دفعت قرارات التطهير لنخبة من الأمراء والسياسيين ورجال الأعمال في
السعودية سوق الأسهم في المملكة إلى الهبوط لوقت قصير، الأحد، لكن الأسعار لم تلبث أن تعافت لتغلق السوق على ارتفاع مع رهان المستثمرين على أن تلك الحملة ربما تعزز الإصلاحات على الأجل الطويل.
وقامت لجنة لمكافحة الفساد شكلت مؤخرا برئاسة ولي العهد السعودي الأمير
محمد بن سلمان باحتجاز 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات من الوزراء السابقين ورجال الأعمال، وهو ما أثار تساؤلات بشأن استقرار الحكومة السعودية والقدرة على التنبؤ بأفعالها.
وبالنسبة للأجانب، تمثلت الصدمة الكبيرة في احتجاز الأمير
الوليد بن طلال المستثمر الكبير في شركات وبنوك غربية كبرى مثل سيتي جروب، والمعروف بالوجه الدولي للاستثمارات السعودية.
وفي تلك الأثناء، أبدى مستثمرون محليون قلقهم حول ما إذا تحقيق مستدام في الفساد ربما يظهر فضائح في أنشطة أعمال عالمية غامضة للمملكة، وهو ما قد يدفع أطرافا معنية إلى بيع حيازاتها من الأسهم.
لكن كثيرا من المصرفيين والمحللين يرون الحملة، التي تضمنت تغيير رئيس الحرس الوطني في المملكة، بمثابة تشديد لقبضة الأمير محمد بن سلمان على السلطة بهدف إزالة أي عقبات متبقية أمام سيطرته وضمان وراثة العرش في نهاية المطاف.
إصلاحات أساسية
ويقولون إن هذا ربما يساعد
الاقتصاد حيث سييسر الطريق أمام الأمير محمد بن سلمان للمضي قدما في إصلاحات أساسية تتضمن تقليص العجز في الميزانية وتوظيف مزيد من النساء ورفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات وبيع أصول حكومية بنحو 300 مليار دولار.
وقال حسنين مالك الرئيس العالمي لبحوث الأسهم في الأسواق الناشئة لدى بنك الاستثمار إكسوتكس "هذا آخر تحرك لمركزية السلطة في السعودية.
وتابع: "كعمل غير مسبوق ومثير للجدل كما يبدو، ربما تكون هذه المركزية أيضا شرطا ضروريا للمضي قدما في خطة التقشف وأجندة التحول، وهي مزايا يأخذها قليل جدا من المستثمرين في الاعتبار".
وتعافى المؤشر الرئيسي للسوق السعودية بعد هبوطه في أوائل التعاملات بنحو 2.2 في المئة اليوم الأحد ليغلق على ارتفاع طفيف. وتراجعت الأسهم المرتبطة ببعض المحتجزين، مثل أسهم المملكة القابضة المملوكة للأمير الوليد بن طلال، لكن أسهم معظم البنوك ارتفعت في علامة على تفاؤل اقتصادي.
عدم الاستقرار
ربما تزيد حملة التطهير من شعبية الأمير محمد بن سلمان من خلال مكافحة الفساد، وهو مشكلة أضرت الاقتصاد لوقت طويل.
وقال برنارد هيكيل أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون "إنها خطوة تحظى بشعبية وهو أمر منطقي نظرا لأن كثيرا من الأمراء ورجال الأعمال والبيروقراطيين فاسدون، يتلقون عمولات ومتورطون في جميع أشكال الصفقات المشبوهة".
ورغم ذلك، فإن الخطر الذي يهدد الأسواق المالية يتمثل في أن الأمير محمد بن سلمان يهز ممارسات شركات وروابط استمرت لعقود، في تحرك ربما ينجم عنه نتائج عكسية إذا حفز هروبا للأموال وثروات المواطنين من البلاد.
وقال هيكيل "سيرعب احتجاز رجال أعمال بارزين في البلاد القطاع الخاص وربما يكون هناك نزوح للأموال أكثر من ذي قبل. ومعظم البيروقراطيين مذعورون الآن، وهو أمر له ما يبرره".
ويتوقع كثير من المسؤولين التنفيذيين بالشركات أن يمضي الأمير محمد بن سلمان قدما في حملته أو يضغط على السعوديين الأثرياء لإعادة بعضا من مليارات الدولارات التي يعتقد أنهم حولوها إلى الخارج سعيا وراء الأمان، والتي ربما تساعد الآن في البدء في مشروعات التنمية التي يخطط لها.
وربما تكون الحملة على الفساد خطوة مبدئية في تلك الجهود. فقرار تشكيل لجنة مكافحة الفساد يعطيها الحق، وحتى تتضح نتائج التحقيقات، في التحفظ على أصول في الداخل والخارج وتحويلها إلى الخزانة العامة.
ردود على المعارضة
وقال جيمس دورسي الباحث بكلية إس.راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة إنه يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يرد على تنامي المعارضة داخل العائلة الحاكمة ووسط الجيش لإصلاحاته وللتدخل العسكري السعودي في اليمن.
وتابع: "هناك تساؤلات حول عملية الإصلاح التي تعتمد بشكل متزايد على إعادة صياغة العقد الاجتماعي في المملكة من جانب واحد وليس بالتراضي".
ورغم ذلك، وبالنسبة لكثير من الناس، فإن الاتجاه الأحادي ينظر إليه على أنه أفضل فرصة للمضي قدما في الإصلاحات. وقال كبير الخبراء الاقتصاديين لدى بنك إقليمي كبير إن الباعث الرئيسي وراء تحرك الأمير محمد بن سلمان يتمثل في الإحباط من أن الإصلاحات لا تتحرك بالسرعة المطلوبة.
وأضاف: "فبرنامج الخصخصة على سبيل المثال، الذي يتضمن البيع المزمع لحصة تصل إلى خمسة في المائة في أرامكو السعودية النفطية الحكومية العملاقة، تمت مناقشته على مدى أشهر كثيرة بدون أن يتحقق شيء يذكر. والآن ربما يشهد البرنامج انطلاقة".
وقال سام بلاتيس الرئيس التنفيذي لمينا كاتاليستس للاستشارات: "تتمثل الرسالة التي يرسلها هذا التحرك إلى المستثمرين الأجانب في أنه من غير الحكمة المراهنة ضد الأمير محمد بن سلمان.
وزاد: "عندما يريد فعل أشياء..فقد أثبت أنه يستطيع ذلك. هذا ليس تركيزا للسلطة، وإنما تسريع. تتحرك عجلات صنع السياسة بشكل أسرع".