هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للكاتبة رجا عبد الرحيم من الرقة، تتحدث فيه عن الإرث الذي تركه تنظيم الدولة في المدينة بعد طرده منها.
وتقول الكاتبة إن الناس الذين يسعون للعودة إلى بيوتهم المفخخة، يأتون إلى ساحة الساعة المليئة بالأنقاض؛ بحثا عن شاب يبيع السجائر والبيض الطازج؛ ليدلهم على من يساعدهم، فيأخذهم إلى مجموعة من الشباب الذين يعملون على نزع الألغام وإبطال المتفجرات، الذين لم يحصلوا على أي تدريب للقيام بهذا العمل، ولديهم القليل من الأدوات إن وجدت.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "من هؤلاء الشباب محمد الشايب، وهو شاب هادئ، طوله بالكاد خمس أقدام, وعمره 18 سنة، يدخل البيوت التي غادرها تنظيم الدولة، حيث المتفجرات قد تكون مخبأة في أي مكان؛ تحت مفتاح الكهرباء أو تحت منشفة أو داخل ثلاجة، ويقول: (إن الأمر بسيط)، في الوقت الذي يقوم فيه بفك غطاء جسم متفجر تم نزع فتيله مسبقا، (لكن الأمر يحتاج لشخص قلبه قوي)".
وتبين الصحيفة أن عملية نزع الألغام، التي يقوم بها التحالف الذي تقوده أمريكا، تركز مبدئيا على الطرقات والمباني العامة والمرافق العامة، مستدركة بأن هذه الإمكانيات ليست كافية لتغطية الكم الكبير من المتفجرات التي خلفها التنظيم قبل أن يطرد من الرقة؛ ولذلك تحولت مهمة البحث عن المتفجرات وإزالتها من البيوت بشكل جزئي إلى تجارة.
وتلفت عبد الرحيم إلى أن "كمية الجهد التي تحتاجها إزالة المتفجرات من مدينة واحدة تظهر مدى حجم التحدي الأكبر، وهو إعادة بناء سوريا، وتحديد من الذي سيتحمل التكلفة لجعل مساحات واسعة دمرتها الحرب، التي استمرت سبع سنوات، صالحة للعيش مرة ثانية".
وينقل التقرير عن متعاقد مع الحكومة الأمريكية لإزالة الألغام من الرقة، قوله بأن الأمر قد يحتاج إلى عقدين من الزمان لتنظيف الرقة تماما من المتفجرات، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية، مشيرا إلى أن 300 مدني أصيبوا أو قتلوا بسبب المتفجرات منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر حتى الآن، بحسب منظمة أطباء بلا حدود.
وتفيد الصحيفة بأنه طلب من المدنيين العائدين إلى بيوتهم في الرقة بأن يسجلوا لدى البلدية لتتم عملية تطهير بيوتهم من المتفجرات، من خلال قوة أمنية دربها التحالف، مستدركة بأن قائمة الانتظار طويلة بالنسبة للعديد من الناس، الذين ينتهي بهم الأمر في ساحة الساعة يبحثون عمن يطهر بيتهم من المتفجرات، ويدفعون تكلفة ذلك بأنفسهم، بحسب ما قاله الشايب، الذي بدأ هذا العمل قبل شهرين، عندما قام بتأمين بعض المتفجرات في بيت عائلته.
وتبين الكاتبة أنه في الوقت الذي لا يشجع فيه المسؤولون المحليون هذه الجهود، إلا أنهم يغضون الطرف عنها، خاصة أن قائمة الانتظار تطول كل يوم، لافتة إلى أنه كان هناك عدد أكبر ممن يقومون بهذا العمل عندما بدأ الشايب العمل، لكن عددا منهم قتل، من بينهم أحد أصدقائه، حيث يقول: "فكرت في ترك العمل، لكني أدركت أن من كان مقدرا له أن يعيش فسوف يعيش".
ويستدرك التقرير بأن الشايب، ذا الوجه الطفولي، لا يحظى بالطلب الذي يحظى فيه الرجل الذي يملك كاشفا عن المعادن, ومع ذلك فإنه يحصل على حوالي 8 طلبات في اليوم.
وتذكر الصحيفة أن قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف فوتيل قام بزيارة الرقة الأسبوع الماضي، وتحدث عن الحاجة لإعادة الناس إلى بيوتهم، مشيرة إلى أنه في اليوم ذاته دخل الشايب بيتا كان تحت سيطرة الشرطة النسائية لتنظيم الدولة، وكان فيه مصباح خافت ويسوده هدوء كبير، وكانت المرأة التي استأجرته وجارتها تنتظران في بيت الدرج، وكلما حرك الهواء الباب الأمامي المخلوع كانتا تقفزان من الخوف.
وتقول عبد الرحيم إنه بدلا من أن يكون الشايب حذرا ودقيقا، وألقى نظرة سريعة خلف الأثاث، وأنهى عمله خلال 15 دقيقة، وعندما خرج حاولت إحدى النساء أن تدفع له وجرته من يده لكنه رفض, وقال إنه فكك حوالي 100 جسم متفجر، مشيرا إلى أنه لا يقبل النقود إلا إذا قام بتفكيك متفجرات.
وتبين الكاتبة أنه "على الرصيف، وأمام صيدلية مدمرة يعرض الشايب المتفجرات المفككة من الأعمال التي قام بها حديثا: عدة متفجرات بحجم المحفظة، وبعض قذائف الدبابات المعدلة، ووعاء نصف ممتلئ بالرمل، ويقول إن الناس يأتون إليه للحصول على البطاريات من المتفجرات؛ لاستخدامها في المصباح اليدوي".
وينوه التقرير إلى أن "رجالا يحملون معهم المعاول مروا يبحثون عن عمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، هؤلاء أعدادهم أكبر بكثير من الذين يعملون في تفكيك المتفجرات، ويمكن رؤيتهم في كل ميدان في المدينة تقريبا، وهم مستعدون لإزالة الأنقاض، مستخدمين أدواتهم اليدوية، بالرغم من خطورة انفجار بعض المتفجرات الموجودة تحت الأنقاض".
وبحسب الصحيفة، فإن "بعض المتفجرات التي زرعها تنظيم الدولة مخبأة بشكل جيد، ولا يتم اكتشافها إلا بعد فوات الأوان، وعادة تكون النتائج قاتلة، فقبل أسبوعين، وبعد أن عادت أخت أبي كرامة وعائلتها إلى بيتها، جرت ابنة اخته ستارا فتسببت بانفجار أودى بحياتها مباشرة، وبعد فترة قصيرة قتل ابنه البالغ من العمر 16 عاما وزوج ابنته في انفجار وقع في بيت أحد الجيران".
وتفيد عبد الرحيم بأنه "بعد أن قام أبو كرامة بسحب جثمانيهما من تحت الأنقاض ودفنهما بنفسه، فإنه استأجر شخصا من الحارة ليقوم بتطهير البيت من المتفجرات، وكلفه الرجل الذي يعمل ميكانيكيا، وكان قد قام بتطهير20 بيتا حينها، خمسة آلاف ليرة سورية (10 دولارات) لكل قنبلة يفككها".
ويشير التقرير إلى أن أبا كرامة كان يعرف المخاطر، لكنه عاش لمدة سبعة أشهر هو وعائلته المكونة من 9 أفراد في خيمة من غرفتين في مخيم للنازحين شمال الرقة، وكلما هبت رياح الشتاء اهتزت جدران خيمته.
وتنقل الصحيفة عن أبي كرامة، قوله إن الرجل الذي استأجره اكتشف قنبلة مخبأة تحت أوراق الزيتون بمجرد دخوله البيت، ففككها بسرعة وتحرك خلال الغرفة ببطء، مشيرة إلى أن أبا كرامة، الذي يعمل سائق سيارة أجرة، بدأ بالقلق، حيث هناك أربع غرف في بيته، ويقول: "قلت: أخي لا أريد هذا البيت بعد، إن الأمر لا يستحق"، لكن الرجل أصر على أن يكمل عمله.
وتذكر الكاتبة أنه في الغرفة الثالثة التي دخلها الرجل حرك فراشا ثم التقط منشفة عن الأرض متسببا بانفجار، ومات وهو في طريقه إلى المستشفى، لافتة إلى أن أبا كرامة لا يزال يعيش في الخيمة في المخيم، ويلبس الرداء الرمادي ذاته، الذي كان يلبسه يوم انفجرت القنبلة بالرجل، وأصابته شظية في صدره.
وينوه التقرير إلى أن ابنه سجل مع البلدية عندما بدأت بآخذ أسماء الناس الذين يريدون تنظيف بيوتهم من المتفجرات، لكن وبعد أكثر من شهر لم يتصل بهم أحد بعد.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول أبي كرامة في الوقت الذي كان جالسا فيه على كيس خيش يحميه من برودة الأرض: "إذا عدت إلى البيت، سأقوم بحرق البيت بكامله؛ لأني لا أدري أين يمكن أن يكونوا قد زرعوا لغما.. فكم شخصا يمكن أن أخسر؟".