نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية تقريرا لمراسلها في القدس بيتر بيومنت، يقول فيه إن الأسباب التي أعطتها قوات أمن السلطة
الفلسطينية لاعتقال الصحافي طارق أبو زيد كانت متناقضة تماما.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أبو زيد، الذي يعمل مراسلا في مدينة نابلس لتلفزيون "الأقصى" التابع لحركة
حماس في غزة، أخبر أن سبب اعتقاله هو الانتقام لاعتقال حركة حماس في غزة صحافيا يعمل لدى وسيلة إعلام فتحاوية.
ويستدرك بيومنت بأن الرواية تغيرت في السجن، بحسب ما قاله أبو زيد للصحيفة، وقيل له إنه معتقل بموجب قانون جديد يتعلق بالجريمة الإلكترونية كان قد أصدره رئيس السلطة الفلسطينية محمود
عباس في بداية الصيف، وبأن أبو زيد اخترقه بنشر ملصقات ساخرة من السلطة الفلسطينية على "
فيسبوك".
وتذكر الصحيفة أن أبو زيد ليس هو الصحافي الوحيد الذي استهدفته قوات أمن السلطة الفلسطينية، فهو واحد من خمسة صحافيين تم اعتقالهم في اليوم ذاته الشهر الماضي، بالإضافة إلى أنه تم استدعاء آخرين للتحقيق معهم، في حملة متنامية ضد وسائل الإعلام وضد المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويلفت التقرير إلى أن الحملة بدأت في حزيران/ يونيو بقرار السلطة إغلاق حوالي 30 موقعا معارضا، ثم تحرك المسؤولون الفلسطينيون ضد الأفراد، وسط انتقادات لعباس بأنه قد شاخ (82 عاما)، وبأنه أصبح أكثر استبدادا في الوقت الذي يتمسك فيه بالسلطة.
ويكشف الكاتب عن أنه من بين المواقع التي تم إغلاقها كانت مواقع تعود لأحزاب سياسية معارضة ووسائل إعلام مستقلة، بالإضافة إلى شبكة القدس الإخبارية، التي هي عبارة عن شبكة يديرها متطوعون.
وتفيد الصحيفة بأنه منذ ذلك الوقت، وبحسب تقرير صدر الشهر الماضي عن منظمة العفو الدولية، فإن الحملة توسعت لتسمح للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية "بالاعتقال التعسفي للصحافيين، والتحقيق العنيف، ومصادرة الأجهزة، والاعتداء الجسدي، والمنع من نقل الأخبار".
اقرأ أيضا : "الأورومتوسطي" يدعو أوروبا لبحث قمع حرية الصحافة بالضفة
وينقل التقرير عن مجدلينا المغربي من منظمة العفو الدولية، قولها: "شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيدا شديدا في هجمات السلطات الفلسطينية ضد الصحافيين والإعلام في محاولة لإسكات المعارضة.. وهذا تراجع مخيف في حرية التعبير في فلسطين، من خلال اعتقال الصحافيين وإغلاق مواقع المعارضة، يبدو أن السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تستخدم تكتيك الدولة البوليسية لإسكات الإعلام الناقد، وتمنع وصول الناس للمعلومات بشكل استبدادي".
ويجد بيومنت أنه مع أن منظمات حقوق الإنسان في العادة تتهم عباس بتقييد الحريات، إلا أن التحركات الأخيرة تمثل توجها جديدا يحركه بشكل رئيسي الصراع المتنامي على السلطة بين حركة حماس وعباس ومنافسه اللدود في حركة فتح محمد دحلان.
وبحسب مقابلات أجرتها "أوبزيرفر"، فإن الأسباب الظاهرية للاعتقال كانت أحيانا تافهة، حيث كان أوضح مثال على ذلك اعتقال أحد الصحافيين لأنه قام بتصوير موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله على هاتفه.
وبحسب التقرير، فإن أشد ما يقلق ناشطي حقوق الإنسان وحرية التعبير هو قانون الجريمة الإلكترونية الذي أصدره عباس بصفته مرسوما رئاسيا دون أي استشارة أو نقاش في شهر تموز/ يوليو، مستدركا بأنه مع أن المدعي العام الفلسطيني شدد على أن القانون لم يهدف لمعاقبة المعارضين أو ناقدي السلطة، إلا أن الناقدين يقولون بأنه يتم استخدام القانون لهذا الهدف بالضبط من رئيس يزيد في ديكتاتوريته.
ويبين الكاتب أن القانون الجديد، الذي يسجن بموجبه طارق أبو زيد، يسمح للنيابة بفرض غرامات كبيرة، أو السجن على أي شخص -بمن فيهم الصحافيون أو المسربون- الذين يثبت انتقادهم للسلطات على الإنترنت على أساس "الإخلال بالنظام العام"، أو "الوحدة الوطنية"، أو "السلم الاجتماعي"، أو "ازدراء الدين".
وتقول الصحيفة إن من بين أولئك الذين تأثروا بهذه الحملة فريد العاروري، وهو مصور صحافي يعمل لصالح وكالة الأنباء الصينية "زيناهيو"، مشيرة إلى أنه خلال التحقيق أطلع العاروري على ملصقات "فيسبوك"، وقيل له إن ما كتبه قد "يؤدي إلى فوضى في المجتمع".
وينوه التقرير إلى أن صحافيا آخر تم اعتقاله في الحملة هو الصحافي جهاد بركات، الذي يعمل لشركة خدمات إعلامية في رام الله، الذي قام بالتقاط صورة لموكب رئيس الوزراء لدى توقفه على حاجز للجيش الإسرائيلي.
ويورد بيومنت نقلا عن بركات، قوله: "كنت في سيارة أجرة ورأيت الموكب فصورته، فجاء مجموعة من الرجال يسألون من قام بالتصوير.. فقلت لهم أنا وأنني أعمل صحافيا"، إلا أن ذلك لم يشفع له، وبالرغم من موافقته على حذف تلك الصور، ومع أنها لم تنشر أبدا، فإنه لا يزال يواجه استدعاء بالمثول أمام المحكمة، وليس لديه أدنى شك بخصوص سبب اعتقاله.
ويقول بركات للصحيفة: "إنه إجراء يستخدمونه ضد الصحافيين والصحافة، فبعد اعتقالي بيوم دخل قانون الجريمة الإلكترونية الجديد حيز التنفيذ، وتم اعتقال أربعة صحافيين آخرين في الأسبوع ذاته".
وتختم "أوبزيرفر" تقريرها بالإشارة إلى أن طارق أبو زيد، الذي سيمثل أمام محكمة في الأشهر القادمة، مثل المصور الصحافي بركات، يكرر شعور بركات ذاته، فيقول: "إن الأمر يصبح أكثر سوءا كل شهر.. وما أفهمه هو أن النية لدى السلطة الفلسطينية أن تسكت الصحافيين".