نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للروائية
الهندية المعروفة أرونداتي روي، ترى فيه أن جرائم الاغتصاب المتكررة في الهند هي نتاج للقومية القبيحة، وشعور النظام الحاكم بأنه محصن من العقاب.
وتقول الكاتبة في بداية مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الفكرة المهيمنة في رواية شمالية/ نوردية، عن طفل يترك بيته للعب، لكنه لا يعود، ويبحث المحققون عن آثار عنف جنسي وقتل، وبطريقة أو بأخرى تبدو الجريمة غير معزولة، فهي صورة عن مجتمع محطم، ومن هنا فإن اختطاف واغتصاب الطفلة البالغ عمرها ثمانية أعوام، أصيفة بانو، يكشف عن الدمار وعلى نطاق مرعب، ويظهر أن السم الطائفي الذي نشر في مجرى الدم للبلد على يد القوميين
الهندوس وصل إلى درجته السامة العالية".
وتشير روي إلى أن "إحصائيات الحكومة تكشف عن أن أربع حالات اغتصاب تحدث في البلد كل ساعة، ولم يعد الاغتصاب خبرا، حيث أعيد تشكيل العقول الهندية من خلال العنف المستمر المحيط بهم، وتم تطبيع الجرائم ضد النساء والأطفال ومجتمعات الأقليات، بحيث لا تتم تغطية إلا القصص المثيرة".
وترى الكاتبة أن "هناك أربعة أسباب جعلت قصة إصيفة تهز المجتمع الذي أجهدته الوحشية، فالضحية كانت طفلة صغيرة وتم اختطافها لأنها مسلمة، ولم تكن الجريمة فعلا منحرفا بقدر ما هي عمل منظم قام به متشددون هندوس، وكان من بين المتهمين باغتصابها موظف حكومي متقاعد وضابطان في الشرطة".
وتلفت روي إلى أنه "عندما حاولت الشرطة تسجيل الاتهامات ضد المعتقلين قام القوميون الهندوس الرعاع بتهديد عناصر الشرطة ومحام نزيه كانوا يقومون بعملهم، وكانوا رعاعا، وكان بينهم وزراء في الحكومة ومحامون وامرأة ترفع العلم الوطني؛ دعما للرجال المعتقلين، بالإضافة إلى أنصار الحزبين الكبيرين في الهند، حزب المؤتمر وبهارتيا جاناتا، حزب رئيس الوزراء
ناريندرا مودي، الذي يشارك في لندن في قمة مجموعة الكومنولث".
وتقول الكاتبة إنه "يمكن أن القومية حميدة أو خبيثة، إلا أن الشاعر طاغور شاهد الجانب الخبيث منها قبل قرن، حيث قال: (الحكومة الغريبة في الهند هي حرباء.. فاليوم تأتي متخفية في شكل الرجل الإنجليزي.. وربما اتخذت في اليوم التالي، ودون ذرة من خبثها شكل مواطننا)، وبناء على الظروف السياسية الصحيحة فإن القومية الخبيثة تزحف في كل عظمة أو تفكير، وعندما تقود عملية تشويه طفل أو تطهير عرقي فإنها لا تبدو بعيدة، وإذا كان العالم قد فهم الفاشية من خلال آن فرانك، فإن فهمه للهند الحديثة سيظل عاجزا طالما لم يعترف بالسم السياسي الذي قتل أصيفة".
وتنوه روي إلى أن "أصيفة تنتمي إلى عائلة بدوية مسلمة تسوق ماشيتها مرتين كل عام مسافة 300 ميل؛ بحثا عن المراعي، وفي كانون الثاني/ يناير، وعندما يغطي الثلج المروج الشاهقة، ينزل هؤلاء الرعاة إلى جامو لرعي أغنامهم في المناطق القليلة التي لا تزال متوفرة، وذهبت أصيفة في مساء يوم لإحضار الخيول التي كانت ترعى ولم تعد".
وتبين الكاتبة أن "التحقيقات التي قامت بها الشرطة كشفت عن أن مجموعة الرجال الذين اختطفوها سجنوها مدة أسبوع في معبد هندي، حيث خدروها وعملوا على تجويعها وتناوبوا على اغتصابها، وكانت عملية خطط لها بعناية، وتم الاحتفاظ بالمواد المخدرة، وكان الهدف هو بث الرعب في نفوس المسلمين البدو، وطردهم من قرية راسانا الهندوسية، ولا يمثل
المسلمون المرتحلون سوى نسبة قليلة لا تتعدى 8%، ومع ذلك يخشى الهندوس من (التغير السكاني) ويحاولون إخراجهم".
وتقول روي إنها قرأت قبل أشهر رواية "التبناكي/ بائع الدخان" عن فيينا في الثلاثينيات من القرن الماضي، و"وجدت عددا من ملامح التشابه القليلة، فبطل رواية روبرت سيثلر، فرانز اليهودي يواجه جاره المعادي للسامية، الجزار الذي يحاول عبر سلسلة من الأخطاء البسيطة جعل حياته صعبة, فبعد كل عملية تخريب يقوم بائع الدخان باستبدال زجاج دكانه المهشم, ويمسح القاذورات, ويفتح دكانه من جديد, حيث كانت عملية التخريب هي إشارة عما سيحدث لاحقا، فضم أنجلوس النمساوية على يد النازيين لم يكن بعيدا سوى أشهر، ويمكن معرفة ماذا حدث لبائع السجائر ودكانه".
وتفيد الكاتبة بأنه "مع انتشار الأخبار عن مقتل أصيفة، ظهرت جريمة جديدة للعلن، وهذه المرة في ولاية أوتار براديش، التي تعد من أكبر الولايات تعدادا للسكان، ويسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا، حيث حاول والد ضحية اغتصاب التقدم بشكوى بأن ابنته تعرضت لاغتصاب على مدى أيام، واتهم نائب وابنه بالجناية، واعتقل الأب ومات بعد أيام في السجن".
وتذهب روي إلى القول إن "الخيط الذي يجمع الجريمة هو حس القوة التي لا تقهر، التي منحها نظام الأغلبية لشخصياته وأنصاره، ويشمل حس العجرفة الجديد عمليات التخريب بعد الانتصارات الانتخابية وسحل المسلمين والداليت (وهم أدنى طبقة في الديانة الهندوسية)، فالفكرة العامة هي خلق حس من الإرهاب والغموض، والدعم التكتيكي للدولة ينفخ حس الخيلاء لدى العامة، حيث يقومون بالنهب وبثقة عالية، ففي مناطق واسعة من شمال الهند يعد انتهاك المرأة من أجل التاكيد على التفوق الطبقي والديني والرجولة امتدادا لهذه النشاطات التخريبية، ولهذا لم يكن الانقسام في المجتمع الهندي أكثر حدة مما هو عليه الآن".
وتشير الكاتبة إلى أن "محاولات حزب
بهارتيا جاناتا أدت إلى تقوية الهندوسية البطريركية للضغط على النساء، وما يجب عليهن ارتداؤه وما لا يجب، وما يحل للعائلة أكله أو لا يحل، وكيف يبحث الشباب عن شريكة العمر، وعادة ما تنتقد أحزاب المعارضة، التي تحسد حزب بهاراتيا جاناتا على نجاحه الانتخابي، ثقافة الكراهية الطائفية بعدما تشتم أولا الكيفية التي تهب فيها الريح وأي اتجاه أقوى".
وتقول روي: "في الهند، التي نشأت فيها، كانت ذكريات غاندي وطاغور ونهرو قوية، وتم تعزيز ضرورة العلمنة لدينا، وكنا نعلم أن ساستنا هم عرضة للارتشاء، لكننا كنا نعيش في بلد تعد الأخلاق والإنسانية من الأمور المهمة، والآن يتعرض الصحافيون والكتّاب، الذين يتحدثون علانية ضد الحرب غير المعلنة ضد الداليت والمسلمين والناس الفقراء والنساء، لهجمات من الذباب الإلكتروني، لو كانوا محظوظين، فالقصة الأكثر انتشارا كانت قتل صحافية معارضة أمام بيتها في بينغالورو، جنوب الهند".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "أصبح مودي الديماغوجي معروفا بما يختار السكوت عنه، فالتعاطف مع الأفراد الذين يعانون ليس من صفاته المميزة، فعندما تم اغتصاب الطالبة جوتي سينغ (نيربهايا) في نيودلهي عام 2012 اقتضى الانتظار أياما لتثير الجريمة غضب سونيا غاندي وحزبها المؤتمر، وعندما انتشرت اخبار مقتل أصيفة، ابنة الثمانية أعوام كان رئيس الوزراء الحالي سريعا للخروج من عمارته، بعد ثلاثة أيام، وفهم كم سيخسر إن لم يقل شيئا والعالم كله يراقب، ومع ذلك فإن ما قاله كان متأخرا، وهو اعتراف، وربما تردد، بأن الدستور الهندي يطلب منه تحقيق العدالة والمساواة للمجتعمات في الهند كلها".