لم تكتفِ الدول العربية باعتقال معارضيها، وتعذيبهم في السجون، أو حرمانهم من بعض حقوقهم المدنية، إذ أصبحت تستخدم مؤخرا سلاحا جديدا أشد فتكا يتمثل بسحب
الجنسية من المعارضين وتركهم في حالة أشبه بـ"الإعدام الاجتماعي".
ورغم قلة مظاهر
المعارضة وأنشطتها في دول الخليج العربي على وجه الخصوص، بل وانعدام مظاهرها في بعضها، إلا أن الأنظمة السياسية فيها تعتبر الأسوأ في التعامل مع المعارضين والنشطاء من ناحية حقوقية.
بالأمس، قرر مجلس الوزراء
الكويتي في اجتماعه الأسبوعي الذي عقد برئاسة الشيخ صباح خالد الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الخارجية، سحب الجنسية الكويتية من 10 أشخاص، من بينهم الداعية المعروف الدكتور نبيل العوضي.
وصرح وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد عبدالله المبارك في تصريح عقب الجلسة بثته وكالة الأنباء الكويتية، أن المجلس استعرض مشروع مرسوم بسحب الجنسية الكويتية من عدد من الأشخاص بعد تدارس كافة البيانات والمستندات المتعلقة بهذه الحالات والتأكد من عدم استحقاقها للجنسية وفقا للشروط والضوابط التي حددها القانون، مشيرا إلى أن المجلس وافق على مشروع مرسوم بسحب الجنسية الكويتية من 10 أشخاص.
قرار سياسي
مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا محمد جميل، قال إن قرار سحب الجنسية في العالم العربي قرار سياسي إداري من أسهل ما يكون، وهو مدان وغير مبرر.
وأشار جميل في حديثه لـ"عربي 21" إلى أن قرار سحب الجنسية يجب أن يكون عبر مؤسسة القضاء وضمن محاكمة تتضمن تهما واضحة تتعلق فيما نص عليه قانون الجنسية، مع إعطاء المتهم الحق في الدفاع عن نفسه والدفع بحجته والطعن بالقرار وفق للنظام القضائي.
ويهدف سحب الجنسية -بحسب جميل- إلى قمع المتظاهرين والقضاء على وجودهم وإفشال أي جهد معارض، وتسهيل إبعاد المعارضين عن أراضي الدولة.
بدائل أخرى
وأوضح جميل أن القوانين الدولية لا تسمح بسحب الجنسية من المواطنين، وأن هنالك أدوات أخرى لمعاقبة المواطن على جريمته مهما كانت درجتها، مشيرا إلى أنه من النادر جدا أن تسمع بسحب الجنسية في الدول الديموقراطية المتحضرة، وأن ممارستها في الوطن العربي دليل على ضعف النظام السياسي.
ويتعدى القرار المعارضين للدولة -بحسب مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان- إلى المعارضين الذين يبدون رأيا فيما يحصل خارج بلادهم، كإبداء رأي حول ما يحصل في سوريا أو العراق أو مصر على سبيل المثال.
وكانت الكويت سحبت سابقا الجنسية من صاحب محطة فضائية موالية للمعارضة، ومن نائب معارض سابق وأسرتيهما، هم أحمد جبر كاظم عافت الشمري، صاحب قناة اليوم الفضائية وصحيفة عالم اليوم، والنائب السابق المعارض عبد الله البرغش، لكونه اكتسب الجنسية من خلال عملية غش، وفقا للمجلس.
أما
الإمارات العربية المتحدة، فأصدر رئيسها الشيخ خليفة بن زايد قرارا في شهر كانون أول/ ديسمبر 2012 بسحب الجنسية الإماراتية عن سبعة معارضين لاتهامهم بالقيام "بأعمال تهدد الأمن الوطني لدولة الإمارات من خلال ارتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية مشبوهة"، كما قضت محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية بتأييد حكم سحب الجنسية منهم.
إعدام اجتماعي
ويترك قرار سحب الجنسية المواطن بلا أي حقوق مدنية، كالتعليم، والصحة، والوظيفة، أو السفر والتنقل بحرية. كما تنسحب تبعات القرار على عائلات الأشخاص وأبنائهم.
يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوجل، إن سحب الجنسية من المواطن بشكل تعسفي أمر مرفوض ومدان، خصوصا عندما لا يتاح للشخص الدفاع عن نفسه.
وأوضح كوجل لـ"عربي 21" أن هنالك شروطا دقيقة ومحددة يسمح فيها القانون بسحب الجنسية.
وقال إن على الأشخاص المسحوبة جنسياتهم الاستئناف ومحاولة إرجاعها بالطرق الرسمية ومخاطبة السلطات، والتوجه إلى مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية في حال فشل مساعي إرجاعها.
ويذكر أن الكويت والإمارات العربية المتحدة لم توقعا على الاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية (1954)، ولا الاتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية (1961)، وذلك بحسب تقرير اجتماع الخبراء الإقليمي بشأن حقوق الإنسان للأشخاص عديمي الجنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في العاصمة الأردنية عمان.
وكانت دول أوربية عدة حثت الكويت في توصيات المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان أيار/ مايو 2010 بحل مشكلة الجنسية في البلاد.
كما دعت فرنسا في توصيتها الكويت للتوقيع على الاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية (1954).
ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن لكل فرد الحق في أن تكون له جنسية. ولا يجوز حرمان أحد، تعسفاً، من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته، وعلى الدول منع حالات انعدام الجنسية عند فقدان الجنسية أو الحرمان منها.