هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المفترض تاريخياً وجغرافياً، عربياً وإسلامياً، أن تكون العلاقة بين كل من مصر والسودان نموذجية من كل الوجوه، وإلا فأين تكون العلاقات النموذجية، وكيف تكون، ما مكانها، وما طبيعتها، كل الأجيال السابقة والحالية في البلدين نشأت على ذلك، كانت هذه مقررات المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة سواء في مصر أو في السودان، في الحالة المصرية كان هناك «ملك مصر والسودان»، وفي الحالة السودانية كانت مصر والسودان «حتة واحدة»، هنا في مصر كان التعبير المتداول منذ نعومة أظافرنا هو «الأشقاء في السودان»، هناك في السودان كان التعبير المتداول طوال الوقت هو «الأشقاء في مصر».
ما الذي تغير، وما الذي حدث، وكيف تفاقمت الأوضاع بين البلدين إلى هذا الحد، كنت أتمنى دائماً وأبداً أن تظل القضايا الخلافية بين الدول الشقيقة محصورة في نطاق السلطة الرسمية، على مائدة مفاوضاتهم، في محادثاتهم، في لقاءاتهم، إلا أن الأمر بين الدولتين الشقيقتين وصل إلى المحافل والأروقة الدولية من جهة، ووصل أيضاً إلى المستوى الشعبي من جهة أخرى، وهو التطور الأخطر في العلاقات بين الشعبين الشقيقين، والذي كان يجب تداركه على الفور، حتى لو ظلت المشاكل عالق.
لا أدري كيف خرجت أزمة حلايب وشلاتين إلى العلن بهذا الشكل، في وجود قيادة سياسية في البلدين من المفترض أنها تعي أهمية مثل هذه العلاقات بين دولتين متجاورتين، فجأة وجدنا أنفسنا أمام إجراء سوداني بالتوجه إلى الأمم المتحدة من خلال خطاب يرفض اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المبرم في 8 إبريل عام 2016، على اعتبار أن هذه الاتفاقية تقر بحق مصر في مثلث حلايب وشلاتين، وعلى الفور أيضاً وبدلاً من التوجه المصري إلى السودان مباشرة في محاولة لاحتواء الأزمة، كان تصريح المتحدث باسم الخارجية بأن مصر بصدد توجيه خطاب إلى الأمم المتحدة، لرفض الخطاب السوداني وما تضمنه من مزاعم في هذا الصدد.
الإجراءان السوداني والمصري على التوالي يؤكدان أن الحوار بين البلدين وصل إلى طريق مسدود، وهو ما لا يجب القبول به على المستوى الشعبي، وما كان يجب القبول به على المستوى الرسمي، إلا أن هذه الأزمة تحديداً تؤكد أن هناك الكثير من الأزمات التي كان يجب العمل على تداركها أولاً بأول، ومن بينها أزمة سد النهضة الإثيوبي، ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن موقف السودان طوال الوقت لم يكن مناصراً للحق المصري في مياه النيل، أو هكذا كان الاعتقاد المصري، كما أن مصر أيضاً كانت مرغمة على التعامل مع هذا الملف بمنأى عن التنسيق مع السودان معظم الوقت، نتيجة محاولات ربط السودان هذه القضية مع قضية حلايب وشلاتين، انطلاقاً من النظرية الشعبية «سيب وأنا أسيب».
الغريب في الأمر هو ذلك التطور على المستوى الشعبي الحاصل بين البلدين سلباً، وهو ما يؤكد أن هناك قصورا فيما يتعلق بالأداء الإعلامي في كلا البلدين، نتج بالتأكيد عن ذلك القصور السياسي، ذلك أن المتابع للرأي العام في السودان بشكل خاص سوف يكتشف أن هناك مرارة أو غصة شديدة جداً نحو مصر، بالتأكيد لم تتكون أو تتشكل بين لحظة وأخرى، إنما هي نتاج سنوات من الشحن الإعلامي هناك، والقصور الإعلامي هنا، وصل الأمر إلى فيديوهات مسجلة لمواطنين أو أشقاء سودانيين، يحملون السلاح، ويؤكدون أنهم جاهزون لتحرير حلايب وشلاتين بالقوة، والدم، والنار، وما شابه ذلك، وكأنهم يتحدثون عن عدو تاريخي على الجانب الآخر.
أيضاً سوف نكتشف، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً، أن هناك فهما خاطئا لدى الأشقاء السودانيين فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، ذلك أن هناك معلومات مضللة بدا أنه تم الترويج لها هناك جيداً، وها هم يرددونها طوال الوقت تقول: إن أزمة مصر مع سد النهضة ليست في انخفاض كمية المياه التي سوف تصل إليها، إنما تكمن في أن هذا السد سوف ينظم عملية وصول المياه إلى السودان، بلا مشاكل فيضانات أو فترات جفاف، وهو ما سيجعل السودان قادراً على زراعة مساحات كبيرة من الأراضي من خلال دورات زراعية ثلاثية، وهو الأمر الذي يؤرق مصر، ذلك أن السودان سوف يصبح بلداً متطوراً ومكتفياً ذاتياً!!.
إذن، يجب أن نعترف أننا أمام أزمة ثقة في المقام الأول، ذلك أن مثل هذه الهواجس لو كانت تدور بعقل المسؤولين في السودان، فنحن أمام مشكلة خطيرة تتطلب العمل على دحضها فوراً ودون تردد، أما إذا كانت هذه هي عقيدة المواطن هناك نتيجة الخضوع لوسائل إعلام معادية على أي مستوى، فيجب بذل أقصى جهد أيضاً في التعامل معها، خاصة أنها افتراء متكامل الأركان، فعلى الجانب الأول نحن في مصر لا نبغي أكثر من الحصول على حصتنا في مياه النيل بما لا يضر بالدولة المصرية، على مستوى الإنسان أو الحيوان أو الزراعة، أو التنمية بشكل عام، وعلى الجانب الآخر، فنحن في مصر نعى أن أي تطور إيجابي في السودان هو تطور إيجابي لمصر، وإلا لما كانت الاستثمارات المصرية شعبياً ورسمياً ترى في السودان مستقبلاً زاهراً، وتتجه إلى هناك دون أى حسابات من أى نوع.
كل هذا وغيره يدعونا للاعتراف بأن هناك أخطاء في علاقات البلدين يجب تداركها قبل فوات الأوان، ولننطلق من الشعار السوداني في هذا الشأن (مصر والسودان حتة واحدة).
المصري اليوم