كشف تحقيق قامت به صحيفة "الغارديان"، عن أوضاع العاملين في مصنع للملابس في سوبانغ جاوة الغربية، تابع لابنة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب.
ويشير التحقيق، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى واقع العمال المزري في المصنع، من إهانات وأجور بسيطة، بشكل يضطر الكثير من العمال للعيش بعيدا عن عائلاتهم، فيما تحصل النساء على علاوات إن وافقن على قضاء فترة الحيض في العمل.
وتقول الصحيفة إنها تحدثت مع عدد كبير من العمال في مصنع الملابس التابع لماركة إيفانكا في سوبانغ، حيث وصف العمال كيف يحصلون على أقل حد من الأجور المتدنية، التي تعد الأدنى في آسيا، فيما يطلب من العمال الوفاء بأهداف الإنتاج العالية جدا، ولا تقدم لهم تعويضات عن ساعات العمل الإضافية إلا في مرات قليلة.
ويكشف التحقيق عن شكاوى العمال بعد أسبوع من اختفاء ناشط يحقق في الانتهاكات في مصنع صيني ينتج ماركة إيفانكا، حيث تقول جماعة الناشط إنها كشفت عن عدد من الانتهاكات لحقوق العمال في المصنع، بما في ذلك دفع أجور للعمال تعد أقل من الحد الأدنى من الأجور بالنسبة للعمال في الصين، فيما يقوم المديرون بسب العمال، ويتم خرق حقوق المرأة.
وتلفت الصحيفة إلى أن العمال سجلوا في المصنع الأندونيسي شكاوى مشابهة، مع أن الأجور التي يتلقاها العمال في مصنع سوبانغ تظل أقل.
ويشير التحقيق إلى عالية (اسم مستعار)، التي عملت في
المصانع منذ مغادرتها المدرسة الثانوية؛ بسبب الولادة، وعملت في مصانع تنتج ماركات عالمية، مثل إيفانكا ترامب في مصنع "بي تي بوما أباريل" في سوبانغ، وتقول عالية إنها منذ أن تزوجت أحمد، وكلاهما أو أحدهما يعمل، لكنها لم يستطيعا دفع الديون المتراكمة عليهما، وكل ما حصلت عليه هو بيت من غرفتين استأجرته بمبلغ 30 دولارا في الشهر، مزين بصور أولادهما؛ لأنهما لا يحلمان بأن يعيشا معهما في بيت واحد، ويعيشان مع جديهما على مسافة ساعة بالدراجة النارية، ويشاهدانهم مرة في الشهر عندما يتوفر الوقود.
وتذكر الصحيفة أن عالية تحصل على الحد الأدنى من الاجور بحسب القانون، وهو 2.3 مليون روبية، أي 173 دولارا في الشهر، وهو الأقل في آسيا بنسبة 40% عن أجور العاملين في المصانع الصينية التي تعد مصدرا آخر لماركة إيفانكا، مشيرة إلى أن مصنع "بي بوما" هو شركة كورية للقماش، وبدأت في أندونيسيا عام 1999، وهو واحد من المزودين لـ"جي -3 أباريل غروب"، التي تنتج بالجملة لماركات الأزياء، بما فيها ملابس ترامب.
ويلفت التحقيق إلى أن معظم العاملين يعرفون من هي إيفانكا، حيث لاحظت عالية كيف بدأت تظهر ماركتها على الملابس قبل عام، وقال أحمد، الذي يعمل هو الآخر في مصنع للقماش، وهو مثل زوجته وبقية العمال في "بي تي بوما"، ملتزم بالدين: "نحن لا نحب سياسات دونالد ترامب"، وتابع أخبار منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة على التلفاز هذا العام قائلا: "لكننا لسنا في وضع لاتخاذ قرارات تتعلق بالعمال بناء على مبادئنا".
وتبين الصحيفة أنه عندما قدم مراسلها لعالية فكرة عن كتاب إيفانكا، فانفجرت بالضحك قائلة: "المرأة في أماكن العمل"، فالتوازن في العمل بالنسبة لها إن كانت لديها فرصة لتشاهد أبناءها أكثر من مرة في الشهر.
وينوه التحقيق إلى أن 2759 عاملا يعملون في مصنع "بي تي بوما"، منهم 200 أعضاء في نقابات العمال، يتوزعون على نقابتين، وبالنسبة لمن هم ليسوا أعضاء فإن العمل هو مثل الطاحونة، ويجب عليهم تحمله، وتبلغ نسبة النساء العاملات ثلاثة أرباع العمال، عدد كبير منهن متزوجات، وأخريات مثل عالية، لا يستطعن العيش مع أبنائهن؛ بسبب الأجر المتدني.
وتورد الصحيفة أن سيتا (23 عاما) هي واحدة من هؤلاء النساء، حيث اضطرت لترك الكلية بعد مرض والديها، وبدأت بالعمل في مصنع "بي تي بوما" العام الماضي، وقالت لـ"الغارديان" إن عقدها سيتوقف بعد سبعة أشهر من العمل، وأضافت: "هذه إحدى الطرق التي تسمح للشركة بالتغلب على النفقات الزائدة"، مشيرة إلى أنه باعتبارها موظفة بعقد فإنها لا تستطيع وقف العمل، حيث تقول: "لم أعد أحتمل أكثر من هذا، أعمل ساعات إضافية دون أجر في كل يوم، ولا أزال أحصل على 2.3 مليون روبية في الشهر، وأخطط للانتقال من سوبانغ؛ لأن الأجور متدنية، ولا أعرف أين اذهب، فليست لدي صلات".
ويفيد التحقيق بأنه بالنسبة للبعض فإن الحصول على راتب قليل ووظيفة أمر يدفع على الرضا، حيث تقول إيكا، وهي في الثلاثين من عمرها، وتعيل أبناءها وحدها، وتعمل في المصنع منذ سبع سنين: "أحب عملي وليس صعبا"، أما يوما، فهي فتاة شابة غير متزوجة، فقالت: "أنا سعيدة للعمل في (بوما)؛ لأن والدي يعملان في الفلاحة، وهي وظيفة صعبة، هنا يوجد على الأقل مكيف هواء".
وتعلق الصحيفة قائلة إن العمال الذين تحدثت معهم يجسدون الخصائص المتوسطة للعاملين الذين يصنعون ملابس إيفانكا ترامب في أندونيسيا، ولم يتعرضوا لانتهاكات واسعة، لكنهم بعيدون عن الظروف التي رسمتها ابنة الرئيس عن النساء العاملات، ولا يمكن لأي من النساء تخيل أنهن سيرتدين الملابس التي تصنع لماركتها.
ويستدرك التحقيق بأنه رغم تنازل إيفانكا عن إدارة الماركة، إلا أن اسمها لا يزال ظاهرا عليها، لافتا إلى أنه بالنسبة للنساء العاملات بشكل دائم في المصنع، فإنهن يحصلن على مزايا، مثل ثلاثة أشهر للولادة، وتأمين صحي فيدرالي إجباري، وعلاوة بقيمة 10.50 دولار لو لم يأخذن إجازة أثناء الحيض.
وتقول الصحيفة إن الظروف في مصنع "بوما" موجودة في المصانع الأخرى في جاوة الغربية، حيث يقول أندريكو أوتانغ، من مركز حقوق اتحاد العمال الأندونيسيين: "إن استخدام أهداف غير واقعية للإنتاج لتبرير أوقات العمل الإضافية غير المدفوعة أمر معروف".
وبحسب جدول العمل الذي اطلعت عليه الصحيفة، فإن الهدف المحدد للعمال مقسم بناء على كل نصف ساعة، من الساعة السابعة صباحا وحتى الرابعة مساء، وفي كل فترة يجب إنتاج ما بين 58 إلى 92 لباسا، إلا أن الأعداد المسجلة للإنتاج هي ما بين 27 إلى 40 لباسا.
وينقل التحقيق عن ويدان، قوله إن الإدارة ذكية، حيث تختم بطاقات الهوية للعاملين الساعة الرابعة مساء، ولهذا لا يمكن إثبات أي شيء، وقال سبعة موظفين إنهم تعرضوا للإهانة، مثل وصفهم بالحمير والقرود، وهذه كما يقول أوتانغ عادية.
وتذكر الصحيفة أن لدى "بوما" عادة في فصل الموظفين قبل رمضان، وتعيد توظيفهم بعده؛ حتى تتجنب دفع "علاوات العطلة الدينية"، منوهة إلى أنه بحسب القانون الأندونيسي، فإنه يجب أن تدفع للعمال علاوة بحسب ديانتهم، التي تصل إلى مرتب شهر بحسب مكانتهم في العمل، حيث تم في أيار/ مايو 2017 فصل 290 موظفا قبل رمضان، بحسب توتو سونارتو من اتحاد العمال في سوبانغ.
ويورد التحقيق نقلا عن منظمة العمل الدولية، قولها إن أندونيسيا لديها أكبر فجوة بين دول آسيا فيما يتعلق بالرواتب العالية والمتدنية للعمال غير الحرفيين العاملين في صناعة الأقمشة.
ولم يحصل أي من العمال الذين تحدثت معهم الصحيفة على زيادة في الرواتب، بناء على أدائهم، أو تلك التي يفرضها القانون الفيدرالي، رغم عملهم في المصنع لأكثر من سبع سنين.
وتنقل الصحيفة عن مدير فرع أندونيسيا وماليزيا في مركز التضامن ديفيد ويلش، قوله: "عليك أن تقيم الأجور المتدنية في سياق البلد ذاته، وضمن هذا السياق فهي ليست أجورا تساعد على الحياة"، مشيرا إلى التباين في الأجور داخل أندونيسيا، فهناك ظاهرة تقوم فيها المصانع بالتنقل إلى المناطق التي تمتع فيها العمالة بأجور قليلة، تملي شروطها في العادة الماركات الأجنبية.
ويكشف التحقيق عن أنه لم يعبر أي من العمال عن رغبة بالانضمام إلى اتحادات العمال؛ خوفا من خسارة عملهم أو لشعورهم أن عملهم ليس بالسوء ذاته.
ويعلق الناشط الأمريكي في مجال حقوق العمال جيم كيدي، قائلا: "لا يثير الدهشة في مصنع كهذا إن كان العمال لا يعرفون بوضوح ما هي حقوقهم، وما تنصه القوانين حول حقوقهم ورواتبهم".
وتورد الصحيفة نقلا عن مؤسس جمعية غير ربحية "فاشون ريفليوشين" كاري سومرز، قوله: "تزعم إيفانكا أنها هي المقصد الأخير للنساء العاملات، مع أن هذا لا ينسحب على النساء اللاتي يعملن في المصانع حول العالم".
وبحسب التحقيق، فإن ترامب اتصل في آذار/ مارس، بأندونيسيا؛ لتفوق الصادرات على الواردات، وعبر عن عدم ارتياحه للزيادة بقيمة 13 مليار دولار التي حققتها أندونيسيا العام الماضي، وهدد بمعاقبة "المستوردين الأجانب الغشاشين".
وتختم "الغارديان" تحقيقها بالإشارة إلى أن ماركة إيفانكا تعرضت للتقلب العام الماضي، فزادت نسبة المبيعات من ماركتها في أثناء حملة والدها الرئاسية بقيمة 18 مليون دولار في العام الذي انتهى في 31 كانون الثاني/ يناير، وفي الأشهر الاخيرة قامت عدة متاجر الأزياء بسحب الماركة، وتم تسويقها تحت أسماء جديدة.