هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الأزمة الصحية فرضت صندوق دفع الحياة الثقافية
أجلنا مهرجان قرطاج الدولي إلى 2021 وهذا هو البديل
مثل هذه المشاريع لها الأولوية في الدعم
دُور الثقافة لا بد أن تكون حاضنة للمشاريع الثقافية
مدينة الثقافة يجب أن تكون دارا لصناع الثقافة والمنتجين وأصحاب المشاريع
أحدث انتشار فيروس كورونا رجة كبرى في كل القطاعات وفرض على الوزارات المشرفة إعادة النظر في سياساتها التي أثبت الفيروس عجزها التام عن التعامل مع الأزمات، وفي المقابل فإنه لا وجود لما يعرف بسياسة الأزمة.
وزارة الثقافة التونسية لا تخرج عن هذا السياق، فبعد أن أغلق الفيروس المؤسسات الثقافية وأجل المهرجانات والتظاهرات والمعارض الكبرى، ما فرض ضرورة التسريع بوضع سياسة ثقافية قادرة على إدارة الأزمة.
فما هو المخطط الذي اعتمدته وزيرة الثقافة شيراز العتيري التي وجدت نفسها في الحرب ضد الكورونا ومخلفاتها فقط بعد أيام قليلة من تسلمها المنصب، وهي من كانت تحمل مشروعا إصلاحيا تقوم ملامح سياسته في جزء كبير منه على التحديث والتكيف مع التغيرات الرقمية والعولمة وتطوير الصناعات الثقافية، ولكن أمام الفيروس لا بد أن تتغير الموازين والأولويات..
فأي سياسة ثقافية من شأنها أن تمتص مخلفات الشلل الذي ألحقته الأزمة الصحية بالحياة الثقافية؟ "عربي21" التقت وزيرة الثقافة التونسية شيراز العتيري وكان الحوار الآتي:
يصادف توليك وزارة الثقافة فترة من توقف الحياة الثقافية على مستوى العروض، وهي حالة استثنائية لم تعرفها تونس من قبل. هل ذلك يستدعي تغييرات في السياسة الثقافية؟
صحيح أن الأزمة الصحية قد أدت إلى إيقاف الأنشطة الثقافية وهو ما فرض إحداث تغييرات في السياسة الثقافية. فقمنا بإعادة هيكلة أولوياتنا في السياسة الثقافية وكنت أتمنى لو أنني الآن أقدم لكم مشروعي الذي أتيت به إلى وزارة الثقافة ولكن الوضع الصحي فرض سياسته. فكانت البداية بتغيير السياسة الثقافية والتوجه نحو بناء علاقة ثقة مع المثقفين والشركات وصناع الثقافة بصفة عامة. فقد لاحظنا أن العلاقة بينهم وبين الوزارة كانت تختزل فقط في علاقة دعم وليست علاقة شراكة مبنية على برامج وفلسفة وتصور عام أو توجهات واضحة المعالم...
وفي إطار السياسة الثقافية الجديدة تم إطلاق صندوق دفع الحياة الثقافية وهي أول خطوة بالنسبة لنا نحو إعادة بناء الثقة مع الفاعلين في القطاع ناهيك عن أن الكثيرين من العاملين بالقطاع الثقافي يشتغلون بطرق غير منظمة: فلا تغطية اجتماعية ولا انخراط في تعاونية الفنانين ولا انخراط في مؤسسة حقوق المؤلف، وهذا إشكال كبير بالنسبة للقطاع.
فلا بد إذن من إعادة بناء الثقة وإعادة المصعد الاجتماعي. لتتمكن من الصعود في القطاع لا بد أن يكون العمل منظما ولا بد للعاملين بالقطاع أن يعترفوا بأسس العمل المنظم حتى يمكن للدولة أن ترافقه في مسيرته الثقافية. وهذه هي فلسفة صندوق دفع الحياة الثقافية وفلسفة الشراكة مع العاملين بالقطاع والتي ستكون على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، هي مرحلة المساعدات الاجتماعية وقد انطلقنا فيها. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة المرافقة.. والمرحلة الثالثة، هي مرحلة الدفع لإرجاع الحياة الثقافية، وهذا لن ننجح فيه طبعا إلا ببناء علاقة ثقة مع كل العاملين والفاعلين في القطاع.
توجد مبادرات كثيرة لتنشيط الثقافة في تونس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. هل تنخرط وزارة الثقافة في هذا الإطار؟
طبعا مهمة المبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن للأسف شبكات التواصل الاجتماعي ليست متاحة للجميع خاصة في الأرياف والمناطق النائية، ومهمة وزارة الثقافة مراعاة هذه النقطة في مبادراتها، ومن هذا المنطلق واعتبارا لهذه الظروف أطلقنا علامة مميزة تحمل اسم "شوفلي فن" بالشراكة مع مؤسسة التلفزة الوطنية، وانطلقنا في بث البرنامج من ليلة الاثنين 6 أبريل 2020 على القناة الوطنية الثانية حيث يتم عرض برمجة مختلفة من مسرح وسينما وحفلات موسيقية.. كما تكفلت الوزارة بدفع حقوق كل منتجي هذه الأعمال، ونفس العلامة تم استعمالها في منصة رقمية للإبداعات التونسية وكل الإنتاجات التي تملك الوزارة حقوق نشرها.
من بين أدوات تنشيط الحياة الثقافية والفنية في تونس، لعبت دور الثقافة دورا أساسيا. اليوم مع هذا التوقف، إضافة إلى التحولات التي عاشتها تونس منذ سنوات، هل هناك تفكير في تطوير أدوارها؟
مهم جدا السؤال، صحيح أن دور الثقافة لعبت دورا مهما في الجهات في بناء الحياة الثقافية ولكن اليوم يجب أن تتبنى دور الثقافة طرحا ثقافيا جديدا. يجب أن تتطور وتخلق ديناميكية عمل جديدة بتبني المشاريع الشبابية وفتح أبوابها للمجتمع المدني والذي بدوره يبذل مجهودات كبرى في القطاع... دور الثقافة مدعوة أيضا لبناء علاقة شراكة مع المجتمع المدني ومع صناع الثقافة بالجهة، والذين عادة ما تكون لديهم مشاريع مهمة ولا يريدون تمريرها عبر دور الثقافة ولا يستطيعون تطويرها في الآن ذاته لعدم وجود حاضنة للمؤسسات الثقافية، وهذا أيضا يمكن لدار الثقافة أن تشتغل عليه.
جرى تأجيل معرض تونس الدولي للكتاب إلى شهر نوفمبر، هل ستساعد وزارة الثقافة قطاع الكتاب، خصوصا أن معرض الكتاب كان يمثل عامل تجديد دماء دور النشر؟
وزارة الثقافة ترافق كل القطاعات (الكتاب والسينما والمسرح والموسيقى) وكل ما يهم القطاع الثقافي... أكيد كان قرارا صعبا وموجعا تأجيل المعرض الدولي للكتاب ولكن ما يمكن تأكيده: ستكون هناك مرافقة للكتاب حتى يشاركوا في منظومة الدعم وللناشرين أيضا كما ستسخر الوزارة أكثر إمكانيات لمعرض الكتاب الدولي لإنجاح التظاهرة في موعدها الجديد في شهر نوفمبر 2020 وكذلك لمساعدة الناشرين في تجاوز هذه الفترة الصعبة... علما بأن لجنة الشراءات كانت قد انطلقت في عملها وإن شاء الله ستعجل في ذلك حتى يتمكن كل الناشرين من المشاركة في منظومة الدعم.
هناك أيضا مهرجان قرطاج الصيفي. كيف سيجري تنظيمه ضمن الظروف الاستثنائية التي تعيشها تونس؟
المهرجانات اليوم ليست بالأولوية أمام الوضع الصحي ولكن ما يمكن الإعلام به على هذا المستوى هو الآتي: أولا وبالاتفاق مع مدير مهرجان قرطاج الدولي السيد عماد العليبي، تم تأجيل مهرجان قرطاج الدولي بكل تفاصيل برمجته إلى 2021 وهذا لعدة أسباب مرتبطة أساسا بانعكاسات الأزمة الصحية وتوقف الأنشطة وتعطل حركة الطيران وغيرها من الأسباب المتعلقة بالوضع الراهن، بالإضافة إلى أن الوضع الاقتصادي الثقافي الراهن في ظل الأزمة يفرض التفكير في تصور جديد استثنائي لصيف 2020، تصور من شأنه أن يضخ الحياة من جديد في الحركة الثقافية. لهذا وباقتراح من السيد عماد العليبي فإنه سينتظم مهرجان وطني وسيكون في كامل جهات الجمهورية بمختلف فضاءاتها لإرجاع الدورة الثقافية... ومع اقتراب الموعد سيعلن مديره عن التفاصيل وفلسفة التصور.
عاشت مجلة الحياة الثقافية تذبذبا في الصدور خلال الفترة الأخيرة. هل الوزارة ببرمجتها حريصة على توفير ظروف النجاح لهذا المنبر؟
مما لا شك فيه أن مجلة الحياة الثقافية قد شهدت تذبذبا، ولكن القادم أفضل فقد تم تكليف رئيس تحرير جديد للمجلة وسنساندها حتى تقدم مضمونا جيدا للمثقفين وتقوم بدورها وهذا واجبنا.
كيف تفكّر الوزارة في المرحلة ما بعد تجاوز خطر فيروس كورونا في قطاعات مثل المسرح والسينما والفنون التشكيلية؟
هنا نعود للحديث عن المرحلة الثالثة ضمن مخطط صندوق دفع الحياة الثقافية وهي مرحلة الدفع التي ستنطلق في شهر حزيران... هذا وفي الأيام القادمة سنطلق اختبارات للانتدابات في مختلف الاختصاصات الثقافية... كما سنفتح الباب لدعم المشاريع باسم الصندوق والتركيز سيكون على المشاريع التنموية الثقافية وليس بالضرورة التي تتضمن مهرجانات. المهم أن يكون المشروع قادرا على المساهمة في التنمية الثقافية ويكون له تأثير اقتصادي على الجهة، فنحن اليوم مطالبون بالمحافظة على النسيج الاقتصادي الثقافي الذي يفتح الآفاق التشغيلية ويفتح مجالات أوسع للمبدعين حتى ينتجوا في أحسن الظروف.
ما رأيك في مجهود الفنانين في هذه المرحلة في معاضدة مجهود الدولة في التصدي لأزمة كورونا؟
بصراحة مجهود الفنانين مجهود عظيم ومبهر ويثلج الصدر... وجيد أن الفنان قام بدوره في التوعية وحث المواطنين على البقاء في منازلهم ولهم مساهمات طيبة في ذلك... والفنانون طبعا هم رأس المال وهم بدورهم ستوليهم الوزارة الاهتمام الذي يستحقونه... ومن المؤكد أنه بعد مرور الأزمة سيدخل الفنانون في مسار من الإنتاج الثقافي بفضل الصندوق وبفضل الإجراءات الجديدة.
هل من استراتيجية جديدة لمدينة الثقافة؟
أرى أنه يجب أن يتغير نظام التصرف في مدينة الثقافة بطريقة جذرية، مدينة الثقافة يجب أن تتحول إلى مصنع للثقافة.. يجب أن تفتح الفضاءات للإنتاج وللتصنيع الثقافي... يجب أن تكون دارا لصناع الثقافة وموقعا حقيقيا واستراتيجيا للإنتاج وتقديم المشاريع الثقافية التي نحن في حاجة إليها لضخ الحياة في الثقافة.