نشرت صحيفة "لي أوكي ديلا غويرا" الإيطالية تقريرا تحدثت فيه عن هشاشة الوضع
الاقتصادي والسياسي في
الجزائر، محذرة من أن هذه الدولة تواجه تحديات خطيرة تتعلق أساسا بضبط الموازنة وتمويل برامج الرعاية الاجتماعية، وهو ما يهدد بإمكانية اندلاع اضطرابات أمنية سيمتد تأثيرها إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الجزائر تكتسب أهميتها في المنطقة انطلاقا من مكانتها كأكبر منتجي النفط في العالم، كما تعتبر مختبرا سياسيا لمنطقة المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط. في المقابل، تعاني الجزائر من عدة تناقضات، حيث كانت أول من شهد أحداث العنف وتشدد الحركات الإسلامية على أرضها، ناهيك عن أنها كانت من الدول القليلة التي لم تطلها رياح
الربيع العربي سنة 2011.
وذكرت الصحيفة أن الجزائر دولة ذات تأثير كبير في شمال أفريقيا والشرق الأوسط والقارة الأوروبية، إلا أنها تواجه في الوقت الحالي وضعا هشا وتحديات مصيرية تتعلق بمستقبل الدولة، حيث تقف أمام رهانات اقتصادية وسياسية صعبة جدا. فعلى سبيل المثال، يعاني عبد العزيز بوتفليقة، الذي يرأس البلاد منذ سنة 1999، من مشاكل صحية كبيرة، ويقوم بتسيير البلاد وهو على كرسي متحرك.
وبينت الصحيفة أن الجزائر اعتمدت على نظام اقتصادي أقرب للاشتراكية، تسيطر فيه الدولة على كل شيء. وفي هذا الإطار، استفادت الجزائر من عائدات النفط لتمويل نظام رعاية اجتماعية سخي، إضافة إلى بعث مشاريع عمومية ضخمة وتهيئة البنية التحتية، على غرار قطار الأنفاق، ومد ثلاثة آلاف كيلومتر من السكك الحديدية والطريق السريعة الرابطة بين الشرق والغرب، وتشييد المسجد الكبير في العاصمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن اعتماد الجزائر المفرط على النفط وعائدات المحروقات وضع البلاد في موقف صعب ومثير للقلق، ليس فقط من زاوية اقتصادية، بل أيضا في ما يتعلق بالاستقرار الاجتماعي. ففي 14 أيلول/ سبتمبر الماضي، دق رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، ناقوس خطر أثناء حضوره أمام البرلمان، حيث عرض على النواب خطة عمل فورية وجريئة، وحذر من أن البلاد أصبحت على شفا انهيار مالي كامل يهدد الاقتصاد والمجتمع.
وأضافت الصحيفة أن أويحيى أقر بأن الجزائر باتت عاجزة عن تغطية المصاريف والنفقات العمومية، لذلك تحتاج الدولة لإجراءات عاجلة وجذرية من أجل خفض الإنفاق والحصول على موارد مالية جديدة، ودونها لن تكون الحكومة قادرة عن صرف مرتبات الموظفين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن البرلمان الجزائري قد وافق على هذه الخطة بعد أسبوع واحد من عرضها، وقد تمثل الحل الذي تبناه في ضخ موارد غير اعتيادية في السوق الداخلي، من خلال طبع كميات عملة جديدة ستستعمل لدفع الرواتب وتغطية العجز في الميزانية، من أجل تجنب انهيار مؤسسات الدولة.
وحسب الصحيفة، لم يحظ هذا الإجراء غير المألوف بموافقة المعارضة سواء الإسلامية أو العلمانية، إذ اعتبرت العديد من الأطراف السياسية أن الحكومة تتذرع بالأزمة الحالية من أجل فرض بعض الإجراءات والقرارات المعدة سلفا. كما تعتقد هذه الأطراف أن هذه الإجراءات ستتسبب في ثغرة كبيرة في النظام الاقتصادي ولن تصلح الوضع، على الرغم من أن بعضها كان إيجابيا، مثل فرض حظر جزئي على بعض الواردات من أجل تشجيع الإنتاج المحلي.
وأفادت الصحيفة بأن مظاهر هشاشة الاقتصاد الجزائري واضحة جدا، فقد أصبح الاستثمار في البنية التحتية غير كاف، وخلق انهيار أسعار النفط عجزا كبيرا في الميزان التجاري، كما كشف أيضا عن غياب التنويع في مصادر الدخل، وهو ما يلقي بظلاله على مستقبل البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثيرين يعتقدون أن الجزائر لم تشملها رياح الربيع العربي، التي أطاحت بزين العابدين بن علي وحسني مبارك، لأن الجزائريين لا يزالون يتذكرون العشرية السوداء وما سببته الحرب الأهلية في بلادهم، لذلك فضلوا الاستقرار على التغيير.
ولكن، إذا تواصل الانكماش الاقتصادي والمشاكل المالية، ستجد الجزائر نفسها في ورطة وستظهر في صورة "الرجل المريض" في شمال أفريقيا، وهو ما يهدد بزعزعة الاستقرار وخلق مشاكل أمنية وسياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها.
ونوهت الصحيفة بأن تبعات الانفلات الأمني في الجزائر قد تمتد إلى كامل المنطقة، خاصة أن هذا البلد لطالما عانى من شبح الإرهاب والعنف، الذي لم يغب حتى في فترات الاستقرار النسبي. تجدر الإشارة إلى أنه توجد في الجزائر العديد من المجموعات الجهادية المكونة من جزائريين، والتي تنشط في منطقة شمال أفريقيا، وتستفيد من الطبيعة الصحراوية لأغلب أجزاء البلاد، خاصة منطقة الصحراء التي تمتد إلى مالي والنيجر ومنطقة الساحل.
وبينت الصحيفة أن الجزائر باتت نقطة ساخنة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لذلك سيمثل تعرضها لانهيار اقتصادي كارثة على استقرارها وسينعكس سلبا على كل الدول المحيطة بها. فضلا عن ذلك، سيهدد هذا الاضطراب الأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وسيؤدي إلى إفشال عملية "ماري نوستروم" التي تقوم بها مختلف القوات البحرية من دول الاتحاد الأوروبي للسيطرة على حدودها البحرية الجنوبية، ووقف تدفق اللاجئين.