هل في مصر معارضة سياسية حقيقية ؟ هذا السؤال يشغل الكثيرين بعد التشظي الكامل الذى أصاب القوى السياسية فى مصر منذ صيف 2013 حين توقفت السياسة تقريبا ودخلت مصر في متاهات لم تخرج منها بعد، ما يقرب من أربعة أعوام ومصر بلا سياسة ولا صوت فيها سوى للسلطة الحاكمة وأتباعها، طالت يد السلطة وبطشها الجميع من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ورغم ذلك ما زالت سهام القوى السياسية موجهة لبعضها البعض.!
تجمدت الأحزاب السياسية بسبب المجال العام المغلق، لكن النظام ليس السبب الوحيد في ترهل الأحزاب، فقبل ذلك كانت هناك صراعات داخل الأحزاب التي كان الناس يعولون عليها في التعبير عنهم وتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم، مأساة فشل العمل الجماعي في التنظيمات السياسية مستمرة، ترك الكثيرون الأحزاب واتجهوا لتجمعات وروابط أخرى تعنى بالشأن العام لكنها مسها ما أصاب التنظيمات السياسية من خوار وضعف وتناحر وتآكل بدءا من النقابات والحركات والروابط ووصولا لجروبات الفيس بوك المهتمة بالسياسة التي يمكن من خلالها رصد البؤس العام بين المتناحرين على السراب.
جهد القوى السياسية في مصر مركز على التخوين والردح لبعضها البعض، كل فريق يرى أنه الأصوب وأنه يمتلك الحقيقة الكاملة ولم يرتكب أي حماقات ولا أخطاء طوال مسيرته وبالتالي لا حاجة للمراجعات فى نفس الوقت الذى يطالب الجميع بها، ويتولى مسئولية توزيع صكوك الوطنية وأحيانا الثورية وربما المدنية على الكل فيسبغها على فلان وينزعها عن فلان طبقا لأهوائه الشخصية.
لا يوجد تيار مدنى في مصر ( رموز كبار أو تنظيمات ) – إلا ما ندر - خرج على الناس معتذرا عن أي خطأ ارتكبه خلال السنوات الماضية، الكل أخطأ باستثناء هو، وكل ما حدث من حماقات كبرى يتم خلق سردية له قوامها الإنكار و التبرير وتحميل الأخرين ذنب كل شيء.
أحد هؤلاء يقوم بالتنظير اليومي علينا وتقييم الفاعلين السياسيين وتحديد معنى الثورية بينما هو قد شارك في مظاهرات التفويض التي تبعتها أنهار الدماء التي سالت في مصر، ولا يخجل من ارتداء ثوب العقلانية والتنظير الثوري المفعم بالأحكام على خلق الله.!
بعضهم يظهرون في مواسم الحراك السياسي المحتمل ليقوموا بالمزايدة على الجميع ورمى الكل بالأحجار ثم يعودون للسبات العميق منتظرين موسما أخرا للمزايدة، يجيدون إشاعة اليأس والإحباط ويشككون الناس في كل شخص يحاول ويجتهد طبقا لقدراته، في نفس الوقت الذي لا يفعلون فيه شيئا على الإطلاق!
اجلس مع هؤلاء واحضر منتدياتهم، ستجد جُل وقتهم في النهش في الأخرين والانتقاص منهم حقدا أو غلا أو مرضا أو غيرة وعجزا، يقيمون دكاكين سياسية تافهة يطبخون فيها تلك الوجبات المسمومة التي تقطر خبلا وعوجا عن الدرب الذى يجب أن يسلكوه وعن الخصم الذي يجب أن يواجهونه.
طبقة سياسية بلغت من الضعف والهشاشة حدا لا يمكن تصوره، أغرى النظام بازدرائها وزاد من توحشه وصلفه وغروره رغم إخفاقاته الكبرى التي تزداد يوما بعد يوم، من سوء حظ مصر العاثر أن الطبقة السياسية الحالية بضعفها هي أحد أهم عوامل استمرار النظام وتجبره.
لا أمل يُرتجى من هذه الوجوه ولا خير سيأتي بأيدي هؤلاء فهم عبء على حلم التجربة الديموقراطية في مصر مثلهم مثل مؤيدي السلطة ومطبليها ومنافقيها!، الأمل في أن نطوى هذه الصفحة تماما ونعترف أن المعارضة في مصر منعدمة وأن الطبقة السياسية التي أصبحت جزءا من تعقد المشهد لا يمكن الرهان عليها بأي حال من الأحوال.
الأمل في كل إنسان حر يعرف أنه أخطأ حينا وأصاب حينا أخر فلا يخجل من الاعتراف بخطئه ومراجعة أفكاره، وهذا لن ينقص من قدره شيئا بل سيرفعه ويزيده، الأمل في جيل جديد استفاد من أخطاء السابقين وسذاجتهم ولن يكررها، الأمل في مؤمنين حقا بالديموقراطية التي تسع الجميع فلا يمارس الاستعلاء ولا التخوين لرفاق دربه، الأمل في من يسامح من أخطأ ولا يظل يجلده ويزايد عليه بلا نهاية، الأمل في جيل بلا أمراض نفسية ولا شخصنة، جيل هدفه واحد لا يعنيه من يتقدم الصف أو يتأخر بل يعنيه تحقيق الهدف وإعادة الديموقراطية الجريحة، لا أمل في قوم يضع السجان سيفه على رؤوسهم فلا يعيرونه اهتماما بل يتصارعون تحت نصل السيف فيما بينهم ، أعيدوا تقييم المواقف وتوقفوا عن العبث، ذنب كل مظلوم ليس في رقبة الظالم فقط بل في رقبة كل من كان بيده العون وانتكس وقصر، أحيوا الأمل بالقطيعة مع تفاهات الماضي ولا تكونوا بتشظيكم عونا للاستبداد!