هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شكلت التغيرات التي شهدتها الساحة الجزائرية خلال عام من الآن، تفاعلات كبيرة بفعل الحراك الشعبي الضاغط، والتي أجبرت بالضغط صوب إنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتنظيم انتخابات جدلية بين مؤيد ورافض، فاز فيها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.
وبين عام مضى وآخر قادم، لا يزال الجدل محتدما بالجزائر، حول النتائج الإيجابية التي تحققت على سقف الحريات وحرية التعبير، بين راض بما تحقق ورافض له.
وأدى الحراك الشعبي الذي انطلق بالجزائر في 22 شباط/ فبراير 2019، ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، إلى إجبار الأخير على الاستقالة في 2 نيسان/ أبريل من نفس السنة.
ومنذ انطلاق الحراك سجنت شخصيات سياسية وثورية ونشطاء وإعلاميون (أطلق سراح بعضهم) بسبب آرائهم حول الوضع السياسي في البلاد ونشاطهم في الحراك الشعبي.
تجريم العنصرية والكراهية
وفي 14 كانون الثاني/ يناير 2020، أودع القضاء الجزائري رابح ظريف مدير الثقافة لمحافظة المسيلة (شرقا) الحبس المؤقت بتهمة الإضرار بالمصلحة الوطنية والمساس بسلامة الوطن، بحسب بيان لمحكمة المحافظة.
وكان رابح ظريف نشر تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك" اتهم فيها عبان رمضان أحد قادة الثورة التحريرية (1954- 1962) ضد الاستعمار الفرنسي بالخيانة.
وعقب انتخابه رئيسا للجزائر، في الـ12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أمر عبد المجيد تبون حكومته بإصدار قانون يجرم خطاب العنصرية والكراهية والتحريض، الذي اعتبره يشكل تهديداً للانسجام الوطني، بحسب بيان للرئاسة.
وفي 9 كانون الثاني/ يناير الماضي، دعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (أكبر تجمع لعلماء الدين في البلاد) المواطنين إلى نبذ التنازع والاختلاف المذموم.
وقالت الجمعية في بيان اطلعت عليه الأناضول: "إيمانا بواجب النصح ندعو أبناء الأمة الجزائرية إلى نبذ التنازع والاختلاف المذموم وكل دعوات التعصب والصراع الأيديولوجي بينهم".
مكاسب في ظل تخوفات وشكوك
ويعتقد المخرج الجزائري المختص في الأفلام الوثائقية عبد الباقي صلاي أنّ "الحراك بقدر ما فتح الباب على عهد جديد في مجال حرية التعبير، فإنه خلق تخوفات من رهن هذه الحرية"، وقال صلاي لـ"الأناضول" إنّه "يجب توخي الحذر في ما نتحدث عنه على أنه حرية تعبير".
وأضاف: "الطعن في الأشخاص مهما كان توجههم الأيديولوجي لا يعتبر حرية تعبير، كما أنه لا يكون مسوغا للزج بهذه المفردة في أتون المشاجرة واعتبارها من صميم حرية التعبير".
وقال: "لا يجوز شتم الآخر باسم حرية التعبير، ربما كانت السلطة الحالية ترى في حرية التعبير غير الذي يراه معارضوها".
وأشار إلى أنّ السلطة "تعاملت مع تصريحات الكثيرين على أنها استفزاز لها وللجيش، فيما يرى البعض أنّ سجنها لكل من تجاوز حدودها، يعتبر تجنيا على حرية التعبير".
واعتبر أنّ "تعامل السلطة مع رابح ظريف بتلك الطريقة يندرج ضمن التحفظ الذي يجب على كل موظف في الدولة أن يلتزم به".
وقال: "ظريف أخطأ، فأخلط الوظيفة مع القناعة الشخصية، وأفتى فتوى تاريخية خارج تخصصه وهو الذي كان على رأس متحف للتاريخ قبل أن يصبح مديرا للثقافة".
وأردف: "عاقبته السلطة، ليكون عبرة للآخرين الذين تسوّل لهم أنفسهم الخلط بين حرية التعبير وبين القناعات المبنية على المشاحانات التاريخية".
واستطرد قائلا: "ظريف ضحية تاريخ مكتوب من زاوية واحدة، وتعامل بما اعتقد أنه حرية تعبير لأنه سمع ورأى التخوين يطال رموزا تاريخية منذ الفترة الاستعمارية من قبل آخرين ولم تتم معاقبتهم".
وحول كتابة التاريخ بموضوعية بعد الحراك الشعبي، أوضح صلاي أنّ ذلك سيفتح الباب على مصراعيه للبحث والتقصي الفعلي في التاريخ، مؤكدا أنّها مرحلة جديدة لكتابة تاريخ حقيقي وفق حرية تعبير كبيرة، لكن الأمر يسند لمختصين.
الحراك حقق مكاسب.. فماذا عن كتابة التاريخ؟
من جهته، دعا الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر (حكومية) رضوان بوهيدل إلى ضرورة "عدم الخلط بين سجين الرأي والمسجون بسبب جرائم يعاقب عليها القانون".
وقال بوهيدل لـ"الأناضول": "الشتم والتشهير ليست أفعالا تدخل في حرية الرأي، القانون واضح في هذا الشأن تفاديا للتهويل والعودة إلى تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية".
اقرأ أيضا : تبون يتنازل عن جزء من صلاحياته لرئيس الحكومة
وحول حرية التعبير في الجزائر اعتبر أنّ الحراك الشعبي حقق مكاسب في هذا المجال عبر خلق نوع من القطيعة مع بعض الممارسات السابقة.
وأضاف: "يجب ضبط مفهوم الحرية بعيدا عن خطابات التجريح والكراهية والتخوين التي سادت مؤخرا بسبب اختلاف في وجهات النظر".
ووفق المتحدث فإنه "يتم ذلك بإعادة النظر في التشريعات المرتبطة بذلك سواء في الدستور أو القانون العضوي للإعلام أو حتى قانون العقوبات".
وشدد على أنّ "الحرية لا تعطي الحق لأي كان الطعن في الآخر باسم حرية الرأي والتعبير، بل يجب تحديد المسؤوليات مسبقا عبر قوانين تضبط حدودها".
ولم يخف المتحدث أنّ "هذا المفهوم مرتبط بالديمقراطية والمسؤولية والأخلاق ولا يمكن الحديث عن حرية رأي متجردة من الأخلاق".
وأشار إلى أنّ "الحراك حقق بعض المكاسب وجب تعزيزها بمكاسب أخرى تضمن حق المواطن في حرية الرأي دون تجريم".
وبخصوص كتابة التاريخ بموضوعية، أكدّ بوهيدل أنّ التاريخ الجزائري بحاجة إلى تدقيق وبحث معمق ومتخصص.
وبحسب بوهديل، فإنه "يجب أن توكل كتابه التاريخ لأهل الاختصاص بكل موضوعية، ولا يعتقد بوجود علاقة بين كتابة التاريخ وحرية الرأي".
واستدل بقوله: "لا يُمنع نشر كتاب لمؤرخ جزائري في الخارج، لكن تبقى بعض التحفظات المبررة وغير المبررة قد تمنع نشر وتوزيع كل ما قد يمس برموز الثورة وتاريخ البلاد عموما".
وفي تصنيف "مراسلون بلاد حدود" للعام 2019، فإنه نشر في نيسان/ أبريل الماضي، أنه حلت الجزائر في الصف الـ141 عالميا، بعد أن كانت في المرتبة الـ136 في عام 2018.