هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تطرح الأجواء المشحونة بالتوتر التجاري، جملة من التساؤلات حول الشكل المستقبلي للاقتصاد العالمي، وترتيب الدول من حيث قوتها ومكانتها الاقتصادية، وأبرز المجتمعات التي سيعلو شأنها اقتصاديا، والدول التي ستتحكم في مسار التجار الدولية والأنظمة التمويلية مستقبلا، وقدرتها على الاحتفاظ بمكانتها بذات القوى النسبية التي تتمتع بها حاليا، أم أنها ستواجه تحديات تقليص نسيبا من قوتها لمصلحة لاعبين جدد.
وتعد تلك التساؤلات جميعا مشروعة في ظل نظام اقتصادي دولي يشهد وضعا غير مستقر نسبيا، وينذر بحرب تجارية بين اللاعبين الأساسيين، وسط قلق البعض من أن تسهم حرب من هذا القبيل، في تغير التوازنات الاقتصادية الراهنة، سواء بتعزيز مكانة بعض القوى الاقتصادية الحالية، أو إزاحتها من الطريق لمصلحة لاعبين محتملين.
اقرأ أيضا: دير شبيغل: هل تدق طبول الحرب التجارية عن قريب؟
وتشير أغلب توقعات النمو لأكبر 32 اقتصادا دوليا، والتي تسهم مجتمعة بـ84 في المئة من الناتج المحلي العالمي، إلى أن معدل نموها
سيزيد قليلا على 3 في المئة من الآن حتى عام 2050.
وبحلول عام 2037 سيتضاعف حجم ناتجها القومي، على أن
يبلغ ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن، إلا أن النمو الاقتصادي لتلك الدول سيتباطأ
نسبيا بعد عام 2020، لتراجع النمو الصيني، وكذلك تحول نمو بعض الاقتصادات الناشئة
من مرتفع إلى معتدل، نتيجة انخفاض معدل نمو القوى العاملة، وزيادة أعداد الفئات
العمرية مرتفعة السن.
المارد الصيني يتقدم
سام دمن أستاذ الاقتصاد الدولي والاستشاري السابق في
البنك الدولي يعتقد أن "الـ 35 عاما المقبلة ستشهد تحولات في مركز الاقتصاد
العالمي، وسينتقل الثقل الاقتصادي من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان،
إلى اقتصادات أخرى، وأغلب التوقعات تؤكد أن المارد الاقتصادي الصيني سيتجاوز نظيره
الأمريكي بحلول عام 2028".
ويضيف وفقا لصحيفة "الاقتصادية"، أن الهند
أيضا لديها القدرة على أن تصبح ثاني اقتصاد في العالم بحلول عام 2050، وذلك وفقا
لمعيار تعادل القوى الشرائية، والثالثة في الترتيب العالمي وفقا لمعيار معدل سعر
صرف السوق، لكن هذا مرتبط بقدرة نيودلهي على أن يكون لها برنامج مستدام للإصلاحات
الهيكلية.
ويرى أن اقتصادات ناشئة مثل المكسيك وإندونيسيا
سيتفوق اقتصادها على اقتصاد المملكة المتحدة وفرنسا بحلول عام 2030، وفقا لمعيار
تعادل القوى الشرائية، بينما سيكون حجم الاقتصاد التركي أكبر من نظيره الإيطالي،
أما بالنسبة إلى كولومبيا وبولندا وماليزيا فستتمتع بقدرة ملحوظة على تحقيق معدلات
نمو مستدامة.
حراك اقتصادي ملحوظ
ويبدو الاتجاه العام من الآن حتى منتصف القرن مليئا
بحراك اقتصادي ملحوظ، تتغير بموجبه مراكز القوى الاقتصادية العالمية، إلا أن
التوقعات الإيجابية بشأن نمو الاقتصادات الناشئة، لا تعد مضمونة أو مسلما بها، إذ
إنها بالنسبة إلى كثير من الاقتصاديين مرتبطة بالقدرة على الاستثمار في قطاعي
البنية التحتية والتكنولوجيا، وتحسين الهياكل والمؤسسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية،
مع إبقاء الباب مفتوحا للتدفق الحر للتكنولوجيا والأيدي العاملة الماهرة والخبرات
الفنية.
لورا هوج الباحثة في شبكة الخدمات المهنية متعددة
الجنسيات المعروفة اختصارا باسم "بي دبليو سي" تعتقد أن أحد أبرز
التغيرات التي سيشهدها الاقتصاد العالمي بحلول منتصف القرن تتمثل في بروز مجموعة
من بلدان العالم الإسلامي التي ستلعب دورا مهما في مسيرة الاقتصاد الدولي.
وأضافت أن هناك اتجاها لدى بعض الاقتصادات الإسلامية
بالتحول من اقتصاد معتمد على تصدير المواد الأولية إلى اقتصاد متعدد الأبعاد، مع
اهتمام خاص بالجانب التكنولوجي وتطوير البنية التحتية، فالمؤكد أن الاقتصاد
الماليزي والتركي والإندونيسي والنيجيري جميعا تشهد تحولا لمزيد من التنوع
الاقتصادي.
الخريطة تتغير
وتشير إلى أن التجربة السعودية في الوقت الحالي ربما
تكون الأبرز في مجال الانتقال من النفط إلى التكنولوجيا، ويمكن أن يسهم هذا التحول
في نمو الاقتصاد السعودي بنحو 5 في المئة في المتوسط سنويا حتى منتصف القرن، بحيث
ستحتل المملكة المرتبة الـ 12 في الاقتصاد العالمي بحلول منتصف القرن وفقا لمعيار
الناتج المحلي الإجمالي مقيما بتعادل القوى الشرائية، لتتفوق بذلك على الاقتصاد
التركي الذي سيحتل المرتبة 14، والباكستاني 15، والأسترالي 28، والماليزي 24،
والأرجنتيني 30، وهذا سيترك حتما تأثيرا مهما في الهيكل العام للاقتصاد الدولي،
وطبيعة مراكز صنع القرار فيه.
إلا أن التوقعات الإيجابية بشأن الدور المتصاعد
للاقتصادات الناشئة، والتراجع النسبي في مساهمة المراكز الاقتصادية التقليدية،
الممثلة في مجموعة السبع "الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا
وإيطاليا واليابان"، تجد من يتشكك في حدوثها بتلك الصورة.
ويعتقد بعض المختصين أن الكتلة الاقتصادية الأكبر
والمسؤولة عن التطور التكنولوجي على الصعيد العالمي، لا تزال تتمركز في اقتصادات
مجموعة السبع الكبري، التي تعد أيضا المستثمر الأكبر في اقتصادات البلدان الناشئة،
ويسهم هذان العاملان في أن تظل مجموعة السبع قادرة على الحفاظ على موقعها الراهن
مستقبلا.
مجموعة السبع والاقتصادات الناشئة
الدكتور إليسون هاولي أحد أبرز الاقتصاديين الذين
ينتمون إلى المدرسة النقدية، يعتقد أن مجموعة السبع تواجهها الاقتصادات السبعة
الناشئة "الصين والهند والبرازيل وروسيا وإندونيسيا والمكسيك وتركيا"
التي تمثل تحديا مستقبليا - من وجهة نظر البعض - للمراكز المهيمنة على الاقتصاد
العالمي.
ويرى هاولي أن الحقائق الاقتصادية الراهنة لا تحسم
بشكل قاطع قناعات البعض بأن مجموعة السبع الكبرى ستفسح الطريق للاقتصادات السبعة
الناشئة مستقبلا، ويضيف أن مجموعة السبع الكبرى لا تزال أكبر من حيث الحجم
الاقتصادي بنحو 80 في المئة، وعلى الرغم من أن معدل النمو الاقتصادي المتوقع من
الآن حتى منتصف القرن يبلغ في المتوسط 2.1 في المئة لمجموعة السبع الكبرى و3.8 في
المئة للاقتصادات السبعة الناشئة إلا أن ذلك لن يكون كافيا لتعويض الفجوة الراهنة
بين الجانبين.
اقرأ أيضا: وزير الخزانة الأمريكي: ماضون لفرض رسوم على سلع صينية
وأشار هاولي إلى أن "معظم النمو المرتفع في
مجموعة الاقتصادات السبعة الناشئة مرجعة في الحقيقة إلى معدلات النمو المرتفعة في
الصين والهند، وحصة الصين من الناتج المحلي العالمي مقيما بتعادل القوى الشرائية
بلغ عام 2014 نحو 16.5 في المئة، وسيصل إلى 20 في المئة بحلول عام 2030، لكنه
سينخفض في منتصف القرن إلى 19.5 في المئة، بالنسبة إلى الهند فإنه سيرتفع من 7 في
المئة عام 2014 إلى 13.5 في المئة عام 2050، إلا أن نصيب الولايات المتحدة على
الرغم من تراجعه من 33 في المئة عام 2014 إلى 25 في المئة عام 2050 سيظل متقدما
على الصين والهند".