نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلتها للشؤون الخارجية كاثرين فيليب، وصفت فيه حال الجراحين في مدينة
حلب تحت
الحصار، الذين يعانون من نقص في الغذاء، والدواء، والماء، والطعام، والكهرباء، والدم، الذي يحتاجونه لإنقاذ الجرحى، بالإضافة إلى أنهم يخاطرون بحياتهم، لأن
المستشفيات التي يعملون فيها معرضة للقصف من الطائرات الروسية والسورية.
وتبدأ الكاتبة تقريرها برسم صورة للجراح السوري الأمريكي الزائر سامر العطار، الذي كان يعمل في غرفة عمليات تحت الأرض تحت هيكل المستشفى، عندما علم أن حصار المدينة قد اكتمل، وكان وقتها يقوم بعملية لطفلة عمرها خمسة أعوام لإنقاذ يدها التي مزقتها قذيفة روسية، ويقول الطبيب الزائر من شيكاغو إنه كان يحاول تجميع خيوط اللحم والأعصاب في يدها، عندما أخبره زميله بأن آخر طريق يوصل للعالم الخارجي قد أغلق، ويقول: "لم يكن بإمكاني إلا أن أستمر في العملية".
وينقل التقرير عن العطار قوله إنه بعد ذلك بساعات، سنحت له فرصة قصيرة للخروج، فركب سيارة خرجت به بسرعة من طريق الكاستيلو، وهو آخر طريق واصل بين مناطق سيطرة الثوار في حلب والعالم الخارجي، وكانت سيارته آخر سيارة تستطيع الخروج، حيث قال: "كل سيارة أخرى حاولت الخروج بعدنا إما أنها استهدفت أو حرقت".
وتورد الصحيفة نقلا عن الجراح السوري الأمريكي زاهر سحلول، الذي خرج قبل العطار، وصفه حصار حلب بأنه يتسبب "بنكبة تتحرك ببطء".
وتعلق فيليب قائلة إن "شهادتهما تعطي فكرة عن حياة المدينة وموتها، التي تصور على أنها مركز تقاطع الإمبراطوريات على مدى ثمانية آلاف عام، ولا يعرف أحد في الحقيقة كم بقي من سكانها، الذين كان يبلغ عددهم مليوني نسمة، لكن التقديرات تقول إن هناك 300 ألف شخص محاصرون في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها الثوار".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الجراحين سافرا إلى حلب قبل ذلك في مهمات إنسانية، نظمتها الجمعية الطبية السورية الأمريكية، وكان آخرها وأخطرها التي تم تخطيطها بعد أن تم ضرب مستشفى القدس في شهر نيسان/ أبريل ، ما أدى إلى تدمير غرفة الطوارئ، وغرفة العلاج المركز، وغرفة العمليات، وكان أحد الضحايا الأربع عشرة لقصف المستشفى آخر طبيب أطفال في حلب.
وتذكر الصحيفة أن جمعية أطباء لأجل حقوق الإنسان قامت بإحصاء 373 هجوما على 265 مرفقا طبيا منذ بداية الصراع السوري، وتعتقد بأن هناك حملة ممنهجة لطرد الناس من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مشيرة إلى أنه تم ضرب 6 مستشفيات في حلب خلال أسبوع واحد بعد بدء الحصار، وقد تعرض المستشفى الذي أجرى الدكتور العطار فيه آخر عملياته لضربة مباشرة يوم الخميس.
وتلفت الكاتبة إلى أن الهجوم المتعمد على مرفق طبي يعد جريمة حرب، بحسب منظمة العفو الدولية وغيرها، وكذلك الحصار، كما ينبه الدكتور سحلول، الذي قال إن مثل هذا الحصار فرض على مناطق يسيطر عليها الثوار في مناطق أخرى من
سوريا، وتسبب بمجاعات، كان أبرزها في بلدة مضايا.
ويضيف سحلول أن الجراحين قاما بزيارة ملجأ الأيتام تحت الأرض، وقدم الأطفال تمثيلية تلقائية، "تحدثوا فيها عن الحصار القادم، وكيف سيأكلون أوراق الشجر، والعشب، ولحوم القطط، كما حصل في مضايا"، ويقول العطار إنه لا يكاد يصدق التغيير الذي حصل منذ زيارته العام الماضي، ويضيف: "ترى قذائف الهاون تنطلق من الشرق إلى الغرب، لكن في الشرق فقط تسقط القنابل الروسية والسورية بكثافة كبيرة في حصار لم يسبق له مثيل"، بحسب الصحيفة.
ويفيد التقرير بأن طبيب الأطفال الأمريكي الزائر جون كاهلر يذكر أن زميلا سوريا أخذه إلى سطح المستشفى في 4 تموز/ يوليو، ويقول: "مازحني بأنه أراد أن يجعلني أشاهد عرض ألعاب نارية حقيقيا"، ويضيف أنه شاهد الطائرات تقصف شرق حلب المظلم، وتضيء الانفجارت البنايات المدمرة.
وتنوه فيليب إلى أن الكهرباء في شرق حلب، كما الماء، شحيحة، حيث إن شحة الديزل جعلته يستخدم فقط لمولدات المستشفيات، مشيرة إلى أن الدكتور سحلول يقول إن المستشفيات خزنت لوازم طبية لمدة ستة أشهر، عندما توقعوا وقوع الحصار، لكنه رجّح أن يتم استخدام هذه اللوازم خلال ثلاثة أشهر؛ بسبب القصف اليومي.
وتبين الصحيفة أن الأطباء يضطرون لاتخاذ قرارات مؤلمة عندما تمتلئ غرف الطوارئ بالجرحى، حيث يقول الدكتور العطار إنه شاهد طفلة عمرها خمس سنوات تموت من جرح نتيجة شظية، في الوقت الذي عانى فيه
الجراحون لاتخاذ قرار بإعطائها دما، ويقول: "يجب عليك أن تقرر: هل تعطي الدم الذي عندك كله لإنقاذ شخص واحد، أم تعطيه لخمسة، يحتاج كل منهم القليل من الدم لإنقاذه؟".
وينوه التقرير إلى أن العطار تلقى رسالة من أصدقائه في حلب بعد عودته إلى شيكاغو، تظهر الصور فيها تمرا مجففا، الذي يعد الغذاء الوحيد المتوفر لهم، بعد نفاد المواد الغذائية الأخرى.
وتكشف الكاتبة عن أن "الممرات الإنسانية" لم تستخدم للخروج من المدينة، ويمر أحد الممرات من الممر الوحيد بين شرق حلب وغربها، الذي يستهدفه قناصو الحكومة دائما، ويقول سحلول: "نحن سميناها ممرات الموت، فلا أحد يثق بأنه يمكن له أن يمر بأمان"، ومعظم الناس يرون هذه الممرات جزءا من محاولة النظام لإخلاء مناطق المعارضة، وتغيير الديمغرافية بشكل دائم.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول العطار: "إن ما يحصل في حلب اليوم سيؤثر علينا كلنا، إنها مدينة واحدة، لكنها مشكلة العالم كله".