بدأت
مصر الاهتمام بتنظيم الأسرة عام 1965 (بعهد عبد الناصر) بإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، وفي عام 1985 أنشأت المجلس القومي للسكان برئاسة مبارك، وفي 1993 أنشأت وزارة للسكان، لكن تم إلغاؤها وإلحاق مهامها بوزارة الصحة لتصبح وزارة الصحة والسكان، حتى وزارة أحمد شفيق عقب ثورة 25 يناير؛ حين عادت وزارة الأسرة والسكان، لكنها ألغيت في وزارة عصام شرف. وفي آذار/ مارس 2015 عادت وزارة السكان في إطار خطة استراتيجية للسكان تمتد ما بين عامي 2015 إلى 2030 لتقليل معدلات النمو السكاني، لكن الوزارة ألغيت بعد فترة قليلة.
وعين وزير الصحة نائبا له لشؤون السكان، حيث تهتم الوزارة بتوزيع وسائل منع الحمل من خلال مراكز تنظيم الأسرة المنتشرة بأنحاء البلاد، وقيام المجلس القومي للسكان بمحاولة تنفيذ الخطة الخمسية الأولى لاستراتيجية السكان ما بين عامي 2015 - 2010. لكن ضعف التمويل ظل معوقا، ليجيء إشراك الحكومة وزارة التضامن الاجتماعي ببرنامج تنظيم الأسرة، تحت شعار اثنين كفاية، مستهدفة 1.1 مليون سيدة يستفدن من برنامج تكافل الذي يقدم إعانات شهرية زهيدة للنساء الفقيرات. ورصدت وزارة التضامن مائة مليون جنيه، مستهدفة تنفيذ البرنامج في عشر محافظات مصرية، تسعة منها بالصعيد والبحيرة بالوجه البحري، من خلال تنويهات إعلامية بالإذاعة والفضائيات، وقوافل طبية وندوات للسيدات وتطوير عدد من مراكز تنظيم الأسرة وتزويدها بوسائل منع الحمل.
الأبناء مصدر لزيادة الدخل
ولكن هل تنجح تلك الحملة الجديدة التي تتم بمعاونة صندوق السكان التابع للأمم المتحدة؟ فمسؤولو المجلس القومي للسكان يرون أن هناك صعوبات، أولها اعتبار كثير من السيدات والأسر إنجاب الأطفال وسيلة لتحسين المعيشة في ظل حالة الغلاء.
فمئات الآلاف من الأطفال والصبية يساهمون بالإنفاق على أسرهم، سواء بالعمل بالورش الحرفية أو بقيادة عربات التوك التوك، كما تحتاج البيئات الزراعية للإنجاب للمساهمة بالأعمال الزراعية وجمع الثمار وتعبئتها.
ويساهم الأبناء الذين يعملون في الخارج في الإنفاق على الأسرة، وتعليم الأشقاء الصغار وعلاجهم، بل وبناء مسكن خاص للأسرة مزود بالمرافق. ولعل نموذج لاعب الكره محمد صلاح ومحمد أبو تريكة؛ أحد النماذج التي ساهمت في تحسين مستوى أسرهم وأقاربهم، بل وقراهم.
ومن ناحية أخرى، ما زال كثيرون ينظرون لتقليل عدد الأبناء على أنه غير جائز دينيا، حيث يحض الدين على التكاثر وضمان الله الرزق لعباده. وأذكر حوارا لي مع أحد عمال النظافة أنجب عددا من الأبناء؛ عندما قلت له إن المفتي قد حلل تقليل عدد
الإنجاب، فرد قائلا: "دا مفتى الحكومة بيقول إللي الحكومه عايزاه"، يقصد تريده.
ورغم ذلك، فقد شهدت معدلات الزيادة السكانية بمصر تراجعا بالسنوات الأخيرة، بسبب اشتغال
النساء وعدم تفرغ الكثير منهن لتربية الأبناء، وإكمال الكثيرات للتعليم الجامعي وتأجيل الإنجاب لما بعد انتهاء الدراسة، حيث انخفض عدد المواليد من مليوني و685 ألف مولود عام 2015، بنحو 85 ألف مولود بالعام التالي، ثم انخفض العدد بنحو 47 ألف مولود عام 2017 بالمقارنة بالعام السابق.
النمو بالريف أقل من الحضر
وكانت المفاجأة أن معدل النمو السكاني العام الماضي في الريف؛ كان أقل من معدل النمو بالحضر.
وحدد القائمون على تقليل النمو السكاني مصادر النمو في الزواج المبكر والأمية والتسرب من التعليم، وأكدوا أن إكمال الفتيات، ولو مرحلة التعليم الثانوي، يقلل من الفترة المتاحة لهن للإنجاب.
لكن اقتصاديين كثيرين يرون أن الإنجاب يمثل ثروة بشرية إذا أحسن التدريب والإعداد، بدليل إرسال المصريين العاملين في الخارج لمصر أكثر من 22 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يعادل أربعة أضعاف دخل قناة السويس، وضعف دخل السياحة، وما يوازي دخل الصادرات السلعية، وأشاروا للمزايا النقدية والعينية التي تقدمها البلدان الأوربية لتشجيع النساء بها على الإنجاب، وهو ما تفعله اليابان وروسيا، ودول أخرى، كما أن إنفاق الأموال على تنويهات إعلامية تلفزيونية كان يجب توجيهه لتحسين الخصائص السكانية، في ضوء ارتفاع معدلات الفقر وسوء التغذية والتقزم والبطالة.
فالتدريب وتطوير التعليم وربط مناهجه باحتياجات سوق العمل أجدى بالإنفاق، فدول الخليج العربي بثروتها النفطية لم تكن تستطيع تحقيق أية تنمية بدون العمالة الوافدة لها، مما ساهم في استفادة دول عديدة من ثروتها البشرية؛ ببلوغ حصيلة تحويلات العمالة الخارجية في الهند 69 مليار دولار العام الماضي، وفي الصين 64 مليارا، والفلبين 33 مليارا، والمكسيك 31 مليار دولار.
أما الاتجاه لتقليل السكان فيعبر عن الفشل في الاستفادة من ذلك المورد البشري، خاصة وأن الشركات الصناعية المصرية تشكو من نقص العمالة، وهي نفس الشكوى بالقطاع الزراعي والقطاع الحرفي.