يقدم النظام المصري على مغامرتين غاية في الخطورة في الأشهر المقبلة. أولهما محاولة تغيير الدستور لجعل مدة الرئاسة ست سنوات بدلا من أربع، والثانية مرتبطة بها وهي إلغاء الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وأول ما يتبادر للأذهان هو نوعية الدوافع التي أجبرت عبد الفتاح السيسي على هذه الخطوات. فنظريا يمكن أن تكون الانتخابات الرئاسية العام المقبل استنساخا من سابقتها، أي تكون مجرد لحن نشاز آخر على وقع أغنية بشرة خير حتى ولو لم يذهب أحد للجان الاقتراع. فما الذي يدفع السيسي لخوض هذه معركة تعديل الدستور؟
من الناحية العملية فإن السيسي بعد أربعة أعوام في الحكم ليس هو السيسي في 2013 و2014. فالشعبية المفترضة له قد تناقصت إلى حد كبير وحدثت عدة ضربات لم تقصم ظهره لكن تركت به ندبات. منها على سبيل المثال، أزمة تيران وصنافير والنتائج السلبية لقناة السويس الجديدة وعدم رؤية أية إنجازات ملموسة من الوعود التي قطعها هذا النظام على نفسه قبل سنوات قليلة. وبالتالي فإن وجود أي نوع من الانتخابات سيجري مياه السياسة التي يراد لها أن تركد إلى حد الموات. كما أنها ستعطي أملا ولو بسيطا لمرشحين محتملين لهم شعبية حقيقية قد يتخذوا من العملية الانتخابية فرصة لمخاطبة الجماهير وتوسيع مساحة العمل السياسي التي تقلصت إلى حدود الصفر. وسيكون هناك احتمال ولو نظري أن لا ينجح السيسي. ناهيك عن تقارير نزاهة هذه الانتخابات التي ستصدرها منظمات دولية. الأمر الذي سيذكر مرة أخرى بشرعية النظام المصري الحالي وهو باب يسعى النظام لسده بشتى الوسائل.
وإذا كان أي نوع من الانتخابات العام المقبل فيه تهديد ولو بسيط لبقاء السيسي رئيسا، فإن المغامرة بتعديل الدستور من ناحية وإلغاء الانتخابات من ناحية أخرى مغامرة لا تقل مخاطرها عن هذه الانتخابات. إن إحدى دعائم خطاب الثالث من يوليو هو تعديل الدستور المستفتى عليه عام 2012 استجابة لمطالب المعارضة. الأمر الذي أعطى للانقلاب في بداية عهده سندا ولو ضعيفا من الاستجابة لرغبات قوى سياسية معارضة. سيتعرض هذا السند لضربة في مقتل بتعديل ليس له مبرر سوى رغبة السيسي في البقاء في السلطة؛ سيرا على خطى كل الدكتاتوريات التي تتشبث بالكرسي حتى آخر رمق. وربما استشعر هذه الإهانة أشخاص داعمين للنظام مثل عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور وأيضا محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان وعبروا عن تشككهم ورفضهم لهذه الخطوة.
هذا فيما يتعلق بمجرد تعديل جوهري في الدستور بغض النظر عن طبيعته، أما فيما يتعلق بإلغاء الانتخابات الرئاسية فهي قصة أخرى. إذ ليس سرا أن هناك قوى داخل النظام وحتى من القوى الإقليمية الداعمة له متململة من أدائه خلال السنوات الماضية. وكثير من هؤلاء يراهنون على الانتخابات الرئاسية المقبلة إما لتقديم بديل جديد على اعتبار أن بلد كبير مثل مصر لا يحتمل عدة انقلابات في زمن قياسي أو الحصول على بعض التنازلات من النظام المصري الحالي في إطار رغبته في البقاء. ومعنى إلغاء الانتخابات هو قطع الطريق على كل هؤلاء الذين لن تعييهم الحيل لابتزاز النظام أو الضغط عليه بطرق أخرى وربما تغييره وهو أضعف الاحتمالات.
الخيارات المقبلة للنظام المصري ستكون صعبة على كافة المستويات. فإذا اضطر لإجراء انتخابات رئاسية ستكون هناك احتمالات كثيرة أن لا تمر كما يريد. وإذا عدل الدستور ليفصله على مقاسه سيستنفر قوى كامنة كثيرة لم تلعب بكل أوراقها بعد في الشأن الداخلي المصري. وفي كل الأحوال ستشهد الأشهر القادمة مزيدا من الدراما السياسية في مصر.