على
غير توقعات الحكومة
المصرية، واصل
الدولار الأمريكي ارتفاعه أمام
الجنيه المصري بعد
فترة ثبات اقتربت من ستة أشهر، ليعود الدولار مرة أخرى لمحيط الـ 18 جنيها، في ظل
توقعات بأن يصل سعره لـ 21 جنيها بنهاية 2018.
هذا
الارتفاع المفاجئ للدولار جاء بعد إعلان البنك المركزي المصري في آذار/ مارس
الماضي وصول الاحتياطي من النقد الأجنبي لـ 45 مليار دولار، كما تزامن ارتفاع
الدولار بعد إعلان صندوق النقد الدولي منذ أيام عن منح مصر دفعة جديدة تقدر بـ 2
مليار دولار، ضمن القرض الذي وقعته بمصر مع الصندوق بقيمة 12 مليار دولار.
محللون
لأسواق المال المصرية أكدوا أن ارتفاع الدولار لم يكن مفاجئا، خاصة أن الأرقام
التي أعلنتها الحكومة فيما يتعلق بارتفاع
الاحتياطي الأجنبي، تمثل خداعا لأن أكثر
من ثلثيها عبارة عن قروض وودائع، وثلثه على الأقل مستحق الدفع قبل نهاية 2018.
وطبقا
للمصرفي حسن عبد المنعم، فإن الرقابة التي تفرضها الحكومة المصرية على شركات ومكاتب
الصرافة مازالت قائمة، منذ تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وهي
الرقابة التي أدت لغلق ما لا يقل عن 60% من مكاتب وشركات الصرافة لمدد متفاوتة
لإجبار الجمهور على التعامل مع البنوك بشكل أكبر للسيطرة على سوق الدولار.
ويؤكد
عبد المنعم الذي يمتلك شركة صرافة لـ"
عربي21" أنهم كشركات صرافة ملتزمون
بالسعر الرسمي للبنوك، مع وضع زيادة طفيفة لا تتجاوز قرشا على أكثر تقدير عن السعر
الموجود بالبنوك، وبالتالي فالحديث بأن شركات الصرافة هي التي تتلاعب بالأسعار ليس
له أساس من الصحة، نظرا للرقابة الصارمة التي يفرضها البنك المركزي عليهم بوجود موظف
مقيم للرقابة على حركة البيع والشراء.
ويضيف
الخبير الاقتصادي وعضو شعبة الصيارفة محمد المحمودي لـ"
عربي21" أنه منذ
تحرير سعر الصرف وتداول الدولار يقوم على العرض والطلب، وبالتالي ففكرة ثبات
أسعاره لن يكون لها وجود مهما حاولت الحكومة، خاصة في ظل مواسم الاستيراد وارتباط
الدولار بحركة التجارة العالمية.
ويوضح
المحمودي أن إعلان الحكومة عن ارتفاع الاحتياطي الأجنبي وحصول مصر على دفعة جديدة
من قرض صندوق النقد، ليس معناه أن الدولار سوف يتراجع عن المعدل الذي انطلق منه
وهو 17 جنيها، خاصة أن هذا الاحتياطي وهمي وليس حقيقيا، كما أن هناك التزامات على
الحكومة المصرية فيما يتعلق بسداد أقساط الديون التي هي جزء من الاحتياطي، وبالتالي
فإن الرقم الحقيقي للاحتياطي ربما لا يتجاوز 9 مليارات دولار، وهذه كارثة في حد
ذاتها.
ويؤكد
الخبير الاقتصادي أن التقارير الدولية المتعددة التي توقعت ارتفاع الدولار لعشرين
جنيه وأكثر أمام الجنيه، لها تأثير كبير على سعر الدولار، بالإضافة لفشل الخطط
الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة في ضبط الأسعار وفشلها في فرملة استيراد السلع
غير الأساسية، وكذلك تلاعب المستثمرين الأجانب في تداولات البورصة سواء بالبيع أو
الشراء، وارتفاع أسعار النفط التي تنعكس هي الأخرى على قيمة فاتورة الاستيراد، وبالتالي
فإن كل هذا أدى في النهاية لزيادة التضخم في الأسواق المصرية.
وأوضح
المحمودي أن الدولار هو المتحكم الفعلي في نسبة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد
المصري منذ سنوات، مما أدى لتوحش الأسعار وانفلاتها.
وطبقا
للمحلل المالي محسن عرفات، فإن الأزمة المالية التي شهدتها مصر عقب ثورة كانون
الثاني/ يناير 2011، وما نتج عنها من شح في العملة الأجنبية، وخاصة بعد انقلاب
تموز/ يوليو 2013 قد أجبر الحكومة على الاقتراض لتعويض العجز الناتج في الدولار،
مما قفز بالدين الخارجي لأرقام مخيفة، وتجاوز الدين العام لـ 80% من موازنة الدولة،
ووصول عجز الميزان التجاري خلال العام المالي المنتهي لـ 16 مليار دولار.
ويوضح
عرفات لـ"
عربي21" أنه في ظل غياب رؤية اقتصادية للحكومة وهروب
الاستثمارات الأجنبية واستمرار ضعف عائد قناة السويس السنوي وتراجع السياحة بشكل
مؤثر، وكذلك تراجع تحويلات المصريين في الخارج، قد أدى لقيام الحكومة بالتوسع في
طرح سندات دولارية بضمان الحكومة المصرية، وهذه السندات تترواح بين 6 أشهر وعام
وبالتالي فهي تمثل ضغط على العملة الأجنبية، بل وعلى الاقتصاد المصري ككل.
ويتفق
كل من عرفات والمحمودي على أن إصرار الحكومة على الاقتراض قصير الأجل، ورضوخها
الكامل لشروط صندوق النقد الدولي، يجبر الحكومة على استخدام الاحتياطي النقدي
المتاح في سداد القروض، أو الدخول في دورة القروض المتواصلة، بمعنى أن الحكومة لكي
تسدد قروضها قصيرة الأجل، سوف تقترض بفائدة أكبر لسدادها، وهكذا مما سيجعل سعر
الصرف دائما تحت رحمة تحركات هذه القروض، خاصة في ظل عدم وجود فرص استثمار حقيقية
سواء أجنبية أو محلية.