حذّر خبيران تونسيان من الاعتماد على
فرضيات "خاطئة" مبنية على
مؤشرات غير ثابتة، في إعداد موازنة عام 2018، التي ستكون "معقدة".
وتعكف الحكومة
التونسية، على إعداد موازنة الدولة لعام 2018، في ظل مؤشرات
اقتصادية متذبذبة، فبالرغم من تسجيل نمو إيجابي في الربع الثاني من العام الحالي فإن قيمة الدينار التونسي تدهورت بشكل كبير في شهر آب/ أغسطس الماضي.
أيضا حدث ارتفاع كبير في حجم الدين العام، وكلها عوامل تؤكد أن العام المقبل سيكون أصعب من الحالي.
تفاؤل حكومي
وفي حين لم تصدر حتى اليوم أي أرقام رسمية حول ميزانية 2018، قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد، خلال جلسة منح الثقة لحكومته الجديدة في 11 أيلول / سبتمبر الجاري، إنّ "هدف الحكومة من الأول هو أنه بنهاية سنة 2019 تكون المؤشرات الاقتصادية انتقلت إلى الوضع الآمن، وذلك لاقتناعنا أن تراكم الصعوبات الاقتصادية لسنوات لا يمكن معالجته في فترة قصيرة".
وأعلن رئيس الحكومة خلال ذات الجلسة عن الأهداف الاستراتيجية الاقتصادية لحكومته في الثلاث سنوات المقبلة، والتي تقوم أساسا على التقليص التدريجي في عجز ميزانية الدولة إلى حوالي 3% من الناتج القومي الخام في أفق 2020.
كما تضمنت تلك الأهداف، العمل على استقرار مستوى المديونية التي عرفت ارتفاعا متواصلا وكبيرا طيلة 7 سنوات، بأن لا تتجاوز نسبتها 70% من الناتج القومي الخام عام 2020، على أن تأخذ منحى تنازليا انطلاقا من عام 2019، بالإضافة إلى إعداد برنامج إضافي لدفع الاستثمار والوصول بنسبة تنمية في حدود 5% عام 2020.
وأكد أن هذا البرنامج سيمكّن من تقليص نسبة البطالة في نهاية 2020 بثلاث نقاط على الأقل مقارنة بعام 2016.
وبلغت نسبة النمو في الربع الثاني من العام الجاري 1.9 في المائة، في حين بلغت نسبة البطالة 15.3 في المائة.
وتطورت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 6.7 في المائة في السبعة أشهر الأولى، وارتفعت العائدات السياحية بنسبة 22 في المائة.
دون التوقعات
وفي هذا السياق، لفت الاستشاري في الاستثمار محمد الصادق جبنون، إلى أن "نسبة النمو لم تصل إلى المستويات المرجوة منها حيث بقيت تراوح الـ 2 في المائة، وفي الربع الثاني من العام الحالي بلغت 1.9 في المائة وهذه النسب كلها لا تحقق التنمية المنشودة".
وتابع: "حتى التحسن النسبي في قطاعي الزراعة والسياحة لم يبلغا مستوى التعافي التام، وأيضا هناك ضعف نسبي في القطاع الصناعي والاستثمارات الخارجية التي انخفضت بنسبة 18 في المائة".
"إضافة إلى الضغط المستمر على ميزانية الدولة من خلال تفاقم العجز التجاري الذي تجاوز الـ10 مليارات دينار (ما يناهز 4 مليارات دولار) والانحدار المستمر للدينار التونسي"، وأكد أن "كل هذه الضغوطات ستجعل ميزانية 2018 معقدة للغاية".
ولفت جبنون إلى أن "هناك العديد من التسريبات تتحدث عن الزيادة في الضغط الجبائي والإتاوات (الضرائب والرسوم الجديدة)، وهو ما سيزيد في تأزيم الوضع الاجتماعي".
وتابع: "كما يتوقع نمو كتلة الأجور بالرغم من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك بطلب من الاتحاد العام التونسي للشغل لفتح المفاوضات الاجتماعية، وبفعل بعض الزيادات في الأجور التي تمّ الإعلان عنها في بعض أسلاك الوظيفة العمومية".
وبيّن جبنون أنّ "ميزانية 2018 ستكون في حدود 36 مليار دينار (نحو 15 مليار دولار، مقابل 14 مليار دولار لميزانية 2017) بنسبة تداين تتجاوز 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام ونسبة عجز في حدود 6 في المائة".
وأكدّ أنه "من الضروري التفكير في حلول أخرى غير التقليدية لإنعاش الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة" .
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي التونسي رضا الشكندالي، إلى أن الفرضيات التي تبنى عليها الميزانية هي نسبة النمو الاقتصادي وسعر الصرف وسعر البترول.
مؤشرات خاطئة
وأكد أن "سوء تقدير هذه المؤشرات وكل خلل في تقييمها سينعكس على ميزانية الدولة"، وفسّر أن العام الحالي شهد إخلالات كثيرة منها تراجع نسبة النمو حيث أن الحكومة توقعت 2.5 في المائة في عام 2017 ولكن النسبة لم تتجاوز الـ 1.9 في المائة.
ولفت الشكندالي إلى أن "الموارد الجبائية مرقمة على نسبة النمو وبالتالي فهي ستنخفض، وانخفاض الموارد الجبائية سيؤدي إلى ارتفاع العجز وارتفاع نسبة التداين.
وتابع: "كل خلل على مستوى سعر الصرف سينعكس مباشرة على الديون واستخلاص الديون"، مبينا أن "الدولار سيتراوح بين 2.45 دينار والـ 3 دنانير وبالتالي الفارق يضخّم الديون المستخلصة".
وأضاف: "أيضا السعر العالي للبترول (تحرك سعره مقارنة بالعام السابق) ينعكس سلبا على قيمة الدعم ويفاقم العجز ويجعلنا نلجأ إلى الديون"، مؤكدا "وجود سوء تقدير على مستوى هذه الفرضيات"، في إشارة إلى الفرضيات التي ستبني عليها الحكومة مشروع ميزانية 2018.
بوادر انتعاش
وقال الشكندالي، إن الحكومة في برنامجها الذي قدمته أمام مجلس نواب الشعب، تطرقت إلى بوادر انتعاش خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي.
وتابع: "ومن هذه البوادر ارتفاع الاستثمارات الخارجية بـ 6.7 في المائة في السبعة أشهر الأولى (من 2017) وهو مؤشر إيجابي إذا لم يكن منحصرا في استكشاف الطاقة (البترول)، دون الرفع في الإنتاج الحقيقي"، وفق قوله.
وأكد الخبير الاقتصادي أن "الاستثمارات الخارجية لا تمثل شيئا أمام الاستثمارات الداخلية، وبالتالي لا يمكن اعتباره مؤشر للانتعاشة".
وتابع: "أيضا تطور نوايا الاستثمار بـ 22 في المائة في القطاع الصناعي و67 في المائة في الخدمات و68 في المائة الفلاحة في السبعة أشهر من عام 2017"، مؤكدا "تبقى مجرد نوايا مثلها مثل نوايا الاستثمار التي تمّ الاعلان عنها في تونس 2020، وهي مرتهنة بتحويلها إلى استثمارات حقيقية".
"والمؤشر الثالث هو السياحة التي شهدت تطورا في عدد الوافدين بـ 32.5 في المائة وفي العائدات السياحية بـ 22 في المائة في الثمانية أشهر من 2017"، بحسب الشكندالي.
وبيّن، في هذا الصدد أنّ "هذا التطور يساهم فقط في خلق التشغيل الهشّ والموسمي وليس له أثر على المداخيل من العملة الصعبة، باعتبار أن التداول بالعملة الصعبة جلّها في السوق السوداء (أغلب الوافدين من الجزائر وليبيا)"، وأكد أنّه "يجب التعامل بحذر مع هذه الفرضيات عند إعداد ميزانية الدولة لسنة 2018".