هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لخبيرة الاقتصاد التونسية جيهان شندول، تقول فيه إن تونس تواجه مظاهرات في أنحاء البلاد بسبب ارتفاع الأسعار والضرائب منذ 3 كانون الثاني/ يناير، ذكرى احتجاجات الخبز عام 1984 إبان حكم الحبيب بورقيبة.
وتقول الكاتبة: "كما كان الحال في وقتها، فإن سبب الثورة هو تدخل المؤسسات المالية الدولية في شؤون البلاد، وما ينتج عنه من صدمة لأرزاق التونسيين، وبالذات ارتفاع اسعار الخبز والقمح بعد تبني خطة صندوق النقد الدولي".
وتعلق شندول في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، قائلة إنه "من المستحيل فهم هذه الاحتجاجات دون فهم دور الموسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي، في فرض التقشف على تونس منذ الثورة الشعبية في كانون الثاني/ يناير 2011، وفي الأشهر التي أعقبت الثورة سعت الحكومات والمؤسسات الغربية لطريقة تمنع فيها البلدان من التشكيك في النموذج النيوليبرالي، ووجدت حلا في قمة مجموعة الثماني في دوفيل في فرنسا في شهر أيار/ مايو 2011".
وتشير الكاتبة إلى أنه "من خلال شراكة دوفيل مع الدول العربية، التي تمر بحالة انتقال، وهو تحالف تضمن مجموعة الثماني ومعها تركيا ودول الخليج وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، توصلوا إلى صفقة للتعامل مع الثورات التي بدأت تقوم في العالم العربي في وقتها، وتم عرض قروض كبيرة لتونس والمغرب والأردن واليمن ومصر، (الدول العربية التي كانت في حالة انتقال)، مقابل إدخال عدة تعديلات مؤسساتية نيوليبرالية، واستغل صندوق النقد الدولي وغيره الوضع غير المستقر وضعف تلك البلدان لفرض تلك الإجراءات".
وتبين شندول أنه "لم يكن بإمكان تونس إعادة التفاوض بشأن الشروط التي عرضت عليها، وكانت شراكة دوفيل هي حجر الأساس في الإصلاحات الاقتصادية التي تم تبنيها في بلدي خلال فترة التحول، وكذلك في بلدان أخرى، مثل المغرب ومصر والأردن، حيث الصندوق هو الموجه الرئيسي".
وتفيد الكاتبة بأن "نتائج دوفيل توضح الاحتجاجات التي تتم اليوم، فمنذ 2011 ارتفعت مديونية تونس العامة بشكل كبير، حيث كانت 41% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010، فأصبحت 71% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، ومنذ عام 2017، ارتفعت مبالغ سداد الديون، فبدأ الدائنون الأجانب الذين منحوا فرصة بعد الثورة بالمطالبة بأموالهم، وستصل نسبة خدمة المديونية في 2018 إلى رقم قياسي يشكل 22% من ميزانية البلد".
وتلفت شندول إلى أن تونس احتاجت إلى قرضين آخرين من صندوق النقد الدولي في الفترة 2012 – 2016، الذي جاء هذه المرة بشروط أخرى، بما في ذلك تخفيض عجز الميزانية، وتطبيق إجراءات التقشف، التي تسببت برفع الأسعار أكثر.
وتنوه الكاتبة إلى أن "صندوق النقد الدولي مارس في القرض الثاني ضغطا مستمرا على تونس، وتحديدا على البنك المركزي التونسي؛ لمنعه من التدخل في أسواق المال للمحافظة على سعر الدينار التونسي، ونتيجة تراجع قيمة الدينار (المفروضة) فإن ثمن الواردات زاد، وفي الوقت ذاته تعاني الصادرات الرئيسية (الفوسفات والسياحة) من أزمة، وليس بإمكانها تغطية التكاليف الجديدة، ولأن تونس بلد مستورد في المحصلة فإن هذا الإجراء يسهم بشكل كبير في زيادة الأسعار، ويزيد من نسبة المديونية العامة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي وخدمة الديون الخارجية".
وتوضح شندول أن "هذا كله أدى إلى قانون جديد، أصبح نافذا في بداية كانون الثاني/ يناير، وهو ما أشعل الاحتجاجات، فلتخفيض العجز في الميزانية طلب من الحكومة أن تخفض النفقة، من خلال تجميد التوظيف والتقاعد المبكر، وتجميد الأجور في القطاع العام، وزيادة مداخيل الدولة من خلال الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة، التي أدت إلى زيادة في الأسعار وضرائب الاستهلاك، وهي من أكثر أشكال الضرائب رجعية، حيث أنها تؤثر على الجميع بغض النظر عن الدخل".
وتقول الكاتبة إن "هذا أدى إلى نقود أقل في جيوب الفقراء والطبقة الوسطى، الذين يحملون عبء الضرائب، والأضعف من في مجتمعنا هم من يعانون، والطبقة الوسطى بدأت تفقر، وبدأت البلد تعاني من تسارع في هجرة العقول بسبب تراجع قيمة الدينار، وهناك شعور بالظلم يغذيه توزيع غير متكافئ لعبء الضرائب، وغياب جهد حقيقي لمعالجة موضوع الغش الضريبي والتهرب الضريبي، وارتفاع نسبة البطالة، وعدم المساواة في توزيع الثروة في البلد".
وتختم شندول مقالها بالقول إن "ظروف التغيير حاليا أسوأ مما كانت عليه في عام 2011، لكن الاحتجاجات المتنامية هي مؤشر واضح على أن الوضع الاقتصادي لم يعد قابلا للاستمرار، فهذا ما كتبته وردة عتيق، وهي منظمة للاحتجاجات تعيش في تونس العاصمة: (ما دامت تونس مستمرة في هذه الصفقات مع صندوق النقد الدولي، سنستمر في نضالنا، نعتقد أن صندوق النقد الدولي ومصلحة الشعب أمران متناقضان)، فالهروب من الرضوخ لصندوق النقد الدولي الذي جعل تونس تركع وخنق الاقتصاد هو متطلب سابق لتحقيق اي تغيير حقيقي".