هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للكاتب فيليب شينون، يتساءل فيه عما إذا كان سيؤدي الكشف عن ملفات اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي إلى نهاية نظريات المؤامرة حول اغتياله عام 1963، مشيرا إلى أن هناك نظرية واحدة لم تعد بعد نظرية مؤامرة، ولم تعد كذلك من سنوات طويلة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن آخر ما لدى الحكومة من أسرار سيتم الكشف عنه، فـ"هل ستظل هناك مؤامرة؟ فلا أحد يتحدث عن عملية اغتيال ثانية في ديلي بلازا مكان الاغتيال، فالأدلة الموثقة كلها تشير إلى أن الفاعل كان لي هارفي أوزوالد الرجل الذي حمل السلاح وقتل، ولم تكن المافيا هي التي أسكتت أوزوالد".
ويقول شينون، مؤلف كتاب عن التحقيقات في مقتل الرئيس، إن البداية كانت هناك نظرية مؤامرة قامت بها الحكومة لتدمير الوثائق والصور كلها، وإسكات الشهود ومن تجرأ على الحديث، والتزييف من أجل التغطية على حقيقة ما تعرفه الحكومة، أو ما كانت تعرفه عن تحركات أوزوالد، والتهديد الذي كان يمثله على الرئيس.
وتجد الصحيفة أن الحديث عن التعتيم ليس مبالغا فيه، وهو ما قامت به المخابرات في المرحلة التي تبعت الاغتيال، حيث اعترف مؤرخ داخل المؤسسة في عام 2014، بعدما كشف عن تقرير داخلي، بأن الوكالة قامت بالتعتيم، وإن بطريقة خفية، فحاولت إخفاء أدلة من التحقيق الذي قامت به لجنة وارين والمحققون الحكوميون، لافتة إلى أن التغطية كانت متعلقة بجعل المحققين يركزون على ما اعتقدت الوكالة في حينه أنه الحقيقة، وهو أن هارفي لي أوزوالد قام وبدوافع يجب تحديدها بالتصرف بمفرده لقتل كيندي.
ويرى الكاتب أن "الأمر ليس تغطية، لكنه في الحقيقة أسهم في انتشار نظريات المؤامرة، التي كشفت عنها وثيقة بعد وثيقة، وليس (سي آي إيه) وحدها هي المتهمة، بل مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) أيضا، فمنذ الستينيات من القرن الماضي أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين مقتنعون أن حكومتهم لم تقدم لهم الحقيقة الكاملة عن مقتل كيندي، وعادة ما أثبتت الأدلة صحة تشككهم".
ويقول شينون إنه قام بعد تقرير لجنة11/ 9، التي حققت في ظروف هجمات عام 2001، التي نفذها ناشطون من تنظيم القاعدة، وفيما إن كانت هناك طريقة لمنعها، بدراسة تحقيق لجنة وارين، وتوصل إلى نتيجة محزنة، وهي أن الرئيس لم يكن ليقتل لو تحركت "سي آي إيه" و"أف بي آي"، بناء عن المعلومات التي توفرت في ملفاتها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 عن أوزوالد، الذي كان يملك شخصية واهمة وعنيفا، لكنه لم يكن "ذئبا متوحدا"، كما صورته الرواية الحكومية عن الاغتيال.
ويلفت التقرير إلى أن هذه هي الصورة التي حاولت الحكومة تقديمها بعد القتل؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإقناع الرأي العام بأنه لم تكن هناك إمكانية لمنعه من ارتكاب جريمته.
وتؤكد الصحيفة أن "(سي آي إيه) و(أف بي آي) وضعتا أوزوالد تحت مراقبة متشددة، وكان يتحدث مع أشخاص كانوا يحبذون - في عز الحرب الباردة- رؤية كيندي ميتا، وكان لدى الوكالتين السبب القوي للاعتقاد أن أوزوالد، الذي قدم نفسه على أنه ماركسي وتدرب على البندقية في المارينز، سيكون خطرا عندما مر موكب كيندي من دالاس في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، وفيما يعتقد أنه مصادفة، فإن أوزوالد بدأ في العمل في وظيفته عاملا في مخزن للكتب اسمه (مستودع تكساس للكتب المدرسية)، الذي يطل على ساحة ديلي بلازا".
ويورد الكاتب أن مدير "أف بي آي" السابق كليرنس كيللي اعترف مترددا بعد تقاعده بأن المعلومات التي جمعتها "سي آي إيه" و"أف بي آي" كان يجب أن تضع اسم أوزوالد باللون الأحمر؛ بصفته تهديدا لكيندي، وكتب في مذكراته عام 1987 قائلا إن "أف بي آي" لو تحركت بناء على ما توفر لديها من معلومات، "دون شك لم يكن كيندي ليموت في دالاس، وربما اتخذ التاريخ منعطفا آخر"، لافتا إلى أنه بدلا من ذلك، فإن المسؤولين الذين أصيبوا بالذعر حاولوا بطريقة يائسة تغطية الأدلة التي تظهر معرفتهم بتحركات أوزوالد؛ خشية اكتشاف دورهم في التعامل السيئ مع المعلومات لتحميلهم المسؤولية عن مقتل الرئيس.
وينوه التقرير إلى أن هذا هو السبب الذي جعل كلا من "سي آي إيه" و"أف بي آي" مصدرا لعشرات الآلاف، إن لم تكن مئات الآلاف، من الصفحات، التي سيتم الإفراج عنها اليوم الخميس من الأرشيف الوطني.
وتفيد الصحيفة بأنه من بين الملفات، وعددها 3100 ملف، فإنه سيتم الكشف عن حجم المعلومات التي حاولت كل من "أف بي آي" و"سي آي إي"، جمعها حول تحركات أوزوالد في الأشهر والسنوات التي سبقت عملية الاغتيال، منوهة إلى أن وثائق "سي آي إيه" تكشف عن أن الوكالة كانت تراقبه منذ عام 1959، وهو العام الذي حاول فيه الهروب إلى موسكو.
ويبين شينون أن قرار الإفراج عن الوثائق، التي قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لم يقف أمام نشرها، طالما لم يجد أي دليل يدعو لمنع نشر وثائق قد تضر بالأمن القومي، جاء ليفي بالموعد الذي وضع عام 1992، وجاء بناء على قانون مرره الكونغرس للحد من انتشار نظريات المؤامرة بشأن مقتل جون كيندي.
ويورد التقرير نقلا عن المشرعين الذين اقترحوا قانون 1992، بشأن مجموعة السجلات المتعلقة باغتيال جي أف كيندي، قولهم إنهم قرروا المضي به لقلقهم من سلسلة النظريات التي ولدها فيلم أوليفر ستون، الذي عرض في دور العرض السينمائية عام 1991، لافتا إلى أن القانون نص على ضرورة الكشف عن كل الملفات المتعلقة بمقتل الرئيس، التي بحوزة مؤسسات الدولة، ومر عليها 25 عاما، أي 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2017.
وتذهب الصحيفة إلى أن الباحثين والمؤرخين سيجدون أنفسهم أمام سلسلة من الوثائق المهمة، التي ظلت تركز على التغطية التي قام بها كل من "سي آي إيه" و"أف بي آي"، وبالتحديد زيارة أوزوالد لمكسيكو سيتي، التي استمرت ستة أيام قبل أسابيع من الاغتيال، و"على ما يبدو فإنه كان هناك في محاولة منه للحصول على تأشيرة للهروب إلى كوبا".
ويستدرك الكاتب بأن الوثائق التي سيتم الإفراج عنها من كلا الوكالتين بعد سنوات، تبين أن القاتل في رحلته إلى المكسيك قابل جواسيس من كوبا والسوفييت، بينهم خبراء من الـ"كي جي بي"، و"على ما يبدو فإنه حصل على تعليمات من امرأة مكسيكية كانت تعمل في القنصلية الكوبية".
وبحسب التقرير، فإن من بين الوثائق التي كشف عنها في التسعينيات من القرن الماضي، وثيقة في حزيران/ يونيو 1964، من "أف بي آي"، وأعدها جي إدغار هوفر للجنة وارين، التي كشفت عن أن أوزوالد تحدث عن الرغبة بقتل كنيدي علنيا في اجتماع مكسيو سيتي، مشيرا إلى أن هذه المذكرة لم تصل على ما يبدو إلى لجنة وارين.
وتورد الصحيفة أنه مع أن مذكرة هوفر موجودة على القائمة الرقمية للأرشيف الوطني، فإن المحامين أخبروا الكاتب أنهم لم يروها أثناء تحقيقهم في عام 1964، وقالوا إنهم كانوا سيتذكرون وثيقة "قنبلة" كهذه، ولربما قادت إلى تحقيق مباشر لتحديد من سمع عن خطط أوزوالد لقتل كيندي، ومن عرض المساعدة.
ويقول شينون إنه "في دالاس، بدأ التكتم بعد أسبوع على قتل الرئيس، وبدأ أول فعل يوم الأحد يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو اليوم الذي قام فيه روبي بقتل أوزوالد في مركز شرطة دالاس، عندما أمر مدير مكتب (أف بي آي) في دالاس بتمزيق مذكرة خطية، التي قدمها أوزوالد للمكتب بخط يده في ذلك الشهر، وعلى ما يبدو أنها احتجاج منه على مراقبة (أف بي آي) لعائلته".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالقول: "ماذا كتب أوزوالد في تلك المذكرة؟ لن نعرف أبدا؛ لأن العميل أخذ الورقة إلى حمام الرجال ومزقها ووضعها في المرحاض، وأغرقها في الماء، وبعد سنوات قال العميل إنه أصيب ومديره بالذعر لأن يتم التعامل مع المذكرة على أنها فرصة ضيعها المكتب لإنقاذ حياة الرئيس".