مصر سوف تدخل المليارات إلى خزينة دولة الاحتلال، بحسب ما قاله رئيس وزراء العدو
الإسرائيلي.
من نافلة القول إن هذه المليارات تُهوَّد بها القدس، وتُمزَّق بها الضفة وتُبنى بها المستوطنات، وقبل ذلك وبعده وأثناءه يُقتل بها الفلسطينيون حيثما كانوا، وفي المقابل فإنّ مردودها على المحتلين، بحسب ما قاله نتنياهو، التمكين لدولة الاحتلال؛ بإنفاقها على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المحتلين الصهاينة. وفوق ذلك، سوف تُعزِّز مصر
بصفقة الغاز هذه، أمن دولة الاحتلال واقتصادها وعلاقاتها الإقليمية و"مواطنيها".. تقريبا هذا ما قاله نتنياهو، وهذه هي الحقيقة باختصار!
لم تعد المشكلة في كون مصر بأنظمتها المتعاقبة واحدة من الأركان التاريخية لوجود دولة العدو واستقرارها وتعزيز أمنها ونفوذها الإقليمي، فقد تجاوزنا هذه المسألة، وغسلنا أيدينا منها، فالذي دمّر مصر نفسها، وفرّط في أرضها ومائها وغازها، وحطّم إنسانها قبل كل شيء، وكشف لنا عن اهتراء مريع في كل ما يتعلق بهذا البلد، دولة وأجهزة وإنسانا؛ لن نتوقع منه إلا أن يكون حارسا أمينا على أمن واستقرار ونفود دولة العدو الجارة!
كلمة جارة هذه غصّة في الحلق، ولا ندري لو كانت جارتنا الغربية دولة عربية أخرى غير مصر؛ هل كنّا سنعاني المعاناة نفسها؟ كنّا سنعاني بالتأكيد، لكن على الأرجح ليس على هذا النحو! على أي حال، لم تعد هذه هي المشكلة، ليس لأنّ مصر تغيّرت وكفّت عن أن تكون مشكلة، فهي لم تزل واحدة من أعوص مشاكلنا، وأكثرها مرارة وغصّة في النفس.
لكن الأمر لشدّة وضوحه بات الحديث فيه مملا، ولشدّة وضوحه صار عناد الكثيرين بشأنه مقرفا.. أليس مقرفا عدّ بعضهم للسيسي بطلا قوميّا؟! وإصرار مخابيل المحللين السياسيين أو منافقيهم على عقلنة تصرفات هذه الدولة وسياساتها، ووضعها ضمن أبعاد إستراتيجية كبرى لا تخطر على بال صانعي تلك السياسات، مع أن أجهزة هذه الدولة مهترئة إلى الحدّ الذي يمكن لأي عاقل أن يلاحظه بالاستماع لمسؤول مصريّ واحد ومن مرّة واحدة!
المسألة وما فيها، هو هذا الإمعان في إيلام الفلسطينيين والغدر بهم وتحطيم آمالهم، فهذه المليارات التي يتحدث عنها نتنياهو هي ثمن
الغاز الفلسطيني الذي تنهبه دولة العدوّ وتبيعه لمصر، أو تسيّله في المحطّات المصريّة بحسب فذلكات بعض أبواق النظام المصري ومتصهينيه ممن يُسمّون كتابا ومحللين اقتصاديين!
لا ينبغي أن نُغفل، و"إسرائيل" تقتلنا وتمزّق أرضنا وتمكّن لنفسها بمليارات مصرية هي ثمن غازنا المسروق، لا ينبغي أن نُغفل أن مصر هي أول دولة عربية اعترفت بحق "إسرائيل" في الوجود على أرضنا، بمعنى لم تكتف بخروجها من الصراع، بل منحت أرضنا للعدو، وفتحت بوابة الهزيمة العربية الكبرى المسماة "عملية السلام"، ثم اختلقت دعاية آثمة، وروّجتها مع بلاد عربية أخرى، تقول فيها إن الفلسطينيين باعوا أرضهم، ثمّ منّت علينا بحروب لم تخضها لأجلنا، وبسبب بعضها قامت "إسرائيل"، وبسبب بعض آخر منها احتلّت "إسرائيل" بقية أرضنا.
والعجيب، زعم ساستها وأبواقها المتصهينة أن قضيتنا هي سبب انحطاط أوضاعهم كافّة، اقتصادية وغير اقتصادية، مع أن آخر حرب خاضوها، ولم يخوضوها لأجلنا، كانت منذ 45 عاما، وهم ومنذ 40 عاما على الأقل مجرّد حراس أوفياء على أمن "إسرائيل" ونفوذها ومكانتها الإقليمية، وعلى تعزيز وجودها وإذلال الفلسطينيين وتصفية قضيتهم!
ما الذي تستفيده هذه الدولة من إغلاق معبر رفح في وجه مليوني إنسان، منهم عشرات الآلاف ما بين مرضى وطلاب وساعين إلى أرزقاهم وأرحامهم؟ وما المتعة التي تشعر بها هذه الدولة وأجهزتها الفاسدة وهي تحتجز الفلسطينيين دائما في مطاراتها أو على معبر رفح، ثم تبتكر أكثر أشكال السادية انحطاطا لتتلذّذ بها وهي تذلّ هؤلاء المساكين؟ هل يمكننا تخيّل سفالة بعض الكتاب والمحلّلين، أو حمقهم الذي ابتلينا به، وبعضهم فلسطينيون مع الأسف، وهم يعقلنون هذه السادية، ويضعونها ضمن دواعي الأمن القومي وضرورات الإستراتيجيات الكبرى؟!
ثم يغضب بعض إخواننا العرب حينما نقول إن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب.. بصرف النظر عن المأساة العربية الكبرى في وجود "إسرائيل"، وعن الدور العربي الذي لا يسقط بالتقادم في قيام الكيان الصهيوني، فإنّ كثيرا من العرب، والحديث عن الساسة والدول وبعض الحمقى، حتى ممن يسمون أنفسهم ثوارا، يرون في "إسرائيل" مفتاحا لمشاكلهم، وبالرغم من الخديعة التي يمارسونها على أنفسهم، فإنّهم بلغوا مبلغا من الانحطاط، أن يكون حلّ مشاكلهم لا على حساب مصالحنا فحسب، بل على حساب وجودنا!