مع عودة أمريكا إلى ساحة العمل العسكري في العراق وغوصها من جديد في مستنقع الصراعات الطائفية المتشابكة في المنطقة، أجرت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) تقييما عمليا لمهمة صعبة لتثبيت نظام الحكم في بغداد، وخلصت إلى أن الأمر قد يتطلب وجود جنود أمريكيين على الخطوط الأمامية مستقبلا.
ورغم أن الرئيس باراك أوباما استبعد إشراك القوات الأمريكية في مهمة قتالية، يقول مسؤولون عسكريون ومسؤولون سابقون إن واقع شن حملة مطولة في العراق وربما في سوريا أيضا قد يفرض في نهاية الأمر زيادة استخدام القوات الأمريكية بما في ذلك وحدات على الأرض لتوجيه الضربات الجوية، وربما مستشارون مرافقون للقوات العراقية على الخطوط الأمامية.
وهذا يطرح تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه أوباما في الدور المتنامي للجيش الأمريكي دون أن يخل بوعوده التي قطعها على نفسه ألا يزج بأمريكا في
حرب برية جديدة، كما يسلط الضوء على الأولويات المتباينة بين البيت الأبيض والبنتاغون في بداية حملة عسكرية يبدو أنها ستكون طويلة ولا يمكن التنبؤ بمسارها في العراق وسوريا.
ومن وجهة النظر العسكرية يقول مسؤولون إن من المنطقي الحفاظ على أقل تقدير على خيار نشر أعداد صغيرة من المستشارين العسكريين الأمريكيين في صفوف العراقيين على جبهة القتال من آن لآخر حتى إذا بدا أن في ذلك تناقضا مع سياسة أوباما المعلنة.
من ناحية أخرى يحرص البيت الأبيض أن يظهر للناخبين الأمريكيين أن الرئيس الذي خاض انتخابات الرئاسة بوعود بإنهاء الحرب في العراق سيبقي هذه الحملة في أضيق نطاق ممكن.
وقد أمر أوباما بإرسال 1600 جندي إلى العراق منذ اجتاح مقاتلو الدولة الإسلامية شمال العراق وغربه في حزيران/ يونيو وأصبح يعمل على تكوين تحالف دولي هدفه إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية وتدميره بعد أن أعلن قيام دولة خلافة في قلب الشرق الأوسط.
ومن الممكن أن يساهم الجنود الأمريكيون المكلفون بتوجيه الضربات الجوية في تفادي الخسائر البشرية في صفوف المدنيين عندما تقصف الطائرات الأمريكية رجال
داعش الذين قد يلجأون للاختباء بين العراقيين.
وقال الجنرال ريموند أوديرنو رئيس أركان الجيش يوم الجمعة: "تتردد بعض التقارير عن استخدامهم الأطفال بالفعل وغيرهم للبدء في تحصين أنفسهم لأنهم يعلمون أن ذلك سيحميهم من الضربات الجوية."
ويقول أوديرنو إنه يؤيد استراتيجية أوباما في العراق، وإن العراقيين المدربين تدريبا سليما يمكنهم تنفيذ المهمة. لكنه لا يريد أيضا استبعاد أي خيار.
وهذه لازمة اعتاد الكل في دوائر العسكريين على ترديدها، ومنهم الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي كان يشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط حتى العام الماضي.
قال ماتيس في جلسة استماع عقدتها لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي يوم 18 أيلول/ سبتمبر: "لا يجوز أن تستبعد شيئا مما هو مطروح على المائدة من البداية وهو ما يبدو أن الإدارة حاولت أن تفعله. فنحن لدينا أمهر القوات البرية في العالم وأكثرها شراسة، وبالتأكيد أكثرها التزاما بالأخلاق، ولا أعتقد أن علينا أن نطمئن العدو مقدما أنه لن يواجهها قط".
وأشعل الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة، النقاشَ الأسبوع الماضي، عندما قال لأعضاء الكونجرس إنه قد يوصي بإرسال قوات أمريكية لمرافقة القوات العراقية على خطوط القتال الأمامية في مواجهة "التنظيم" الذي استولى على مساحات كبيرة من العراق وسوريا.
كما قال ديمبسي إن أوباما طلب منه أن يعرض عليه كل حالة على حدة حسبما يقتضي الحال لطلب استخدام القوات البرية في محاربة "تنظيم الدولة".
وقال ديمبسي: "إذا ظهرت تهديدات للولايات المتحدة فبالطبع سأعود للرئيس وأقدم توصية قد تتضمن استخدام القوات البرية العسكرية الأمريكية".
وقد سعى القادة العسكريون بالفعل لاتخاذ خطوات تختبر مدى استعداد أوباما للتحرك في العراق.
وقال ديمبسي إن الجنرال لويد أوستن رئيس القيادة المركزية الأمريكية أوصى بإرسال قوات لمساعدة الطائرات الأمريكية في تحديد أهداف لـ"تنظيم الدولة" قرب سد الموصل الاستراتيجي في شمال العراق. لكن مسؤولين قالوا إن أوباما اختار أن يعمل المستشارون الأمريكيون عن بعد.
ونفى مسؤولون وجود أي خلاف بين رؤية الرجلين لتطور الحملة، والتي قالوا إن دولا من أوروبا والشرق الأوسط وأستراليا ستشارك فيها سعيا لإضعاف القوة العسكرية للتنظيم ومصادر تمويله والدعم الذي يحصل عليه من المسلمين الذين تأثروا بفكره.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه لم تطرح للنقاش مسألة إرسال قوات برية أمريكية للمشاركة في إطلاق النار على المتشددين مثلما حدث في الحرب العراقية السابقة. بل إن جنود العمليات الخاصة قد يرافقون القوات العراقية في معاركها لتقديم المشورة والمساعدة في توجيه الضربات الجوية.
لكن مسؤولين حاليين وسابقين يقولون إن التطورات قد تتطلب التوسع في استخدام القوات الأمريكية التي يقتصر دورها حاليا على دور استشاري بعيدا عن ساحة القتال.
ويقول منتقدون إن أوباما ربما يكون قد دفع بنفسه إلى مأزق.
وقال روبرت جيتس وزير الدفاع السابق في حكومة أوباما "لابد من وجود جنود على الأرض إذا كان مقدرا وجود أي أمل لنجاح الاستراتيجية. وأعتقد أن الرئيس يضع نفسه في مأزق فعليا بمواصلة تكرار ذلك الحديث".