بعد ثمانية أشهر من إصابة الرئيس
الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة بجلطة في المخ؛ يروج حلفاؤه لتعديلات دستورية من بينها تعيين نائب للرئيس، الأمر الذي قد يتيح للرئيس المسن الذي شارك في حرب الاستقلال خوض
انتخابات الرئاسة للمرة الرابعة.
وسيؤخر هذا الإجابة عن واحد من أكثر الأسئلة التي تثور في شمال أفريقيا وهي من سيخلف بوتفليقة (76 عاما) في قيادة أحد الحلفاء الرئيسيين للغرب في المعركة ضد "التشدد الاسلامي".
ويحكم بوتفليقة الجزائر منذ عام 1999 ويرجع إليه أنصاره الفضل في إخراج البلاد من الحرب الأهلية التي حصدت أرواح 200 ألف شخص وإعادة الحكم المدني إلى الدولة العضو في أوبك والمورد الرئيسي للنفط والغاز إلى اوروبا.
ويلتزم بوتفليقة الصمت حيال ما إذا كان سيسعى لفترة رئاسية رابعة، ونادرا ما يظهر في مناسبات عامة منذ عودته من رحلة علاج بفرنسا في تموز/ يوليو. ولا تجد اسئلة عن حالته الصحية بشكل مفصل أجوبة في الغالب.
وفي نيسان/ أبريل لمح إلى أن الوقت قد حان لكي يتنحى الحرس القديم جانبا ويفسح الطريق لزعماء جدد قائلا: "جيلنا طاب جنانو" أي ولى زمانه.
لكن مع ذلك ظل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم يصف بوتفليقة لأسابيع على أنه مرشحه الرسمي للرئاسة وبدأ حلفاؤه يتغلبون على منافسيهم في مفاوضات بين كوادر حزب الجبهة والنخب العسكرية التي تتمتع بنفوذ حقيقي.
وظل التنافس بين الجيش والمدنيين على النفوذ خلف الكواليس سمة مميزة للمشهد السياسي في الجزائر منذ استقلالها. وخلال التسعينيات استولى الجيش على الحكم بعدما أوشك الاسلاميون على الفوز في انتخابات برلمانية مما فجر صراعا مسلحا في البلاد.
وقال مصدر في حزب الجبهة لرويترز مفسرا ما يفكر فيه الرئيس؛ إن بوتفليقة ربما يعتقد انه لا يزال في حاجة إلى فترة رئاسية لضمان إدخال تغييرات سياسية تمكن المدنيين لا قادة الجيش من إدارة البلاد.
وينظر إلى حزمة مقترحة من الاصلاحات
الدستورية على أنها مؤشر على نية بوتفليقة خوض الانتخابات. ولم يتم الكشف عن تفاصيل الحزمة بالكامل، لكن حلفاء بوتفليقة يقولون إنها ستشمل مواد تقلص دور الجيش في الحياة السياسية.
ومن بين التعديلات الأخرى استحداث منصب نائب الرئيس الأمر الذي سيتيح لبوتفليقة الترشح برغم حالته الصحية وربما يجعل مسألة الخلافة أقل غموضا.
ويقول نور الدين بوكروه وهو وزير سابق في نظام بوتفليقة: "إذا كان بوتفليقة يتعافى من الجلطة ويريد فعلا الترشح لولاية رابعة فسيحتاج بالتأكيد نائبا للرئيس لمساندته وربما خوض الحملة الانتخابية نيابة عنه".
وأضاف: "الدستور الجديد سيشمل منصب نائب الرئيس ليسمح لبوتفليقة بالاستمرار في الحكم، وبالتالي إذا ما تدهورت حالته سيقوم نائب الرئيس بمهام المنصب".
وقال ريكاردو فابياني المحلل لدى مجموعة يوراسيا إنه بدون استحداث منصب نائب الرئيس قد لا يتمكن الرئيس من خوض الانتخابات إذ لا تزال صحته: "عاملا لا يمكن التنبؤ به".
ولن تكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعديل الدستور الجزائري قبل انتخابات للسماح لبوتفليقة بالترشح. ففي 2008 وافق المشرعون الجزائريون على رفع القيود عن عدد الفترات الرئاسية وهو إجراء انتقدته أحزاب المعارضة باعتباره محاولة لبقاء بوتفليقه في منصبه. وفاز بوتفليقة بفترة رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات عام 2009.
ومن المرجح أن تحدد الحزمة الجديدة من الاصلاحات الفترات الرئاسية في المستقبل بفترتين مدة كل منها خمس سنوات بالرغم من أن ذلك لن ينطبق على بوتفليقة.
وقال زعيم سياسي شارك في المحادثات مع الحكومة بشأن التعديلات الدستورية لرويترز إن تحديد الفترات الرئاسية مرة أخرى: "سيكون مؤشرا على أننا نمضي في الاتجاه الصحيح".
ولا تزال حزمة الاصلاحات الدستورية في مكتب الرئيس. وإذا ما أقرها يمكن احالتها إلى البرلمان حيث يتمتع حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم وحلفاؤه بالأغلبية.
ويشعر بعض المعارضين بالغضب من محاولة تغيير القواعد ويقول جيلالي سفياني رئيس حزب الجيل الجديد "نعارض تعديل الدستور قبل الانتخابات الرئاسية في 2014... ستمهد الطريق لحصول الرئيس على فترة رابعة".
ومع ذلك ربما لا يجأر البعض بالشكوى. وقال محمد فراد العضو البارز في تكتل معارض لبوتفليقة يضم 14 حزبا وزعماء سياسيين إن المعارضة لا ترفض ترشيح بوتفليقة لفترة جديدة لكن يتعين عليه أن ينشر سجله الطبي أولا.
وقال جيوف بورتر رئيس مؤسسة شمال أفريقيا لاستشارات المخاطر "ما ينشده بوتفليقة قبل كل شيء وما يشاركه فيه صناع القرار الاخرون حتى وان عارضوا سياسته هو الاستقرار".
ويضيف: "يشكو بوتفليقة منذ فترة طويلة من أن ثلاثة أرباع رئيس وأنه يحتاج إلى مكتب نائب الرئيس كي يتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية".
فبعد انتهاء الصراع المسلح في الجزائر أعاد بوتفليقة الحكم المدني من حيث المبدأ لكنه لم ينجح مطلقا في كبح نفوذ الجنرالات لاسيما المخابرات العسكرية ورئيسها القوي محمد مدين.
ويقول حلفاء بوتفليقة إنه بالحد من دور الجيش في الحياة السياسية ستعزز الاصلاحات الدستورية قبضة الرئيس خلال ولايته الرابعة.
وحظيت التعديلات الدستورية بمساندة أحزاب أخرى ونقابات عمالية قوية في اطار حملة اعتبرت على نطاق واسع مؤشرا على أنه يبحث الترشح لفترة رئاسية جديدة.
ويتوقع الجزائريون أن يحسم قرار بوتفليقة بشأن الترشح واسم نائب الرئيس خلال مفاوضات وراء الكواليس تجريها شخصيات تضم قياديين في حزب الجبهة ورؤساء الأجهزة الأمنية. وإذا ما كان هذا هو الحال فيبدو أن بوتفليقة يتخذ خطوات ليعزز منصبه.
وهذا العام أجرى بوتفليقة تعديلات على حكومته لتعزيز مكانة حلفائه. وتقول المصادر الأمنية إنه نقل بعض المسؤوليات من المخابرات إلى الجيش لتقليص نفوذ مدين.
ويراقب جيران الجزائر والقوى الغربية عن كثب مسألة خلافة بوتفليقة، إذ يعتبرون الدولة المنتجة للنفط والغاز شريكا رئيسيا في الحرب ضد "المتشددين الاسلاميين" في منطقة المغرب العربي.
وفوض بوتفليقة بالفعل بعض مسؤولياته لرئيس الوزراء عبد المالك سلال الذي ينظر إليه البعض كمرشح محتمل لمنصب نائب الرئيس.
وقال سلال ردا على سؤال عن صحة بوتفليقة ان الرئيس بصحة جيدة، وإنه إذا أراد المضي في مهمته سيقرر وفقا لما يمليه عليه ضميره.
ومن المستبعد أن تحسم مسألة الخلافة في الشوارع على غرار انتفاضات "الربيع العربي" في تونس وليبيا ومصر واليمن عام 2011. ولم يثر الجزائريون كما فعل جيرانهم، بالرغم من أن البلاد شهدت احتجاجات بسبب البطالة ومستويات المعيشة. لكن من الرجح ان يتحدد المستقبل السياسي من خلال المفاوضات بين اللاعبين الرئيسيين في الداخل.
ومع وجود احتياطيات نقدية تبلغ 200 مليار دولار أدرتها مبيعات النفط؛ رفعت الحكومة الإنفاق لدرء التوترات. والأحزاب السياسية ضعيفة ولا يميل الجزائريون للانتفاضة بعد الصراع المسلح الدامي في بلادهم.
وسيحرص المستثمرون على أن يروا كيف تفتح الحكومة الجديدة الأبواب أمام الاستثمار بعد سنوات من السيطرة المركزية للدولة وكيف ستبرم الصفقات بشروط أكثر جاذبية لشركات النفط الأجنبية.
وإذا لم يرشح بوتفليقة نفسه فسيبقى الغموض بشأن ما إذا كانت المخابرات ستدفع بمرشحها. وقال مصدر أمني حكومي إنه مع تقليص نفوذ جهاز المخابرات فقد لا يتمكن من عرقلة بوتفليقة بل ربما يسانده.
وأضاف المصدر: "ما من شك في ان المخابرات ستساند بوتفليقة بغض النظر عن القرار الذي سيتخذه لأنه في نهاية المطاف سيكون في اطار القانون".
لكن فابياني، من مجموعة يوراسيا، قال إن رئيس جهاز المخابرات قد يسعى للتصدي لمجموعة بوتفليقة لإيجاد فرص متكافئة والتوصل إلى مرشح توافقي.