أثار السّجال المحتدم بين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية
المغربي،
أحمد التوفيق، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربي السّابق، عبد الإله
بنكيران، نقاشا مُتسارعا على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
كيف بدأ السجال؟
عندما رد بنكيران، على تصريح منسوب للتوفيق في أحد تدخلاته بقلب البرلمان، جرّاء حديثه عن لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، جاء فيه أنّ الدولة في المغرب علمانية؛ احتدم النقاش.
وقال بنكيران، خلال ردّه على التوفيق، إنّ: "المغاربة متشبثون بدينهم وهويتهم الإسلامية عبر التاريخ"، مبرزا أن "المغرب لم يكن يوما دولة علمانية، بل هو بلد يحكمه أمير المؤمنين، حيث يشكل الإسلام العمود الفقري للدولة".
رغم أنّ الرسائل بينهما، قد تمّت قبل يومين، إلاّ أن النّقاش على التواصل الاجتماعي، قد نما في الساعات القليلة الماضية، بين المتابعين للمشهد السياسي في المغرب.
"الشكوى لله"
في رسالته التي وجّهها إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وحظيت بتفاعل واسع، قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق: "السيد الرئيس، شكوت بثي إلى الله وآثرت أن تطلع عليه. بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين".
وأوضح التوفيق، في رسالته إلى بنكيران، التي حملت عنوان "شكوى إلى الله": "ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديم في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن".
وتابع: "السيد الرئيس، لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص، لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير. أمر لا يحتاج إلى من ينتصب "للدفاع" عنه في المجامع، وأقصد أمر النسبة للدين أو التعلل منه. فالأئمة لها صبغتها ولا تبديل لهذه الصبغة بزعم أو رأي أو تأكيد أو نفي".
"أيها الأستاذ الرئيس"، أردف التوفيق، خلال الرسالة نفسها، التي وصلت "عربي21" نسخة منها: "كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات "عجلى" قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وماذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان".
وأبرز: "أيها الرئيس، إن الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها".
واسترسل: "أيها الرئيس، إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني".
"وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني" بحسب التوفيق في رسالته الموجّهة إلى بنكيران.
اظهار أخبار متعلقة
وأكد التوفيق: "وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني".
وأردف: "هناك عشرات من الظواهر الأخرى دخلت في حياتنا من اللقاء بهذا النظام وتتبناها بعنوانها الذي هو "التقدم" دون أن نحس بأي غضاضة، ولكي نفهم قبل أن نتوقف عند ما لنا وما لهم يجب أن نظل مستحضرين أن تاريخ الناس، كل الناس، جارٍ في كل الأحوال بقضاء الله وقدره، وسننه، سبحانه، فضاء مفتوح بين سائر في الأرض ونظر".
وأبرز: "يجري كل ما ذكر في سياق هذه المملكة في أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى "طيبة" متأصلة في مطبخ العلمانية".
"الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميز بقصد فهمها، وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميز فهو قصور في النضج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق" بحسب رسالة التوفيق.
وتابع: "هكذا أيها الرئيس أقنعتُ محاوري بأن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد، في حرية، هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد".
ومضى التوفيق في الرسالة نفسها الموجّهة إلى بنكيران، بالقول: "السيد الرئيس، إن الكلام عن العلمانية (Secularism) قد لا يحسنه كل "زعيم"، لأنه مفهوم معقد في الفلسفة السياسية، لم ينته فيه الجدال حتى في بيئته، فهناك لائكية فرنسا (Laïcité) التي جاءت في سياق تاريخ العلاقة المتوترة بين الكنيسة والمجتمع الذي تخففت عنه الثورة الفرنسية، وهي حالة خاصة".
"وهناك العلمانية التي تأخذ فيها الدولة حاجات الناس الدينية بعين الاعتبار، وهي موجودة في دول غربية أخرى، وأذكر أنني سألت في عام 2008 (انطلاقاً من نفس الاهتمام)، سألت السيد سفير ألمانيا في المغرب عن الرسم الذي تجمعه الدولة رسمياً من الناس للإنفاق على الدين، ففاجأني بأن مبلغه، بالنسبة لعام 2006، هو ثمانية مليارات ونصف مليار أورو" بحسب التوفيق.
وأكد: "السيد الرئيس، ما زلت تذكر، ولا شك، أنني عشت معك أزمة رحيل الأستاذ عبد الله باها. وتذكر أنني قلت لك إن الأحوط في السياسة في بيئة العامل فيها على النزاهة والنظافة للناس ويقنعهم بإنجازاته بدل أن يلجأ إلى تعريض الدين لضعف الإنسان بتحويله إلى شعارات لمجرد الغواية أو ما نسميه بالاستقطاب".
"والحالة أن الدين هو الأخلاق بكل تجلياتها ومستوياتها، ابتداءً من النوايا الصادقة، وهذا فهم فطري عند الناس. لذلك تجد بعض أهل ديننا يعجبون بأخلاق بعض أهل بلاد العلمانية. وقد كان جوابك، رداً على "النصيحة": يظهر لي أن هذا هو ما ينبغي" أردف التوفيق.
واستطرد: "السيد الرئيس، إن السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي. والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد".
إلى ذلك، ختم التوفيق رسالته إلى بنكيران، بالقول: "السيد الرئيس، نفثت بهذه الشكوى لا لأقنعك، وأنت تعرف أنني لا أريد على المتقولين، بل القصد أن يسمعها "السميع"، وتكون أنت من الشاهدين. وعسى أن يسمعها بعض من سمعوا تشهيرك فيفهموا".
اظهار أخبار متعلقة
بماذا ردّ بنكيران؟
عقب رسالة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، أمس الثلاثاء، ردّ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، عبر رسالة كذلك، بدأت بـ"بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الأستاذ الكبير أحمد التوفيق، السلام عليك ورحمة الله وبركاته".
وتابع بنكيران، في رسالته، وصل "عربي21" نسخة منها: "وبعد، فقد آسفني تصريحك الموجه لي عبر إحدى الصحف الإلكترونية تلومني فيه على ما صرحت به في أحد مهرجانات الحزب الخطابية بمدينة أولاد برحيل".
وأضاف بنكيران، في رسالته الموجّهة إلى التوفيق: "ذلك أنني أتعرض لهجمات لا يكادُ يُحصيها المحصون، ولكنني لا أُبالي بمُعظمها لما أعلم من إغراض مقترفيها، إلاَّ أن رسالتك كان لها وقع آخر فتناولت قلمي أنا المُقلُّ في الكتابة لا لأرد عليك ولكن فقط لأوضح لك بعض المعطيات عسى أن تصحح لك الواقعة بالضبط".
ومضى بنكيران بالقول: "لا أخفيك أن ما صرحت به بالبرلمان ساءَني ولكنني لم أرد عليك ساعتها وأنا لم أرد عليك إطلاقاً، ولكنني لاحظتُ أن جهات معادية ومغرضة أرادت أن تستغل تصريحك لتركب عليه وتقرر في أذهان الناس ما لا تقبله أنت ولا أنا، فأنا أعرفك جيدا وأعرف قناعاتك المُعتدلة والرصينة، ولو كنت أريد أن أرد عليك لفعلت ذلك في نفس اليوم".
وأضاف: "لقد تجنبت أن أذكر إسمك ولستُ أدري هل استمعت لكلمتي أم لا، وإن كنت لا أخفي أن لها صلة بتصريحك ولكن المقصود بها مباشرة هم المستغلون سَيِّئُو النَّوايا الذين يتربَّصون بالبلد وبمرجعيته وبثوابته الدوائر".
"وأظن أنك تعرفني كما أعرفك أو رُبَّما أكثر وخصوصا أنه فوق الصداقة والمعرفة السابقة اشتغلنا جنباً إلى جنبٍ على مدى خمسِ سنواتٍ طِوَال" بحسب بنكيران في رسالته إلى التوفيق.
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "وإن كنتُ اليوم أتأسَّف إن سَاءَك تصريحي، فإنني أؤكد لك أنك لست المقصود به وإنما الذين أرادوا استغلاله لأغراض سيئة في أنفسهم، لذا أعلن أنني متمسك بتصريحي ومعتز به، وإن كنت قد شعرتَ بأيِّ إساءةٍ فأنا أعتذر لك علانية ومباشرة وكلمتك لم تغير موقفي منك قيد أنملة ولا أشك أن صدرك سيتسع لاستيعاب ما قلته لك".
وختم بنكيران رسالته، بالقول: "وأما الحوار بين ما هو إسلامي في دولتنا وما يمكن أن ننعته بأنه من خلفية علمانية فموضعه وقت آخر وظرف آخر نرجو أن يجود الزمان به"، مستطردا: "وبقي فقط أن أشير إلى أنني إن لم أكن اتصلت بك فأنت كذلك لم تتصل بي، وسامحنا الله جميعاً، والسلام".