بعد سنوات من الامتيازات غير المسبوقة
لشركات الدولة على حساب شركات القطاع الخاص، وافقت الحكومة
المصرية على مشروع
قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، لكنها تجاهلت الشركات التابعة للجيش.
ووفقا لبيان الحكومة، تأتي هذه الخطوة،
في إطار حرص الدولة على تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف
الأنشطة
الاقتصادية، وتكريسا وترسيخا للتوجه الخاص بكفالة فرص عادلة لمختلف
الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لها.
ورأى البيان أن من شأن القرار الجديد دعم
التنافس في إطار من الحياد والشفافية واقتصاديات السوق الحر، لما في ذلك من أثر في
خلق بيئة استثمارية وتنافسية صحية تشجع المستثمرين على ضخ مزيد من الاستثمارات،
ينهض بها الاقتصاد القومي وتتحسن مؤشراته.
إظهار أخبار متعلقة
وكفلت مواد مشروع القانون المساواة بين
القطاع الخاص وأجهزة الدولة كافة، ومؤسساتها وهيئاتها وكياناتها وشركاتها أو
الشركات التي تساهم في ملكيتها عند ممارسة أنشطة استثمارية أو اقتصادية، وذلك من
خلال سريان الأصل العام المنصوص عليه في قوانين الضرائب والرسوم على كلا الطائفتين
دون تمييز، وإلغاء الإعفاءات الضريبية أو الرسوم كافة، وسواء كان الإعفاء كليا أو
جزئيا، والواردة في أي من القوانين أو اللوائح.
وطوال السنوات القليلة الماضية منذ
تولي رئيس النظام عبد الفتاح السلطة في منتصف 2014، كشفت البيانات الرسمية تحقيق
الشركات المملوكة للدولة أرباحا قوية وازدهرت بشكل قوي، لكنها دفعت القطاع الخاص
إلى الظل، وانحسر الاستثمار في القطاع الخاص.
إظهار أخبار متعلقة
وانتقد البنك وصندوق النقد الدوليين
مرارا دعم الدولة لشركاتها، وقال البنك الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 2020؛ إن الشركات المملوكة للدولة تتلقى أحيانا استثناءات ضريبية خاصة وبيئة تنظيمية
تميل لصالح الشركات القائمة، مما يجعل نشاط مستثمري القطاع الخاص في انحسار.
وانتقد البنك الدولي التأثير السلبي لهذا التوجه الأحادي، وأكد أنه
"يؤثر الوجود الواسع للشركات المملوكة للدولة في جميع مناحي الاقتصاد على
المنافسة، كما ينتج عنه تشوهات في الأسواق".
وفي أحدث تصريحات لها حول مصر، طالبت
مديرة
صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا بالمضي قدما في خطة إصلاح جادة
للاقتصاد، وقالت؛ إن الحكومة بحاجة لتقييم البيئة العالمية المتغيرة، وتحديد
الطريقة التي تتيح لها تعزيز تنافسية اقتصادها، في ثلاثة مجالات، على رأسها ضرورة
الانسحاب من الأنشطة التي ليس القطاع العام أفضل من يضطلع بها، بما يعزز ازدهار
القطاع الخاص.
محللون وخبراء اقتصاد قللوا في تصريحات
لـ"عربي21" من أهمية مشروع القرار الجديد، ما لم يتضمن شركات القوات
المسلحة المصرية حتى يساعد على تحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز دور القطاع الخاص في
مختلف الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.
ضغوط صندوق النقد
وبشأن أسباب هذا القرار الجديد الذي
يعد في ظاهره تحولا عن دعم شركات جهات الدولة، قال الخبير في مجال الاستثمار
والبنوك، شريف عثمان؛ إن "هذا التحرك المتأخر جدا يأتي بلا أدنى شك، استجابة
لشروط صندوق النقد الدولي".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"؛ أن "القرار محاولة لتشجيع القطاع الخاص بعد تراجع نشاطه للشهر الثلاثين على
التوالي في أسوأ تراجع له، ما كبد القطاع الخاص في مختلف القطاعات الحيوية
الاقتصادية خسائر كبيرة، انعكست على بيئة الاستثمار بالسلب".
إظهار أخبار متعلقة
وأظهر آخر مسح أن نشاط القطاع الخاص
غير النفطي في مصر انكمش للشهر التاسع والعشرين على التوالي في نيسان/ أبريل
الماضي، في ظل استمرار القيود المفروضة على الواردات والعملة وارتفاع الأسعار، وهي
أمور تجعل الثقة في مناخ الأعمال عند أدنى مستوى لها على الإطلاق.
ورهن عثمان حدوث أي تحسن في مؤشرات
القطاع الخاص بخروج الجيش من المنافسة المطلقة، مؤكدا أن "كل القرارات التي
تصدر من أجل تحسين مناخ المنافسة والاستثمار في مصر، ليس لها تأثير إيجابي لو لم يتم
إلغاء استثناء الجيش".
التفاف على أسباب الأزمة
ووصف الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ
الصاوي، مثل هذه الإجراءات بأنها "نوع من الالتفاف على الوضع القائم؛ إذ لا توجد إرادة حقيقية لحل الأزمة الاقتصادية
في مصر، وإن كان هناك إرادة حقيقية بعيدا عن ضغوط صندوق النقد أو غيره، فلا بد من
تهيئة مناخ للاستثمار للمصريين قبل الأجانب، وللقطاع الخاص والعام".
وطالب في حديثه لـ"عربي21":
"بضرورة أن يتوقف الجيش عن ممارسة النشاط الاقتصادي المدني، وأن تقتصر أنشطة
شركات الجيش الاقتصادية المتعددة على توفير احتياجاته الذاتية، أو ما يتعلق بالنشاط
الدفاعي والعسكري".
ورأى الصاوي أن "القرارات التي
تصدرها الحكومة المصرية تتحاشى التطرق إلى دور الجيش الاقتصادي الكبير والمهيمن
على مفاصل الاقتصاد المحلي، ومن ثم فإن كل هذه القرارات مجرد التفاف على القضية
الرئيسية وعدم الرغبة في حلها، ولا بد من وقف المنح والمزايا والإعفاءات الضريبية
والجمركية وغيرها لشركات الجيش".