قبل التحدث عن بيع شركات
القطاع العام، علينا أن نفهم ونعي ماذا حدث
للاقتصاد
المصري منذ الخمسينيات، وما تلاها من حكم اشتراكي ناصري يُؤْمِن بتحكم
الدولة في كل نواحي الحياة الاقتصادية. وقد سيطر العسكر آنذاك على ملكية وإدارة
الملف الاقتصادي والاستثمارات. وكان هناك تحكم مركزي من السلطة الحاكمة التي تؤمن
بالديكتاتورية الاقتصادية للنظام، وتم تأميم الشركات الأجنبية العاملة في مصر،
وخداع الشعب بتوزيع الثروات وأنها ملك للشعب.
وهنا
ظهرت نظرية جديدة، وهي رأسمالية الدولة الاحتكارية، حيث كان تخصيص الموارد
الاقتصادية يتم من خلال التخطيط المركزي لحكم العسكر الاشتراكي، وكان التحكم
والاحتكار للسوق الداخلي، وهذا ما نعرّفه بالاقتصاد المغلق الحكومي المباشر. وهذا
كان مؤشرا للتراجع الاقتصادي المصري المنغلق. وهناك من يقول: لقد كنّا في حالة
استنزاف والعدو أمامنا وخلفنا، وهذه المرحلة كانت منذ (1961-1967)، واستمر النظام
الحاكم بنفس الاتجاه حتى عام 1979.
ما
بعد كامب ديفيد
وجاء
عهد كامب ديفيد والانفتاح الاقتصادي، وكانت بداية التدهور في أداء الشركات
المملوكة للنظام، والسماح بإنشاء شركات
القطاع الخاص المحلي والاستثمار الأجنبي
وهي محاولة للخروج من النظام القديم إلى النظام الجديد الذي كان بند من بنود الاتفاقية
الاستسلامي التي لم يعلن عنها وشهدت هذه المرحلة المنافسة بين القطاع العام والخاص
وهي الفترة من عام 1980 وحتى عام 1990. وبدأ التدهور في القطاع العام، وزادت خسائر
هذا القطاع لاتجاه الشركات الخاصة للاستيراد من الخارج وإغراق السوق بالسلع
الأجنبية الرخيصة الثمن، فكان اقتصادا استهلاكيا وليس تصنيعيا، مع إهمال الدولة
للشركات الحكومية عن عمد.
واشتد
الصراع الاقتصادي الجديد، وظهرت طبقة رجال الأعمال القريبة من السلطة الحاكمة، إلى
جانب تحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد السوق المفتوح على مصراعيه، ليس للإنتاج
المحلي بل للمنتج الأجنبي. وفي هذه المرحلة تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على
تحويل العديد من الشركات إلى ملكية وإدارة القطاع الخاص، وهذه المرحلة كانت تسمى
بمرحلة
الخصخصة. ولا نعلم ما حدث لهذا البرنامج، فقد تم إهمال الشركات المملوكة،
وتتالت الخسائر لهذه الشركات وكما قلت كان هذا تعمد من السلطة الحاكمة وارتفعت نسب
الشركات الخاسرة من شركات قطاع الأعمال العام لتصل إلى 58 في المئة، وهذا ما
أعلنته السلطة الحاكمة.
توابع
بيع الاقتصاد
والسؤال:
هل حققت مرحلة الخصخصة (من عام 1992 وحتى عام 2010) نتائجها، من تحويل جميع
الشركات إلى القطاع الخاص، بغض النظر عن كون الشركات رابحة أم خاسرة؟ ومن الذي
ينفرد بقرار بيع أصول الدولة المملوكة للشعب، هل هو الشعب أم السلطة الحاكمة التي
تبيع الأرض وثروات البلاد الطبيعية لمن يدفع ومن يؤيد الحاكم الانقلابي؟
على
جميع الاقتصاديين والمختصين ورجال السياسة الذين ما زال في دمائهم واحد في المئة
من الانتماء لهذا الوطن؛ أن يعلموا أن هناك بعض الشركات التي لا يجوز أن تفرط فيها
السلطة الحاكمة الآن، مثل شركات الدواء وشركات المطاحن وشركات نقل الركاب (قطاع
السكة الحديدية).
لماذا
نحن ضد الخصخصة التي تفرض علينا من الخارج؟
عندما
خرج الشعب في 25 يناير، كان يريد التحرر من النظام العالمي المفروض عليه.. كان
يريد الحرية والعدالة الاجتماعية. وهنا نقف عند العدالة الاجتماعية، فقد عادت
الدولة القديمة، فانقلب النظام القديم على طموحات الشعب، وها هو يستمر في الخضوع
لصندوق النقد وهيئة المعونة الأمريكية.
لماذا
لا تستطيع الدولة إدارة هذه الشركات أو تسليمها لمستثمرين بالمناصفة، بدل من بيعها
وبيع أصول الشعب؟
هناك
أهداف يضعها المختصون للإصلاح الاقتصادي وهي:
1- تحسين
المناخ الاستثماري.
2- زيادة
معدلات النمو الاقتصادي.
ليس
بيع أصول الدولة من شركات رابحة أو خاسرة بل إصلاحها
علينا
أن نكون صادقين فيما نعلنه وما نكتبه.. نعم الخصخصة نجحت في تحويل الشركات الخاسرة
إلى رابحة، وفتحت المجال للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي. فمن النتائج التي تم
تجميعها لأداء الشركات التي تم بيعها، حققت 30 شركة من بين 38 شركة أرباحا أعلى
بعد الخصخصة عما حققته قبل الخصخصة، بنسب تراوحت بين 3 و1529 في المئة. وحققت 14
شركة، من بين 38 شركة تمت خصخصتها، زيادة في الأرباح تزيد بنسبة 100 في المئة
و1529 في المئة، كما حققت ثماني شركات زيادة في الأرباح بين 2 و58 في المئة..
لماذا
لا تستطيع الدولة إدارة الشركات الباقية ضمن ملكيتها بهذا النظام من الإصلاح
والتطوير، واستثمارها كالقطاع الخاص، وعدم إهمالها؟
لن
ينجح أي برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي إلا بوجود وفتح مجال الحريات، والاستثمار
في المجال التعليمي والصحي والمشاريع الصغيرة للمواطنين، وليس ببيع ممتلكات
الدولة، بل استثمارها وإدارتها وتطويرها.