نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها للشؤون العلمية كنيث تشانغ، يتساءل في بدايته عما إذا كان
البابليون، الذين عاشوا قبل حوالي 3700 عام، توصلوا إلى حل المسائل التي تحتاج إلى علم
المثلثات.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عالمي
رياضيات أستراليين يقولان إن الألواح الفخارية كانت أداة تستخدم لحل مسائل المثلثات، وهو ما يعد إضافة للوسائل الرياضية العديدة التي أتقنها علماء الرياضيات البابليون.
ويقول تشانغ إن كلا من الدكتور دانيال مانسفيلد وزميله الدكتور نورمان وايلدبيرغر من جامعة نيوساوث ويلز، نشرا ما توصلا إليه في دورية "هيستوريا ماثماتيكا"، مشيرا إلى أن مانسفيلد قال عن اللوح: "إنه جدول مثلثات سبق زمنه بثلاثة آلاف سنة".
وتذكر الصحيفة أن اللوح المعني هو ما يعرف باسم "بليمبتون 322"، الذي اكتشف في أوائل القرن العشرين في جنوب العراق، ولطالما أثار اهتمام العلماء، حيث يحتوي على 60 رقما مرتبا في 15 سطرا وأربعة أعمدة، لافتة إلى أن عرض اللوح 5 بوصات، وارتفاعه 3.5 بوصات.
ويلفت التقرير إلى أن هذا اللوح دخل في مجموعة آثار جمعها الناشر الأمريكي جورج آرثر بليبتون، ثم تبرع بكل ما جمعه لجامعة كولومبيا، مشيرا إلى أنه بسبب الدعاية التي حصل عليها اللوح، فإنه تم عرضه في معرض الكتب والمخطوطات النادرة في الجامعة.
وينوه الكاتب إلى أن أحد الأعمدة على اللوح كتبت فيه الأرقام من 1 إلى 15، أما الأعمدة الثلاثة الأخرى فهي أكثر إثارة للاهتمام، ففي أربعينيات القرن الماضي قال كل من أوتو نيغبوار وأبراهام ساكس، وهما مؤرخا رياضيات، بأن الأعمدة الثلاثة الأخرى هي عبارة عن ثلاثيات فيثاغورية، وهي عبارة عن أرقام صحيحة تحقق المعادلة (a2 + b2 = c2)، مشيرا إلى أن هذه المعادلة تمثل أيضا صفات المثلث قائم الزاوية، حيث أن مربع الوتر يساوي مجموع مربع كل من الضلعين المجاورين للزاوية القائمة.
وتقول الصحيفة إن اللافت للنظر أن المسمى الذي أطلق على الأرقام في الأعمدة الثلاثة "أرقام فيثاغورية"، نسبة إلى العالم الرياضي اليوناني فيثاغوروس، علما بأن فيثاغوروس لم يكن قد ولد إلا بعد ألف سنة من تاريخ اللوح.
ويفيد التقرير بأن السؤال الذي طرحه العلماء والمؤرخون هو لماذا قام البابليون بكتابة هذه الجداول؟ حيث كان أحد التحليلات هو أنها ساعدت الأساتذة في صياغة أسئلة وإيجاد الحل لطلابهم، مشيرا إلى أن اللوح مر على الدكتور مانسفيلد عندما كان يبحث عن مثال للرياضيات القديمة ليعرضه على طلابه، ووجد أن التفسير السابق للوح غير مقنع، وقال: "لم يبد لي أن أيا من التفسيرات مقنع".
ويبين تشانغ أن باحثين آخرين افترضوا أن هناك أعمدة أخرى حملت أرقاما تعكس نسبة الضلعين المجاورين للزاوية القائمة، حيث يوجد هناك كسر في الطرف الأيسر للوح، منوها إلى أن ما هو مفقود من اللوح هو الزاوية، التي تعد مركزية عند تعلم المثلثات في هذه الأيام.
وبحسب الصحيفة، فإن الدكتور وايلدبيرغر، الذي لا يبعد مكتبه كثيرا عن الدكتور مانسفيلد، اقترح قبل عقد بأن يتم تدريس المثلثات بناء على النسبة بدلا من الزوايا، وتساءل الأكاديميان إن كان البابليون اتبعوا أسلوبا يستبعد الزوايا من علم المثلثات أيضا.
وينقل التقرير عن مدير معهد دراسات العالم القديم في جامعة نيويورك ألكساندر جونز، الذي لم يشارك في البحث، قوله: "أعتقد أن هذا التفسير ممكن، لكن ليس لدينا الكثير من حيث سياق الاستخدام من الألواح البابلية لتأكيد الهدف، ولذلك يبقى هذا التحليل مجرد تكهن".
ويورد الكاتب نقلا عن الخبيرة في دراسات بلاد ما بين النهرين في جامعة "يونيفيرستي كولج" في لندن الأستاذة ألينور روبسون، التي رجحت أن يكون اللوح استخدم وسيلة تعليمية، قولها على "تويتر" إن تفسير علم المثلثات يهمل السياق التاريخي.
وتقول الصحيفة: "لعل الحجة الأقوى لتأييد فرضية الدكتور مانسفيلد والدكتور وايلدبيرغر، هي أن الأرقام تشير إلى جهد لتوليد ثلاثيات فيثاغورية تصف مثلثات قائمة الزاوية لمثلثات تزيد زاوية كل منها عن سابقه بحوالي درجة واحدة".
وينقل التقرير عن الدكتور مانسفيلد، قوله: "لا يمكن أن تكتب جدول مثلثات بالصدفة.. فأن تكون لديك قائمة ثلاثيات فيثاغورية لا تفيد كثيرا، فهي مجرد قائمة بالأرقام، لكن عندما ترتبها بطريقة بحيث تستطيع أن تستخدم أي نسبة معروفة لمثلث لتحسب بقية الأضلاع، فإن ذلك يتحول إلى علم مثلثات، وهذا ما يمكننا من استخدام هذا اللوح لفعله".
ويقول تشانغ إنه "لو كان لدى مهندس بابلي مسألة تتعلق بـZiggurat، (معبد مدرج) حول مثلث طول وتره 56 ذراعا، وأحد ضلعيه الصغيرين 45 ذراعا، فإن بإمكانه حساب طول الضلع الثالث بسهولة، من خلال تقسيم 56 على 45 ويحصل على 1.244، وأقرب نسبة يجدها في السطر رقم 11 وهي 1.25، ومنها نجد أن طول الضلع الآخر هو 33.6 ذراعا، ويظهر الأستاذان مانسفيلد ووايلدبيرغر في بحثهما أن هذا الرقم الذي نحصل عليه أفضل من الرقم الذي نحصل عليه باستخدام جداول عالم الرياضيات الهندي مدهافا الذي جاء بعد ثلاثة آلاف سنة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إنه في هذه الأيام فإنه يمكن لأي شخص أن يحسبها بشكل أدق مستخدما آلة حاسبة، حيث يصل إلى الرقم 333317.