16 معارضا مصريا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في أي لحظة "طيش"، بعد أن ثبتت عليهم محكمة النقض تلك العقوبة في اتهامات كاذبة لفقت لهم، وتمت محاكمتهم عليها محاكمات سياسية افتقدت لأبسط قواعد النزاهة والعدالة، وكان كل ما يهم الجالسين على مقاعدها (تلك المحاكم) هو إصدار أحكام رادعة ضد خصوم النظام ترضي زعيمهم (السيسي) وترهب هؤلاء الخصوم وتدفعهم للاستسلام ورفع الراية البيضاء في وجه هذا النظام الانقلابي الذي لم يهنأ بالاستقرار على مدى الأعوام الأربعة التي حكم فيها البلاد بالحديد والنار، والذي لا يزال يفتقد لأي شرعية سياسية وشعبية.
هؤلاء الأبرياء الستة عشر ليسو أول من صدرت بحقهم أحكام إعدام، فقد سبقهم إلى ذلك كثيرون، منهم من نفذت السلطات الحكم بحقهم وأعدمتهم فعلا في لحظات غضب، وكان إعدامهم كرد فعل على وقوع بعض الحوادث التي لا علاقة لهم بها، بل إن بعض الذين نفذت السلطات الإعدام فعلا بحقهم كانوا معتقلين لدى الأجهزة الأمنية لحظة وقوع
الجرائم التي اتهموا بتنفيذها وعوقبوا عليها، ومثال ذلك قضية عرب شركس التي حكم فيا بالإعدام على 6 من الشباب، وإلى جانب شباب عرب شركس الستة تم تنفيذ الإعدام بحق المواطنين محمود رمضان، وعادل حبارة، ورغم أن هذه الحالات الثمان التي نفذ بحقها حكم الإعدام تصنفها الأجهزة الأمنية كمنتمين للقاعدة أو داعش إلا أن ذلك لا يعني أن الحالات الست عشرة الحالية وغالبيتهم متهمون بالانتماء للإخوان أو قريبين منهم هم محصنون من تنفيذ حكم الإعدام النهائي بحقهم، بل على الأرجح فإن سلطة السيسي تضع هؤلاء كرهائن يمكن استخدامهم عند اللزوم، وهذا ما يستوجب تحركا محليا ودوليا عاجلا على كل المستويات الرسمية والشعبية والحقوقية والقانونية لسرعة إنقاذ هذه الأرواح.
إن صدور حكم واحد بالإعدام بحق معارض سياسي أمر يهتز له العالم، وقد شهدنا لذلك عشرات الأمثلة، لكن هذا العالم لم يهتز بالدرجة ذاتها حين أصدرت محاكم مصرية مدنية أو عسكرية 1964 حكما بإحالة أوراق متهمين للمفتي لأخذ رأيه الشرعي في إعدامهم خلال السنوات الأربع الماضية، لم يهتز ضمير العالم حين صدرت أحكام فعلية بإعدام 931 معارضا مصريا في 58 قضية سياسية، ربما غلب على ظن الدوائر العالمية أن أحكام الإعدام التي صدرت هي أحكام هزلية سياسية للتخويف وليست للتنفيذ، لكن ما ينفي هذا الظن هو تنفيذ
الأحكام فعلا بحق ثمانية، واحتمال تحقيقها بحق 16 جددا، ناهيك عن 124 ينتظرون حكم النقض البات والنهائي حاليا.
ها هو العالم يستعد للذكرى الخامسة عشرة لليوم العالمي لمناهضة أحكام الإعدام الذي حددته الأمم المتحدة يوم 10 أكتوبر من كل عام، وها نحن ننتظر موقفا من المجتمع الدولي يردع نظام السيسي عن إزهاق أرواح معارضيه الذين عجز عن مواجهتهم عبر صناديق الانتخابات فراح يستخدم ضدهم صناديق الذخيرة الحية، ويوظف قضاء فاقدا للنزاهة لمنحه رخصة زائفة بهذا القتل، الذي لن يحقق له ولا للإنسانية استقرارا بل دوائر لا تنتهي من العنف والانتقام.
الطريق إلى رأي عام دولي رافض لإعدام المعارضين السياسيين في مصر يبدأ من الداخل المصري، فحين تتوحد جهود جميع الفرقاء السياسيين على رفض هذه الإعدامات التي تطال اليوم فريقا منهم وهم الإسلاميين لكنها ستطال غدا آخرين، فإن هذا التوحد سيصبح رسالة قوية للنظام الحاكم أن القوى السياسية المختلفة تتفق بالفعل على حرمة الدم المصري جميعا، وأنها لا تفرق بين دم وآخر، وهي التفرقة التي كانت قائمة من قبل وحرص النظام على صنعها وتغذيتها حتى يتمكن من الخلاص من معارضيه الإسلاميين مستغلا دعم أو صمت غير الإسلاميين، والمؤكد أن هذا النظام العسكري حين ينتهي تماما من معركته مع هؤلاء الإسلاميين فإنه سيتجه إلى المعارضة الليبرالية واليسارية ليقضي عليها أيضا مستخدما كل الأساليب التي استخدمها مع الإسلاميين ومنها أحكام الإعدام الظالمة.
لقد وجه النظام بعض الرسائل الأولية بذلك حين حبس إلى جوار الإسلاميين رموزا ليبرالية ويسارية مثل علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر ومحمد عادل وعمرو علي وأحمد دومة، وقتل برصاص شرطته المعارضة اليسارية شيماء الصباغ التي حلت ذكراها السنوية قبل عدة أيام تماما كما فعل مع عشرات المنتميات للقوى الإسلامية قبلها وبعدها، حين تقف القوى السياسية والمنظمات الحقوقية المصرية صفا واحدا ضد هذه الإعدامات فإن ذلك سيشجع المجتمع الدولي على التحرك لغل يد النظام عن تنفيذها، أو إصدار المزيد منها، أما إذا ظلت هذه القوى لا تأبه بهذه الدماء التي تسفك أمام أعينها بأحكام هزلية فعليها أن تتوقع المصير ذاته، وساعتها لن تجد من يبكيها.