نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها في إفريقيا جاسون بوركي، قال فيه إن مئات المتطرفين في إفريقيا قالوا للباحثين بأن ما قامت به الحكومات لمكافحة
الإرهاب في أنحاء القارة، شكل "نقطة التحول" بالنسبة لهم، حيث اتخذوا قرارا بالانضمام إلى مجموعات متطرفة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن استنتاجات هذه
الدراسة، التي أجرتها الأمم المتحدة، ونشرتها يوم الخميس، وتعد الأكبر من نوعها، ستثير جدلا كبيرا.
ويذكر بوركي أن السلطات تقوم بمحاربة الجماعات الجهادية، مثل
بوكو حرام في غرب إفريقيا، والشباب في شرقها، وتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في الساحل، وعادة بمساعدة من أمريكا والقوى الغربية، مشيرا إلى أن عنف المتطرفين في إفريقيا تسبب بمقتل أكثر من 33 ألف شخص على مدى 6 سنوات، وتسبب بنزوح كبير، ما خلق وفاقم من الأزمات الإنسانية التي أثرت على ملايين الناس، وسدت الأفق الاقتصادي في أنحاء القارة كلها.
وتورد الصحيفة نقلا عن التقرير الجديد، الذي يحمل عنوان "رحلة إلى
التطرف"، قوله: "من المفارقات أنه في معظم الحالات كانت إجراءات الدولة هي العامل الرئيسي لدفع أشخاص في النهاية للتطرف العنيف في إفريقيا".
ويلفت التقرير إلى أنه من بين أكثر من 500 عضو سابق في المنظمات المتطرفة تمت مقابلتهم لأجل الدراسة، فإن 71% قالوا إن "إجراءات الحكومة"، بما في ذلك "قتل أحد أفراد العائلة أو صديق" أو "اعتقال فرد من العائلة أو صديق" كان الحدث الذي دفعهم للانضمام لتلك المنظمة، حيث قال تقرير الأمم المتحدة: "ثبت أن تصرفات قوات أمن الدول عامل مهم في تسريع التجنيد، بدلا من فعل العكس".
ويفيد الكاتب بأن المؤسسات الحقوقية والعديد من الخبراء الأمنيين كثيرا ما انتقدوا الأساليب الخرقاء التي تتبناها السلطات في العادة، لافتا إلى أن هناك تقارير تقول بأن السلطات الكينية مسؤولة عن العديد من حالات قتل المشتبه بهم بالتطرف خارج القانون، وفي الوقت ذاته اتهمت منظمة العفو الدولية جيش وشرطة نيجيريا بالقيام بانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان.
وتبين الصحيفة أن الباحثين الذين قاموا بالدراسة، شددوا على أن هناك العديد من العوامل التي تؤدي بالأشخاص إلى التطرف، وأن استراتيجيات الدول وحدها لا توضح انتشار وجاذبية الأيدولوجيات المتطرفة.
وينوه التقرير إلى أن المقابلات التي أجريت في شرق إفريقيا وغربها، على مدى السنوات الثلاث الماضية، تشير إلى التهميش السياسي والاقتصادي بصفته سببا رئيسيا للتطرف، لافتا إلى أن معظم المجندين في المنظمات العنيفة يأتون من المناطق الهامشية والحدودية، التي عانت على مدى أجيال من التهميش، بحسب ما ورد في تقرير الأمم المتحدة.
ويقول بوركي إن معظمهم عبر عن الإحباط الذي عانوا منه بسبب حالتهم الاقتصادية، وقالوا إن الوظيفة هي ما كانوا يحتاجونه بشدة عندما انضموا لمنظماتهم، حيث تقاضى بعضهم رواتب من المنظمات المتطرفة أعلى بكثير من معدل الرواتب محليا -حتى بالنسبة للقليل الذين كانت لديهم وظيفة رسمية- بالإضافة إلى أن المجندين أبدوا شعورا بالظلم من الحكومات، فعبر 83% منهم عن اعتقادهم بأن الحكومات لا تهتم سوى لمصالح عدد قليل، وعبر 75% عن عدم ثقتهم بالسياسيين أو بمؤسسات الدولة الأمنية.
وتكشف الصحيفة عن أن العوامل الأخرى تضمنت المستويات المتدنية من التعليم، وغياب الآباء خلال فترة الطفولة، ومستوى أدنى من فهم المبادئ الأساسية للإسلام، مشيرة إلى أن نتائج الدراسة أبرزت بعض الفروق بين إفريقيا والمناطق الأخرى، مثل الشرق الأوسط وأوروبا.
وبحسب التقرير، فإنه يتم التجنيد في إفريقيا في الغالب على المستوى المحلي عن طريق العلاقات الشخصية، وليس عن طريق الإنترنت؛ بسبب عدم توفره في كثير من المناطق المتأثرة بالتطرف والعنف، مستدركا بأن هذا الأمر قد يتغير، مع تحسن الاتصالات، بحسب رئيس فريق البحث محمد يحيى، حيث يرى البعض أن إفريقيا هي "الجبهة الجديدة" للمنظمات الجهادية العالمية.
ويستدرك الكاتب بأنه بالرغم من ادعاءات السلطات النيجيرية، فإن تنظيم بوكو حرام لا يبدو بأنه هزم، حيث قتل حوالي 400 شخص في سلسلة تفجيرات انتحارية قام بها في العادة نساء أو أطفال منذ نيسان/ أبريل، وهو ضعف عدد الضحايا للأشهر الخمسة السابقة لذلك، لافتا إلى أن قوات مكافحة الإرهاب في كينيا تحاول التغلب على شبكات الشباب، حيث قتل في الأسابيع الأخيرة حوالي 20 شخصا في شمال شرق البلاد في إقليم لامو الساحلي.
وتنقل الصحيفة عن مدير مكتب إفريقيا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية عبدالله مار ديايي، قوله: "هذه الدراسة تدق أجراس الخطر بأن تعرض إفريقيا للتطرف والعنف يزداد"، حيث وجدت دراسة الأمم المتحدة أن 80% من المجندين الذين تمت مقابلتهم التحقوا بالمجموعات المتطرفة خلال عام من التعرف عليها، وحوالي نصفهم انضم إليها خلال شهر واحد من التعرف عليها.
ويورد التقرير أن أكثر المشاعر لدى الانضمام لتلك المنظمات كانت "الأمل والانفعال"، وفي الترتيب الثاني جاء "الغضب"، وفي الترتيب الثالث كان "الانتقام"، وجاء في الترتيب الرابع "الخوف"، مشيرا إلى قول يحيى إن الذين ينضمون لتلك المجموعات في العادة، يتمتعون بمستوى أقل من التدين والتعليم، ويكون فهمهم للنصوص الدينية قليلا.
ويجد بوركي أنه مع أن أكثر من نصف من تمت مقابلتهم تحدثوا عن الدين كونه سببا لانضمامهم للمجموعات، إلا أن 57% اعترفوا بأن فهمهم للنصوص الدينية ضحل، أو منعدم تماما، أو أنهم لم يقرأوا تلك النصوص نهائيا، حيث يقول يحيى: "دراستنا تشير إلى أن فهم الدين يمكن له أن يقوي مناعة الشخص لجاذبية التطرف".
وتذكر الصحيفة أن العديد من المحللين وصانعي القرار ينحون باللائمة على التعليم الديني لانتشار التطرف العنيف، مستدركة بأن يحيى وفريقه وجدوا أن ست سنوات من التعليم الديني في المدارس تقلل احتمال الانضمام للجماعات المتطرفة بنسبة 32%، كما وجد الباحثون أن النظرة المشتركة بين العديد ممن شاركوا في المقابلات هي أن "الدين معرض للتهديد"، حيث يقول يحيى: "نجاح الفكر (المتطرف) يكمن في إعطاء الفرد الفرصة في القتال لتغيير ظروفه التي تعزى لمؤامرات عالمية وحكومية".
وينقل التقرير عن ثلث من تمت مقابلتهم من الذين انضموا للمجموعات المتطرفة، قولهم إنهم لم يزوروا مدينة مثل الأطفال قط، وكان حديثهم عن الاختلاط في المدارس أقل من نظرائهم ممن لم ينضموا للمتطرفين.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن الباحثين استنتجوا أن ذلك يوحي في بعض الحالات بأن "تعرض الشخص للمزيد من الحركة والتعامل مع الآخرين، سيولد المزيد من الثقة في الآخرين، والخصانة ضد التطرف مستقبلا".