نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة بولي توينبي، تقول فيه إنه مع مرور الوقت يتضح أكثر فأكثر أنه لا يمكن أن تتم عملية الخروج من
أوروبا، حيث إن هناك مقالات تنشر في الصحف كل يوم تشير إلى استحالة خروج
بريطانيا من
الاتحاد الأوروبي مع حلول آذار/ مارس 2019.
وتقول الكاتبة: "عندما نسقط عن جرف الاتحاد الأوروبي، سنعرض ثلث إمداداتنا الغذائية التي تصل في الوقت المناسب للمخاطرة، وسنعرض حركة الطيران لعدم الطيران فوق الاتحاد الأوروبي، وهو ما تحذره خطوط (ريان إير)، وتقوم (إيزي جيت) في الوقت ذاته بنقل مكتبها الرئيسي إلى النمسا، وسط تحذيرات من أن التذاكر ستحمل تنبيهات بإلغاء الرحلات في حال خروج صعب من الاتحاد الأوروبي".
وتشير توينبي في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الحقائق على الأرض تدعم عدم مغادرة الاتحاد الأوروبي، ففي الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد البريطاني، فإن الاقتصاد الأوروبي يتقدم، حيث تراجعت مبيعات السيارات في بريطانيا بنسبة 10%، وزادت مديونية بطاقات الائتمان بنسبة 10%، وتراجعت الأجور مقارنة بالتضخم المتزايد، وحتى أن مؤيدي المغادرة اليمينيين يخشون من مغادرة برنامج (يورو أتوم)، وهو ما يهدد القطاع النووي والنظائر المشعة التي تستخدم في علاج السرطان، ويهدد مشروعا نوويا بريطانيا متقدما يتعلق بأبحاث الاندماج النووي".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الألمان والفرنسيين بدأوا برنامج صناعة مقاتلة نفاثة جديدة دون بريطانيا، وهو ما يستثني خمسة آلاف مهندس يعملون لدى شركة (BAE Systems)، التي ستنهي العمل في طائرة (يوروفايتر تايفون)، وسينقل بنك (أتش أس بي سي) إلى دبلن، وبنك (باركليز) إلى باريس، وهذا كله يحصل الآن".
وتستدرك توينبي بأنه "من الواضح أن العالم الواقعي لم يؤثر أبدا على خيال دعاة مغادرة الاتحاد الأوروبي، والتحذيرات كلها تزيد من غضبهم، والانقسام القابل للانفجار في الحكومة يظهر أنهم سيحاربون أي تلميح بالتنازل، حتى لو أدى ذلك إلى فشل حزبهم، وقد فعلوها من قبل لزعيم تلو الآخر، ولم يستطيع حتى ابتداء المفاوضات قبل القيام ضد وزير المالية، الذي يسعى لخروج ناعم من الاتحاد الأوروبي (يعني الخروج مع الإبقاء على بعض الاتفاقيات الاقتصادية)".
وتورد الكاتبة نقلا عن الوزير السابق أوين باتيرسون، قوله لبرنامج "تودي" على "بي بي سي"، إن المملكة المتحدة دولة ذات سيادة، ويجب ألا تدفع بنسا واحدا للاتجار مع الاتحاد الأوروبي؛ لأن ذلك سيكون فيه تمييز، مشيرة إلى أن "ما قاله هو تكرار لما قاله بوريس جونسون، بأن بريطانيا لن تدفع بنسا واحدا لتسهيل الطريق إلى سوق مشتركة واتحاد جمركي؛ لأنهم لا يريدون ذلك سواء كان الثمن كثيرا أم قليلا، فعلى الشق العقلاني من الحكومة البريطانية ألا يحاول الالتقاء معهم في منتصف الطريق لأن إرضاءهم غير ممكن".
وتنقل توينبي عن المفاوض الرئيس مع الاتحاد الأوروبي مايكل بارنير، قوله عندما بدأت المحادثات: "سندخل الآن إلى لب الموضوع"، علما بأن الصناعات كلها تبعث بإشارات الخطر، وكل منها يجد أن أعظم عقبة هي رفض رئيسة الوزراء تيريزا ماي العنيد لمحكمة العدل الأوروبية.
وتنوه الكاتبة إلى أن "شركات الأدوية ستضطر إلى التحايل للحصول على ترخيص لأدويتها في الاتحاد الأوروبي، بحسب ما قضت به محكمة العدل الأوروبية، وأن تقوم بالحصول على ترخيص آخر من سلطة بريطانية موازية".
وتفيد توينبي بأن "توني بلير يقول إنه لا حاجة لأن تتم عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ليته استخدم ذلك ليقنع الناخبين في دائرته السابقة، الذين يميلون للخروج من الاتحاد الأوروبي، يا ليته يستخدم مهارته في الإقناع لإقناع الرجل المسن على موقف الباص رقم 31، الذي تناقشت معه في يوم من الأيام، حيث قال: (لماذا لم نخرج حتى اليوم؟ نخرج ونسيطر على حدودنا)، ولم يرد أن يعرف التفاصيل: السفر الجوي والدواء والمواد الغذائية وقطع السيارات، وقال ملوحا بيده: (يمكننا أن نحل ذلك كله ونعقد صفقات، أليس كذلك؟)، وقال إنه إن كان علينا أن ندفع ثمنا للتوصل للصفقات فلا بأس، وأضاف أنه لا بأس من السماح للأوروبيين بالدخول للعمل إن كان لديهم عمل ثمنا لعقد الصفقات".
وتبين الكاتبة أن "أحد الحلول يقوم على تنازل طويل الأمد، وقد لا ينتهي، حيث قال اللورد أندرو أدونيس، المعارض للبريكيست، إن هناك محامين سيأخذون القضية لمحكمة العدل الأوروبية؛ للحصول على حكم بأنه يمكن إلغاء البند 50، وهو الأمر الذي يؤيده اللورد كير الذي صاغ البند 50، فيمكن للمملكة المتحدة أن تلغيه قبيل آذار/ مارس 2019، بصفته إجراء مؤقتا لتأخير الخروج والبقاء في المرحلة الانتقالية، حتى أن وزير الخروج من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيس، يتفق بأن هناك حاجة للمزيد من وقت المرحلة الانتقالية، بعد أن اكتشف مدى صعوبة التفاصيل، في هذه الحالة سنجلس في قاعة الترانزيت مع النرويج، التي عاشت في حالة انتقال دائم منذ صوت النرويجيون ضد الانضمام للاتحاد الأوروبي عام 1994".
وتذهب توينبي إلى أنه "يمكن شراء البقاء في سوق مشتركة واتحاد جمركي بثمن، وبلير ليس وحيدا في الشعور بفرصة تغيير بسيط في قوانين حرية التنقل، ويقول أدونيس إن ما يصدم هو أن ديفيس مصمم على مغادرة السوق المشتركة والاتحاد الجمركي، حتى أنه لم يكلف نفسه بأن يطلب تغييرا في قواعد التنقل الحر، ما سيجعلنا نبقى".
وتجد الكاتبة أنه "مع أن العيش في دهليز الليمبو ليس حلا مثاليا، ولن يرضي دعاة الانفصال، لكنه قد يكون أفضل الخيارات السيئة، وما دمنا لسنا بحالة أفضل خارج النادي، فقد يقبل الاتحاد الأوروبي تنازلا مشوشا وينقذنا من كارثة، وسيكون علينا الالتزام بالقواعد التي لا نستطيع مخالفتها، لكن البدائل تبدو أسوأ، وقد تأتي الانتخابات وتذهب، لكن قد تصوت البلاد في المستقبل لحكومة تدعو للعودة بتواضع إلى الاتحاد الأوروبي، وقد يكون شكله تغير، وقد لا يكون حلا ملهما، لكنه يتجنب الكارثة".
وتخلص توينبي إلى القول: "لكن يجب علينا ألا نجرب
استفتاء آخر، ألم نتعلم الدرس؟ سؤال فج قسم الشعب، وقادته المشاعر أكثر من أوراق الاقتراع، وسيشل السياسة لسنوات قادمة كثيرة، وإن كانت ميولك التي تدفعك لقراءة ما يتفق مع رأيك تشعرك بأن هناك تحولا في التيار، عليك أن تنظر أحيانا إلى ما ينشر في إعلام ميردوخ والـ(ميل) والـ(ديلي تلغراف)، التي لا تزال تبث سمومها، وستكون هناك تسمم أجواء استفتاء آخر".