نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" مقالا للصحفية برخا دوت
قالت فيه إن نوبور شارما، المتحدثة السابقة باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في
الهند،
تعرضت للانتقاد على المسرح العالمي لإهانة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على شاشات
التلفزيون في أوقات الذروة.
بعد رد فعل غير مسبوق من الدول ذات الأغلبية المسلمة -بدءا
من قطر وبما فيها الإمارات والسعودية وإيران وإندونيسيا وجزر المالديف- تم تعليق عضويتها
في الحزب كما تم طرد نافين جيندال، المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا في دلهي والذي
قام أيضا بالتغريد بتعليقات مهينة عن الإسلام.
لكن في الواقع، من غير المرجح أن يرسم الخلاف الدبلوماسي
أي خطوط حمراء طويلة المدى حول الخطاب المعادي للمسلمين لليمين الهندوسي. بل قد تصبح
المواقف أكثر تشددا.
وبالتأكيد، في الوقت الحالي، سيفكر ممثلو وسائل الإعلام في
حزب بهاراتيا جاناتا بما يقولون عندما يظهرون في الحوارات. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا.
بالنسبة لمئات الآلاف من أنصار اليمين المتطرف لحكومة مودي، فإن شارما أصبحت شخصية
مهمة. ما عليك سوى إلقاء نظرة على فيض تعليقات "أنا أقف مع نوبور شارما"
على وسائل التواصل الاجتماعي والدعوات لمقاطعة الخطوط الجوية القطرية.
يبدو أن هذه الرسائل الجماعية يتم تنسيقها مرة أخرى بواسطة
آلية مركزية جيدة التجهيز. لن أتفاجأ إذا، بعد مرور بعض الوقت، أن تكون شارما قد عززت
مستقبلها السياسي في نهاية المطاف من هذا الجدل القبيح بدلا من أن تفقده.
وتساءلت: هل ينبغي أن تتلقى الهند محاضرات حول التعددية وحقوق
الإنسان من قبل الدول غير الديمقراطية، وبعضها ثيوقراطيات ذات سجلات ضعيفة في التنوع؟
هناك بعض المزايا في طرح الأسئلة على هذا المنوال. حتى أشد
منتقدي سياسة هندوتفا لحزب بهاراتيا جاناتا شراسة غالبا ما يكونون غير مرتاحين للخطب
من القوى الخارجية، بما في ذلك الديمقراطيات القوية مثل الولايات المتحدة. وأشاد الكثيرون
بوزير خارجية الهند عندما ذكّر الولايات المتحدة مؤخرا بأن أي حوار حول حقوق الإنسان
يجب أن يكون بين أنداد وليس على أنه توبيخ مستعل.
لكن هذا يجعل حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف أكثر عرضة للمساءلة
عن سبب استجابته للغضب من حكومات 15 دولة ذات أغلبية مسلمة على الأقل، لكنه لم يتفاعل
مع الأذى الذي لحق بأكثر من 200 مليون مواطن مسلم. ربما تكمن الإجابة في مليارات الدولارات
من التجارة والنفط والصادرات الغذائية والتحويلات المالية المعرضة للخطر في هذه البلدان.
أو يمكن أن يكون رئيس الوزراء ناريندرا مودي - الذي حقق نجاحا
كبيرا في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع العالم الإسلامي- يشعر أن علامته التجارية
الشخصية قد تلوثت. يشعر نائب رئيس الهند، الذي كان في زيارة لقطر عندما استدعت حكومتها
السفير الهندي بشأن هذه القضية، بالحرج في الخارج.
مهما كان السبب -وربما كان مزيجا من عدة أسباب- فقد استغرق
حزب بهاراتيا جاناتا والحكومة أياما للتصرف ضد شارما، وفعلا ذلك فقط عندما أصبحت قضية
دولية.
إن تجاهل الحكومة للانتقادات المحلية يتحدث عما يسميه الدبلوماسي
المتقاعد نافديب سوري "ازدواجية" حزب بهاراتيا جاناتا. قال لي سوري، الذي
شغل منصب سفير الهند في الإمارات العربية المتحدة: "اعتقد الحزب أن بإمكان الحكومة
والدبلوماسيين ورئيس الوزراء جذب العالم الإسلامي، ولكن في الوطن يمكن اتباع سياسات
الاستقطاب لتحقيق مكاسب انتخابية.. هل هذا فشل دبلوماسي للهند؟ لا، إنه فشل سياسي يتحمل
الدبلوماسيون عبء إصلاحه".
في الحقيقة، تم تجاهل الغضب بشأن تعليقات شارما في البداية
لأن حزب بهاراتيا جاناتا لم يضطر أبدا إلى دفع ثمن سياسي مقابل التعامل مع المجتمع
المسلم على أنه الآخر. كما أنه لا ينزعج إذا تراجع التنوع الديني والشمولية من خلال
قوته الانتخابية المنتصرة. هناك احتمال ألا يكون للحزب في القريب أي مسلم في البرلمان.
إذا حدث ذلك، فلن يكون الحزب خجولا بهذا الشأن.
لكن يتعين على حكومة مودي اليوم أن تخوض معركة على جبهتين:
مع دول إسلامية غاضبة، حيث يعيش ويعمل ملايين الهنود، وأقسام مسعورة من قاعدتها الخاصة
الغاضبة جدا على ما تعتبره استسلاما. المنصات اليمينية على الإنترنت مليئة بالانفجارات
الاستفزازية حول "الخيانة". من الواضح أن أنصار حزب بهاراتيا جاناتا يعتقدون
أن هناك كلمة أخيرة لم تُقل بعد.
يتم توفير بيئة التمكين المثالية لصفارات الكلاب هذه من خلال
القنوات الإخبارية التلفزيونية الخاصة في الهند وثقافتها السامة التي تتميز بالخشونة.
كل مساء، يقوم المذيعون بإثارة الأصوات الأكثر تطرفا ضد بعضها البعض، ويتم اختيارهم
بدقة لمدى انحطاطهم، وسُمّيتهم، وعدم اعتمادهم على حقائق. لقد أعرب نعوم تشومسكي عن
أسفه "القبول المصطنع" لوسائل الإعلام. تقلب القنوات الهندية ذلك بنموذج
مسرحي "للمعارضة المصطنعة". في حين أن أذرع الصحف في هذه التكتلات الإعلامية
تنشر مقالات افتتاحية عن مخاطر الاستقطاب، فإن شركات البث الخاصة بها تزدهر كونها مصانع
للكراهية. واستمر هذا حتى في أعقاب الخلافات مع دول
الخليج.
جادل أنصار شارما بأن رد فعل دول الخليج جاء نتيجة لحملة
منظمة من قبل أعداء الهند. إن التقارير عن تهديدات القاعدة بتنفيذ هجمات انتحارية بسبب
التعليقات "الكفرية" لن تؤدي إلا إلى تعزيز هذه الرواية.
وغني عن البيان أن كل أعمال العنف، بما في ذلك التهديدات
لشارما، لا يمكن الدفاع عنها. لكن المفارقة هي أنه -في حين يصدر الإرهابيون تهديدات
مع الإفلات من العقاب ويجادل السياسيون ويوجهون أصابع الاتهام وتتنافس القوى العظمى
من أجل التفوق الاستراتيجي، ويحط مقدمو البرامج التلفزيونية الاستعراضيون من شأن المهنة-
من المرجح أن يظل
المسلمون الهنود العاديون وأصواتهم على الهامش.
ربما تم وصف شارما بشكل مخادع بأنها "هامشية" في
التوضيحات الرسمية الهندية. ولكن هناك احتمالات بأن "الهامشي" اليوم هو السائد
في الغد.