهم من الزراعة ورعي الأغنام،
وبهذا ستحقّق "إسرائيل" غايتها وتسلب من هؤلاء الفلسطينيين مناطق سكنهم
لتستخدمها لاحتياجاتها هي.
وتابعت المؤسسة: "كما هو الأمر
في شأن جميع نواحي الحياة تحت وطأة الاحتلال، وضع هذه المخطّطات إسرائيليّون في
تجاهُل تامّ لسكّان التجمّعات الذين لا يملكون أيّ قوّة سياسيّة - أو حتى قوّة
تمثيليّة شكليّة - تمكّنهم من التأثير في عمليّات صنع القرار. هذا الواقع يصبح
صارخًا على نحوٍ خاصّ في السياق الحاليّ نظرًا إلى أنّ هذه المخطّطات تفرض تغييرات
حادّة على نمط حياة السكّان الفلسطينيين وتمسّ مسًّا خطيرًا بفرصهم لكسب الرّزق".