هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافيين سودرسان رغفان وهبة فاروق محفوظ، يقولان فيه إن بئر العبد كانت ملاذا، فكثير من الثلاثمئة والخمسة أشخاص الذين ذبحوا في المسجد يوم الجمعة الماضي، انتقلوا إليها للفرار من الاشتباكات بين قوات الأمن المصرية وتنظيم الدولة في غيرها من الأماكن في شبه جزيرة سيناء.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن قرية الروضة أصبحت وطنا لسكانها الصوفيين في الغالب، الذين رأوا أمنا في كثرة عددهم، مستدركا بأن المتشددين لاحقوا في الأشهر الأخيرة النازحين إلى الروضة، وأمروا الصوفيين بالتوقف عن طقوسهم أو يواجهون الموت، وقام سكان القرية بإبلاغ الجيش بتلك التهديدات، بحسب سكان القرية، لكن لم تصلهم أي حماية إضافية.
ويقول الكاتبان إنه لذلك قام سكان القرية ببناء حواجز رملية على ارتفاع أربعة أقدام حول المسجد والشوارع المجاورة، في جهد لم ينجح لحماية أنفسهم، حيث يقول يوسف مصطفى (37 عاما) وهو موظف حكومي، وفقد ثلاثة إخوة له في الهجوم: "بعد التهديد كنا نتوقع هجوما، لكن ليس شيئا بهذه الوحشية".
وتجد الصحيفة أن المذبحة في الروضة أبرزت مدى عرضة المجتمعات العالقة في صراع بين قوات الأمن المصري وتنظيم الدولة للخطر، بالإضافة إلى أن الهجوم، الذي كان الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، يشير إلى عجز الحكومة عن احتواء تمرد يتوسع ويصبح أكثر جرأة.
ويلفت التقرير إلى أنه لم تعلن أي مجموعة مسؤوليتها عن مذبحة يوم الجمعة، إلا أن فرع تنظيم الدولة المسمى ولاية سيناء نشيط في المنطقة، وقال بعض شهود العيان إن بعض المهاجمين كانوا يحملون أعلام تنظيم الدولة السوداء، مشيرا إلى أن "ولاية سيناء" لطالما اعتمدت على تعاطف القبائل المهمشة في سيناء، وكان قادتها وجنودها من المجتمعات المحلية، و"الصادم في هجوم يوم الجمعة هو أن معظم الضحايا ينتمون لأكثر القبائل نفوذا في سيناء".
ويعلق الكاتبان بالقول إن "هذا يشير إلى تحول مهم في توجه التنظيم: فبالرغم من أن معظم القيادة لا تزال من سيناء، إلا أن عضوية التنظيم أصبحت تضم الكثير من الأجانب، الذين لا روابط تربطهم بالمنطقة، بحسب رأي المحللين والسكان".
وتنقل الصحيفة عن الباحث غير المقيم في مجلس "أتلانتيك" في واشنطن زاك غولد، قوله إن عضوية التنظيم أصبح يدعمها العائدون من الحرب مع التنظيم في العراق وسوريا، وأضاف غولد: "هؤلاء المقاتلون الأجانب -وحتى لو كانوا مصريين فهم أجانب بالنسبة لشمال سيناء- لا يهتمون كثيرا بالخطوط الحمراء ولا المصالح القبلية".
ويذهب التقرير إلى أن مذبحة يوم الجمعة كانت جزءا من تحول أعرض نحو الطائفية في فرع تنظيم الدولة في سيناء وفي بقية مصر، لافتا إلى أن الهجمات الطائفية كانت هي العلامة التجارية للمتشددين في سوريا والعراق، ولم تبرز في مصر إلا خلال العام الماضي.
ويذكر الكاتبان أن تنظيم الدولة كان في الماضي يهاجم على الأكثر جنودا وشرطة، لكن المتشددين هاجموا حديثا الأقلية القبطية المسيحية، باستهداف كنائس في القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن، بالإضافة إلى الاغتيالات، التي اضطرت آلاف المسيحيين للهروب من سيناء.
وتورد الصحيفة نقلا عن الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط جيكوب غرين، قوله: "هجوم مسجد قرية الروضة وغيره من الهجمات التي تحقق عدد ضحايا كبيرا، تحقق لتنظيم الدولة الاهتمام الذي يسعى لتحقيقه، وتنزع الشرعية عن الجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية، وتحقق الطموحات الطائفية التي يسعى التنظيم إليها".
ويفيد التقرير بأن "الصوفيين في الروضة أدركوا أن وجودهم غير مستقر، فهم يعتقدون بصيغة معتدلة من الإسلام، تشجع على التسامح والتعددية، لكن تنظيم الدولة وغيره من المتطرفين السنة لطالما اعتبروا الصوفية ابتداعية، وكان التنظيم قد هاجم مساجد ومزارات صوفية في مالي وباكستان وغيرهما".
وينوه الكاتبان إلى أن تنظيم الدولة قام في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، باختطاف سليمان أبو حراز وقطع رأسه، وهو شيخ صوفي مشهور، يعتقد أنه كان يبلغ من العمر 100 عام، واتهمه تنظيم الدولة بممارسة السحر، وظهر الشيخ في صورة نشرها التنظيم وخلفه ملثم يلبس الأسود، وهو يلوح بسيف مقوس خلف رأس الشيخ، الذي كان مرتبطا بمسجد الروضة، كما أنه أعدم أحد طلاب الشيخ أبو حراز.
وتنقل الصحيفة عن قائد كبير للتنظيم في سيناء، قوله في مقابلة في مجلة التنظيم بعد شهرين، إن مسجد الروضة ومحيطه أحد ثلاث مناطق صوفية يأمل التنظيم في "اجتثاثها"، وأضاف القائد أن الصوفيين يستحقون القتل "إن لم يتوبوا"، واتهمهم بـ"التعاون مع الظالم".
وبحسب التقرير، فإن الجيش المصري كان يمر في المنطقة ويجري عمليات، لكنه لم يبق فيها، ولم يحضر أبدا في وقت صلاة الجمعة، التي تجذب المئات من سكان القرية، بحسب ما قاله السكان، منوها إلى أنه في الوقت ذاته كان مقاتلو تنظيم الدولة يتحركون نحو القرية، التي تقع في أقصى شمال شبه الجزيرة غرب العاصمة الإقليمية العريش.
ويقول الكاتبان: "الصراع لعبة قط وفأر قاتلة، فتقاتل الدولة مستخدمة الدبابات والمصفحات والأسلحة التقليدية الأخرى، ويقوم تنظيم الدولة بغارات كر وفر، حيث تتركز هجماته على الحواجز العسكرية ومواقعه المتقدمة".
وتبين الصحيفة أن العمليات العسكرية دفعت التنظيم من وسط سيناء باتجاه العريش، لكن المقاتلين تحركوا في الاشهر الأخيرة غربا باتجاه جبال الروضة، بحسب السكان والصحافيين المحليين.
ويكشف التقرير عن أن أعضاء تنظيم الدولة قاموا قبل أسبوعين بتوزيع منشورات في القرية، يأمرون فيها علماء الصوفية بالتوقف عن "القيام بالبدع"، بحسب اثنين من الصحافيين المحليين؛ "ولذلك قام الناس بإغلاق الشارع الرئيسي المؤدي للمسجد"، بحسب الصحافي محمد الحر، مستدركا بأن المدنيين استمروا في حياتهم اليومية.
ويذكر الكاتبان أن خالد سليمان (22 عاما) جاء هو وعائلته الصوفية الممتدة قبل عامين تقريبا، بعد أن وقعت اشتباكات بين المتشددين والجيش في منطقة الشيخ زويد البدوية جنوب شرق العريش، ويقول سليمان، الذي يدرس الصيدلة: "لم يكن العيش هناك آمنا".
وتورد الصحيفة أن سليمان كان في طريقه إلى المسجد الجمعة الماضي لتأدية صلاة الجمعة، وقد تجمع مئات الرجال والأولاد داخل المسجد وخارجه، ولم تحضر النساء، كما هو الحال في المجتمعات المحافظة، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي اقترب فيه سليمان من المسجد، فإنه رأى عددا من المتشددين يصلون في عدة سيارات، وتوزع بعضهم ليقتلوا المصلين المرتبكين، بينما دخل البعض الآخر إلى المسجد ليقتلوا المزيد، وكان الميكروفون داخل المسجد يعمل خلال المذبحة.
ويقول سليمان الذي اختبأ خلف بيت: "استطعت سماع الناس يصرخون، واستطعت سماع المتشددين يصرخون: اقتلوهم جميعا صغارا وكبارا، ولا تتركوا أحدا".
وبحسب التقرير، فإن سليمان حاول الهروب من البيت، لكن عندما ركض أصابت رصاصة ساقه فاختبأ في قن دجاج، لافتا إلى أن بعض المسلحين قاموا بقتل وجرح أي شخص حاول الاستسلام، وقام آخرون بإشعال النار في السيارات.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول سليمان إن معظم المقاتلين كانوا يتحدثون بلهجة مصرية، وبعضهم كان لديهم لحى تميل إلى الاحمرار، ما يشير إلى أنهم أجانب، وبعد حوالي نصف ساعة قام المسلحون بركوب سياراتهم والانطلاق إلى الجبال، حيث كان أول جسد يعثر عليه سليمان في المسجد هو جسد عمه.