هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ستيفن كوك، يقول فيه إن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط حلموا دائما بالتأثير المباشر على السياسة الخارجية الأمريكية، ووجدوا أخيرا في الرئيس دونالد ترامب تاجرا يبيع لهم التأثير.
ويتحدث كوك عن مقالة كتبها بعد تخرجه من الجامعة، وأثناء إقامته في القاهرة، في مجلة كانت تعرف باسم "ميدل إيست إنسايت"، التي اشتهرت بنشر مقابلات مع شخصيات مهمة، مشيرا إلى أن المجلة اختفت من عالم النشر، ولم يسمع بها إلا عندما أصبح ناشرها جورج نادر موضوعا في الأخبار، وكشف عن أنه رجل دولي غامض في مركز عملية سرية للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الرجل الذي أدار قبل عقدين مجلة صغيرة غير ربحية مؤثرة على السياسات، أصبح قناة اتصال بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جهة، والحلقة المقربة من الرئيس دونالد ترامب قبل انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة وبعد ذلك.
ويقول كوك إن "قصة نادر هي مثال آخر على الفساد والجشع والبحث عن التأثير، الذي أصبح عاديا في واشنطن في ظل ترامب، لكنها تقدم رؤية لمشكلة لا سابق لها وغير عادية: قرار عدد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط استخدام نفوذهم المالي لخدمة قضية مشتركة مع حفنة من (الغانيفز) أو اللصوص؛ بغرض التاثير على السياسة الخارجية الأمريكية".
ويعتقد الكاتب أن "المشكلة نبعت أولا من صهر الرئيس ترامب، جارد كوشنر وهاتفه النقال، فمن منظور السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ومصر أيضا، فإنه كان منطقيا دعم الحملة الرئاسية لترامب، ومحاولة التأثير على رؤيته للشرق الأوسط".
ويلفت كوك إلى معارضة هذه الدول للسياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه هيلاري كلينتون أكثر صقورية تجاه المنطقة من رئيسها الذي عملت معه وزيرة للخارجية، إلا أن الإمارات والسعودية وإسرائيل وجدت بأنها ستربط بالاتفاقية النووية، وتبني بالتالي سياسة أوباما الإيرانية.
ويفيد الكاتب بأن "هذه الدول اعتقدت أن كلينتون ستكون لينة مع الإسلاميين، فهناك اعتقاد في مصر بأنها كانت وراء صعود الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى سدة الرئاسة عام 2012، وتعد مصر بالنسبة لدول الخليج (عمقا استراتيجيا)، و(خسارتها) لصالح الإخوان المسلمين كانت صفعة جيوسياسية، فيما شعر الإسرائيليون للسبب ذاته بالقلق من صعود سلطة الإسلاميين قريبا منهم، وحملوا أوباما المسؤولية".
ويبين كوك أنه "بوصول ترامب إلى السلطة، فإن الحلفاء في المنطقة حصلوا على الرجل الذي يريدونه، الذي أحاط نفسه بمجموعة من الرجال الذين لا يفرقون بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، أو يعرفون بكراهيتهم للإسلام، وأعلن ترامب عن دعم الولايات المتحدة لأصدقائها في الحرب ضد الإرهاب، دون الاهتمام بحقوق الإنسان والحاجة للإصلاح السياسي، وكان هذا بالنسبة لهم الأفضل من مضايقات سياسة إدارة أوباما وتعقيداتها".
ويقول الكاتب إن "موافقة رئيس الولايات المتحدة حليفا رأيه لا تعد نهاية العملية الدبلوماسية، فمهمة الدبلوماسيين ووزراء الخارجية وممثلي الدول الأجنبية الأخرى هو التأكد من وقوف أمريكا إلى جانبهم، وعادة ما يتم هذا من خلال وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي، ولقاءات مع أعضاء الكونغرس، وكتابة مقالات رأي في الصحف المؤثرة، وقنوات اتصال مؤثرة وغير رسمية، ومن خلال اللوبيات في واشنطن، وحفلات السفارات والمناسبات الوطنية، وبالتأكيد كان الكثير من هذا يحدث أثناء العام والنصف من حكم ترامب".
ويستدرك كوك بأن "هناك طرق اتصال موازية للتأثير، وكان جورج نادر في مركزها، فكشف تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) عن جهوده مع إليوت برويدي، لبناء خطة يقوم من خلالها الأخير باستخدام نفوذه وعلاقاته الخاصة في واشنطن، خاصة في البيت الأبيض؛ لتشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه قطر، التي تتهمها السعودية والإمارات بدعم الإخوان المسلمين، وتمويل المتطرفين، والتقارب مع إيران، ووافقت الإمارات على ما يبدو، وكان الهدف الأول هو ممارسة الضغوط على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واستخدمت الدول هذه كل وسيلة وطريقة متوفرة لديها لتقوية مصالحها، لكن ماذا كان مبرر ترامب؟".
ويعتقد الكاتب أن "محاولة التأثير التي تورط فيها نادر وبرويدي تعود في الحقيقة إلى جارد كوشنر، الذي كان في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 مشغولا في توزيع رقم هاتفه النقال على من هب ودب، دون التفكير أو التفريق بين من هو مؤثر ومزيف، وبلا شك كانت الشخصيات المهمة في الدول الأخرى تعرف أرقام الدائرة المقربة من أوباما وحساباتهم الإلكترونية على (جي ميل)، لكن كانت الطريقة التي أدارت فيها الإدارة الأمور أكثر نوعية من الطريقة التي كان يتصرف فيها كوشنر، الذي كان يفتح الباب أمام (ثقافة) لا تلتفت إلى الإجراءات أو التدقيق الأمني، وكل شخص يمكن أن يكون رصيدا، والمعيار هو الولاء الذي يأتي بعد المال، وكانت هناك طرق لإنجاز أمر مهما كانت الظروف".
ويرى كوك أن "عالم ترامب لا يعمل في واشنطن بالطريقة ذاتها التي يعمل فيها حلفاؤه في الشرق الأوسط، مع وجود ملامح تشابه تجعل من القصص عن فضيحة جورج نادر ممكنة، فطريقة ترامب في إدارة الأمور، التي تتجنب العمليات والإجراءات الرسمية للحكومة، ترتبط بالنظم غير الرسمية وغير المقننة والممارسات السابقة التي تشكل الحكم والسياسة في أماكن متعددة من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، ولا يعني أن هذه المؤسسات غير موجودة في الولايات المتحدة، فقد تم عمل الكثير من الأمور من خلال شبكة أولاد هارفارد الكبار، ومع ذلك فلم توجه الشبكات غير الرسمية السياسة الخارجية، التي ظلت عملية شاملة (ومجهدة)، تشترك فيها مؤسسات عدة".
ويجد الكاتب أن "استعداد كوشنر لأن يقدم الأرقام والإشارات إلى أن فريق ترامب منفتح على إدارة الأمور بطريقة مختلفة عن الإدارات السابقة، جعل من حلفاء الولايات المتحدة ونادر وبرويدي ينجرون إليها، وكانت النتيجة عقدا بقيمة 650 مليون دولار لشركة برويدي، بعدما استطاع أن يقنع الرئيس والآخرين بـ(خيانة القيادة القطرية)، فمن منظور العواصم الشرق أوسطية فإنه في واشنطن ترامب يظل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي غير ضروريين، وما عليك إلا أن تصل إلى كوشنر أو بديل عنه، والتعامل بـ(سياسة الريال)".
ويختم كوك مقاله بالقول إن "لعبة التأثير موجودة في واشنطن منذ وقت طويل، والأموال التي تنفقها الدول الأجنبية على اللوبيات مذهلة جدا، إلا أن خطة نادر- برويدي كانت محاولة لبيع السياسة الخارجية الأمريكية، التي سيذكر مولر الجميع وأي واحد في فلك ترامب بأنها تختلف عن بيع العقار".