"بنك (مكتبة) البذور
الفلسطينية البلدية"، فكرة ولدت من رحم المعاناة الفلسطينية المتشعبة، من أجل الحفاظ على
التراث والإرث الزراعي الفلسطيني من الانقراض؛ بفعل العديد من العوامل المختلفة.
عملت صاحبة الفكرة فيفيان صنصور، في البداية؛ على تجميع بعض "البذور الفلسطينية البلدية المهمة؛ المهددة بالانقراض والشبه منقرضة"، وتفيد بأن مهمة البحث كانت "صعبة وشاقة".
حياة أجيال
واعتبرت صنصور، منسقة المشروع في حوارها مع "
عربي21"، أن "البذرة الفلسطينية تحتفظ بحياة أجيال متعاقبة، فهي جزء أصيل من التراث والثقافة الفلسطينية التي تشمل البيئة والتنوع الحيوي والنباتي؛ الذي نحيا بداخله ونعتبر نحن جزءا منه"، مؤكدة أن هناك "العديد من البذور، انقرضت فعليا".
وأضافت: "لكننا نجتهد في أن نحافظ على ما تبقى منها، وأن نعرف المهتمين من حولنا في مجتمعنا الفلسطيني بها، ونحاول أن نوفرها لهم".
ونوهت صنصور (38 عاما)، التي تقيم في مدينة بيت لحم، أن بإمكان "من يريد نوعا معينا من تلك البذور؛ التوجه للبنك من أجل اقتراض الكمية التي يريدها، من أجل استنبات تلك البذور، في محاولة لإنقاذها من الانقراض"، موضحة أن المهتمين بهذا الموضوع، وعبر "تلك الرحلة يتعرفون على دورة حياة تلك البذرة، وكيفية تنمية وزيادة عدد بذورها وتزويد البنك بها؛ عبر إرجاع كمية من البذور ذاتها للبنك".
وأكدت وجود "تحديات كبيرة تتمثل بإغراق السوق الفلسطيني ببذور مهجنة ومعدلة جينيا، إضافة لنشر
الزراعة التجارية التي تهدف إلى القضاء على المزارع الفلسطيني، عبر تحويل المزارع الفلسطيني من منتج في أرضه إلى عامل في مستوطنات الاحتلال التي تطوق الأراضي الفلسطينية في
الضفة الغربية المحتلة؛ وهذه كارثة حلت بمجتمعنا الفلسطيني المنتج"، وفق قولها.
بذور مهجنة
وأضافت: "يسعى البنك لتحقيق الاستقلالية والسيادة على الغذاء الفلسطيني، بحيث ننتج البذور ونزرعها في أرضنا ونأكل من ثمرها"، مشيرة إلى أن "الأمر لا يكلفنا شيئا؛ مقارنة بالزراعة التجارية التي تلزمنا بشراء الأشتال المهجنة في الغالب والتي تحتاج إلى السيطرة على البيئة، لكننا نحتفظ ببذور بعلية لا تحتاج إلى أنظمة الري المكلفة".
وأوضحت أن فكرة المشروع التي تبنتها وتمولها مؤسسة "عبد المحسن القطان"، تعمل حاليا كخطوة أولى في قرى بيت لحم المختلفة، بالتعاون مع بعض المعلمين المستفيدين من مشروع "عبد المحسن القطان للتعليم التكاملي" والذين يعملون بدورهم مع طلابهم، معربة عن أملها الكبير في أن يمتد هذا المشروع إلى كافة المدن الفلسطينية المحتلة، برغم العقبات والتحديات الكبيرة والتي من أهمها تلوث التربة.
وتابعت: "هناك الكثير من التهديدات التي تعصف بالزراعة الفلسطينية التقليدية؛ التي هي إرث فلسطيني، منها عبث الإنسان بالبيئة، ومصادرة الأراض الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتسويق الشركات الزراعية (فلسطينية وإسرائيلية وعالمية) للكثير من الأصناف الهجينة".
إرث فلسطيني
وذكرت صنصور، المتخصصة في "الثقافة الإنسانية"، لـ"
عربي21"، أن "أجدادنا العرب وعبر السنين الطويلة، كان لهم الفضل في مد البشرية بالقمح، وذلك بعد انتخاب أصناف بلدية متميزة منه من أصل نحو مئة صنف، فأصبح العالم - تقول صاحبة الفكرة - يأكل مما زرع أجددنا. ونحن اليوم نزرع صنفين إسرائيليين من القمح المهجن والمعدل جينيا".
وترى أن الفرصة ما زالت قائمة للحفاظة على ما تبقى من التراث والإرث الزراعي الفلسطيني، وذلك من خلال "الرجوع لبعض الفلسطينيين من كبار السن؛ لتدوين قصص تلك البذور، وتحقيق المعرفة المتكاملة بهذا الجانب الحيوي والمهم في حياتنا، ومن ثم نهديها للأجيال المتعاقبة؛ الفلسطينية وغيرها"، مؤكدة أن لدى "الفلسطينيين والعرب؛ دور مهم لسعادة البشرية وراحتها، بما يمتلكونه في مجالات مختلفة وخاصة الزراعة".
ولفتت إلى أن طاقم المشروع من المعلمين "يتابعون مع طلابهم، عملية جمع البذور؛ من أجدادهم وجيرانهم ومن حولهم، ويقومون بتدوين قصة كل بذره"، لافتة إلى أن بعض الطلاب المتطوعين حصلوا على بذرة "البطيخ الجدوعي شبة المنقرض، حيث كان يختبئ بعض الفلسطينيين خلف هذا النوع من البطيخ (كناية عن كبر حجم هذا النوع من البطيخ) هربا من المستعمرين والعصابات اليهودية في حرب 1948"، بحسب قولها.
وأفادت بأن بعض المعلمين "يقومون بعمل أبحاث علمية حول أهمية البذور الفلسطينية البلدية، ويمزجونها بالثقافة والهوية الفلسطينية"، موضحة أن قرية "بكير" في قضاء بيت لحم "ستشهد انطلاقة هذا المشروع الرائد في مطلع شهر حزيران/ يونيو القادم، والذي نتمنى أن يصبح ثقافة وطنية؛ يتبادل الناس البذور والمعرفة من خلالها بشكل حر ومستمر"، كما قالت.