"الحوت الأزرق" يزهق أرواح أطفال بتونس والسلطات تستنفر

لم يدر بخلد الأب التونسي حاتم صمود أنه سيضع حدا لحياة ابنته البكر ميساء -12 عاما- من دون أن يشعر، حين أهداها جهاز كمبيوتر لوحي كهدية في عيد ميلادها؛ لتحفيزها على الدراسة، وهي التي كانت تلح رفقة إخوانها الصغار على والدها -العامل اليومي البسيط- بشرائه، حتى تتمكن من توسيع دائرة معارفها، والإبحار عبر الإنترنت، كباقي أترابها في مدينة قليبية شرقي تونس.

الأب المكلوم في وفاة ابنته تحدث بصوت خانق لـ"عربي21"، كاشفا عن تفاصيل مريعة لكواليس انتحار ابنته ميساء، التي ذهبت ضحية لعبة تحدي الموت الإلكترونية، المعروفة باسم "الحوت الأزرق".

وقال: "كنت سعيدا بأني تمكنت بمساعدة بعض الأصدقاء من إرضاء ابنتي، وإهدائها الجهاز اللوحي الذي طالما حلمت به، رغم قلة اليد، ولم أرد أن أخذلها، سيما أنها كانت من الأوائل في صفها، لكن يبدو أنني من حيث لا أدري حفرت قبرها بيدي".

المؤلم في قصة انتحار ميساء أن والدها -بحسب ما كشفه لنا- كان على علم بإدمان ابنته لهذه اللعبة، ظنا منه أنها مجرد "فيلم رعب" كرتوني.

وتابع: "لم أسمع يوما لا أنا ولا زوجتي عن هذه اللعبة القاتلة، رغم أن ميساء كانت تتصرف في آخر أيامها بشكل مثير للانتباه، من خلال مشاهدتها لأفلام رعب في ساعات متأخرة من الليل، وكانت في غالب الأحيان تميل إلى الوحدة والانزواء في غرفتها".

والد الفتاة أكد أنها في ذلك اليوم المشؤوم، الذي قررت خلاله وضع حد لحياتها، والذي يصادف الجمعة 9 فبراير/ شباط 2018، قامت بتوديع جميع زملائها في الفصل وأساتذتها، وكان أغلبهم يظن أنها تمزح معهم، لتعود بعدها إلى بيتها، وتدخل غرفتها، وتوصد الباب، ثم تقوم بشنق نفسها، من خلال وضع مشنقة على باب خزانتها.

والد الضحية أكد أيضا أن ابنه الأصغر أسرّ له "بأن شقيقته أوصته بعدم كشف تفاصيل التهديدات التي تصلها من القائمين على هذه اللعبة، وإلا فانهم سيقومون بقتل والديها، وبأنها في حال أقدمت على الانتحار فإنها ستذهب في رحلة إلى الجنة، ثم تعود لوالديها".

الحوت الأزرق يواصل حصد الأرواح

حادثة انتحار الطفلة ميساء بسبب لعبة "الحوت الأزرق" لم تكن الأولى في تونس، حيث سجلت ثلاث محافظات تونسية -المنستير وأريانة وزغوان- في أقل من أسبوع ثلاث حالات انتحار أطفال؛ بسبب اللعبة ذاتها، بحسب ما كشفته وسائل إعلام تونسية نقلا عن شهادة العائلات، وهو ما حدا بوزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى دق ناقوس الخطر، ودعوة الأولياء إلى ضرورة التحلي باليقظة، ومراقبة سلوك أطفالهم خلال عملية إبحارهم على شبكة الإنترنت، محذرة من مخاطر مثل هذه الألعاب، التي تقوم على تحفيز روح التحدي لدى هذه الشريحة، وتدفعهم إلى الانتحار، ونشرت بيان تحذير في الغرض.

بدوره، استنفر المركز الوطني للإعلامية الموجهة للطفل في تونس، للتوعية والتحسيس بمخاطر هذه اللعبة وغيرها من الألعاب الإلكترونية، التي تمثل خطرا على حياة الأطفال، من خلال تنظيم دورات تكوينية لفائدة مجموعة من الإطارات التربوية؛ لدعم قدراتهم على توعية الأطفال، وتوقيهم من هذه الألعاب التي صارت تهدد حياتهم.

اقرأ أيضا: تهديدات بالقتل لأول لاعبي "الحوت الأزرق" بالمغرب (شاهد)

ما هي لعبة الحوت الأزرق

ويقول الخبير في السلامة المعلوماتية والجرائم الإلكترونية بالوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية، وليد بن سعيد، في حديثه لـ"عربي21"، إن لعبة "الحوت الأزرق" أصبحت تكتسي خطورة بالغة في العالم؛ بسبب تورطها في إزهاق أرواح مئات الأطفال المراهقين؛ بسبب اعتمادها أسلوب التحدي والتهديد والإكراه، في محاولة من مبتكريها لاستغلال الحالة النفسية الهشة لهذه الفئة.

ويضيف: "تتكون هذه اللعبة، التي ابتكرها شاب روسي، من 50 مرحلة للتحدي مباشرة بعد قيام الطفل بعملية التسجيل، ثم شيئا فشيئا يطلب منه القيام بتحديات خطيرة، كرسم صورة حوت أزرق على ذراعه باستعمال آلة حادة، والقيام في ساعات متأخرة من الليل لمشاهدة أفلام رعب، أو الصعود في أماكن عالية ومحاولة الانتحار، ومقاطعة العائلة، والانزواء وحيدا، إلى أن يصل اليوم الخمسون، حيث يطلب منه الانتحار، إما بالقفز من مكان عال، أو شنقا، والخطير أنه حتى إن حاول الطفل الانسحاب يقع تهديده بشتى الطرق، ولعل أخطرها قتل والديه.

وشدد الخبير على استحالة حجب هذا التطبيق ومنعه من الوصول إلى الأطفال؛ بسبب جهل مصدره، حيث يقع تحميله من روابط مجهولة في غالب الأحيان، لكنه في المقابل دعا الآباء والأمهات إلى تشديد المراقبة على أطفالهم وعلى مضمون التطبيقات التي يحملونها في هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية.

اقرأ أيضا: السلطات الأمنية بالجزائر تشن حربا على "ألعاب العنف"