الواقع المصري يفجع المحبّ لمصر وأهلها ويَنْكأ في نفسه آلاماً وجراحاً؛ فقد تفاعلت وتفعّلت الردّة الثورية في مصر من اليوم الأوّل لثورة يناير العظيمة، إذ استنفرت الدولةُ العميقة واستفزّت كلَّ قواها وإمكانيّاتها (الجيش والأمن والمال والقضاء والإعلام والنّخب) لشيطنة الثورة والثوّار بمختلف اتجاهاتهم، وبصورة دمويّة راديكاليّة استئصاليّة!
وكان الإخوان المسلمون دوما هم الأكثر استهدافا وقمعا وشيطنة، كونهم القوّة الأكثر تنظيما وتأثيرا في البلاد؛ خاصّة أنّ أداء النّخب العفنة (التي خرجت وترمّزت من رحم الثورة) كان انتهازيا ولا أخلاقيّا بعيدا عن الوطنيّة، فمالأت الدولة العميقة وأجهزتها، لم يحرّكها في ذلك إلاّ عداوتها ونكايتها السخيفة للإخوان للأسف الشديد، فسقطوا في وحل خطايا أشدّ قبحاً من خطيئة "الردّة الثوريّة" ذاتها.
وبالرّغم من أنّ الانقلاب العسكري - وهو نقطة الذروة في هذه الردّة - شكّل صدمة كبرى لكلّ أحرار العرب والعالم، كونه انقلابا عسكريا على خيار الشعب المدني في انتخاب رئيس لهم لأول مرة، إلاّ أنّ المفاجأة الفاجعة كانت في سير النّخب المصرية في ركابه، ووقوفها معه ومساندته في جرائمه ضدّ رفقاء الميدان في الثورة!
ويزيد المشهد قتامة ما رافق الانقلاب من استفحال القتل واستباحة الدماء والأرواح، إذ سحل الجيشُ وحرق، بالتآمر مع الأجهزة الأمنية، أكثر من 5 آلاف مواطن مدني مصري أعزل في أقل من ساعتين، عدا عن الآلاف الآخرين لاحقا (وهو الذي لم يقتل من جنود العدو رُبعَ هذا العدد خلال 70 عاما).
لم تكتفِ "الدولة العميقة" بانقلابها العسكري الدمويّ على خيار شعبها، بل لاحقت كلّ حرّ ذي مروءة في الشعب بقتل أبنائه وبناته ومطاردته واعتقاله وتعذيبه وإهانته وإصدار أحكام بالإعدام والمؤبدات عليه لمجرد شبهة موهومة مستخدمةً في ذلك قضاءً شامخاً في الظّلم والفجور!
يكفي أن نستحضر المعتقلات التي تضمّ خيرة أبناء مصر وكرام أبنائها وبناتها، وما يجري فيها من صنوف الإهانة والتعذيب والتنكيل وتجريد الإنسان من إنسانيّته، وهناك قصص وروايات يندى لها جبين الإنسانيّة وموثّقة بالاغتصاب لكرام الرّجال وحرائر النساء والتحرّش بذوي الأسرى!
هناك جرائم بحقّ إنسانيّة المصريّين لا يمكن لأيّ مصريٍّ شريف أيّاً كان دينه أو انتماؤه أنْ يسكت عليه.
ليس هذا فقط؛ بل أوغلت الأجهزة الأمنيّة في مطاردة عشرات الآلاف من الرجال والنّساء والشباب والفتيات وعائلاتهم، وتشريدهم في عواصم العرب والعالم بلا عمل ولا موارد، يتكفّفون لقمة العيش وهم الذين كانوا كراماً أعزة في وظائفهم وأعمالهم يخدمون بلدهم وشعبهم بل أمّتهم.
إن حرب الإبادة والتطهير العرقي لكل ما هو ومَنْ هو معارضٌ لهذا الانقلاب وزمرته لهي أفظع من تخيّلها.
وحدهم أبناء مصر "يدركون" جراحاتهم، ويتحسّسون آلامهم وضنك عيشهم واستلاب كرامتهم ضياع حريّتهم!
بيْد أن المطلوب أكثر من "الإدراك"، فالمسؤولية التاريخية والسياسية والشرعية عظيمة، وبالذات لدى القوى الحيّة في المجتمع وعلى رأسها الإخوان.
إنها لحظة حاسمة في التاريخ المصري بل في التاريخ العربي عموما، وسيسجّل التاريخ المواقف المسؤولة والمتخاذلة، وستحفظ الأجيال أسماء الأحرار وصور العبيد!
مصر والمصريّون يحتاجون "ما بعد الإدراك" لكلّ جهد وعمل وفكرة ووحدة صف، وانغماساً في حالة الإنقاذ لا تيهاً وفرقةَ وسراباً في حالة الإنكار.
اللحظة التاريخيّة تحتاج موقفاً خالداً يظهر فيه الكبير الحريص على مصر، والذي يتناسى ويتغافل عن الصغائر، ويكبر على جراحاته وخلافاته التافهة قياساً بعظم الهمّ الوطنيّ!
في هذه اللحظة، وفي أشدّ حالات الحاجة "للكبير" نفتقد "الإخوان"! وكأنّي بالشعب المصريّ العظيم يتلفّت يميناً وشمالاً فلا يجد إلاّ وهماً وسراباً، ولعلّ الحالة الإخوانية كانت أكبر الوهم! وشكّلت صورةً مفاجئةً لا تسُرّ صديقاً ولا تغيظ عدواً للأسف، في حين أنّ الآمال معلّقةٌ عليهم في قيادة الحراك الثوري (بأشكاله) للخروج من حالة الردّة الثوريّة والعودة إلى ربيع الحريّة! ليس فقط بسبب ما هو معروف تاريخيّاً عن تماسك ووحدة التنظيم الإخواني مهما اختلفت وجهات النّظر، ولكن أيضاً بسبب خصوصيّة هذه الصفة في إخوان مصر تحديداً!
قد يُتفَهّم بعض هذا التغيير نتيجة لقسوة سياق الأحداث في الردّة على ربيعهم؛ لكن ما لا يمكن قبوله ولا تفهّمه هو التيه في دوّامة الخلافات الداخليّة التافهة على لائحة هنا ومؤسّسة هناك، وشباب طامح للتغيّير في الثوريّة وشيوخ أوصياء على الثوابت في السلميّة!
الخَطب أعظمُ من "الغفلة" في هذا الترف، والعيش في حالة الإنكار لحجم الكارثة وارتداداتها السلبيّة على مصر والأمّة لعقود.
لا نزايد عليكم، ولكن لا تقولوا لنا أهل مكّة أدرى بشعابها! فشِعاب مصر ونيلها وميادينها وأهراماتها لنا جميعاً، وما يجري في مصر نكتوي بنار أذاه ونشرب رحيق نعيمه!
قامات مصر وحرائرها في الزنازين والمعتقلات شكّلت رمزيّات للأمّة بل لأحرار العالم، وكرام مصر وكريماتها التائهون في عواصم العالم يشدّهم الحنين ويقتلهم الشوق لديارهم هم في السويداء من قلوبنا!
لا يحقّ لأحدٍ احتكار مصر! ومن يحاول ذلك يهين مصر والمصريين، ويصغّرها وهي الكبيرة بتاريخها وشعبها! آهٍ على صِغارٍ لا يعرفون قيمة الكبار!
آخر الكلام:
أنكروا ما شئتم، واختلفوا كيف شئتم، وتناسوا مَن شئتم، كونوا ثوريّين أو سلميّين .. كونوا ما شئتم! لكنّ الأمل كبيرٌ أنْ تظلّ صورة محمّد مهدي عاكف السنديانة التسعينية، كالأسد يزأر بقيوده خلف القضبان محفّزاً ومذكّراً لكم أنّ هناك أحراراً دفعوا وما زالوا يدفعون حياتهم ثمن حريّتهم وحريّتكم وحريّة مصر؛ فلا تخذلوهم بإنكاركم!
الى السيد مصري: كيغ أضاع الاخوان الثورة؟ قتل وسجن ولوحق الالاف منهم . بعدين وين يقية المصريين اذا الاخوان اضاعوها؟ اليس هذا اعتراف ان الاخوان فقط هم اصحاب الثورة؟ اتق الله واسكت احسن الك
عربي من العرب
السبت، 29-04-201706:30 ص
الى الأخ مصري صاحب التعليق: مشروع الاسلاميين فاشل؟؟ كيف فشل وقد سحقوا بقوة السلاح؟ طيب احكيلي: ماهو المشروع الناجح عندك؟ العلماني ام اليساري ام المتأمرك أم المتصهين أم أم.. الخ؟ جاوب اذا كنت مسلم أصلا
مصري
الجمعة، 28-04-201704:55 ص
مزيد من الوهم .. و مزيد من الغيبوبة .. الإخوان هم من أضاعوا الثورة .. مشروع الإسلاميين فاشل ..هم لا يفهمون الإسلام أصلا ..كفى تغريرا بالشباب ...و تصادما في صراع انتهى .
حافظ الكرمي
الأربعاء، 26-04-201705:46 م
ما شاء الله
رائع كعادتك ابا يحى ، قلمٌ سيَّالٌ وكلماتٌ معبرةٌ ، بلطف معهود وحزم مشهود ،فلله درك ،وبورك في قلمك ولا فوض فوك