هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد هدوء استمر قرابة الأربع سنوات، أعقبت انتهاء العدوان الإسرائيلي الواسع على الفلسطينيين في قطاع غزة في مثل هذه الأيام من 2014؛ عاد التوتر من جديد إلى القطاع، بعد سلسلة عمليات القصف التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي، واضطرار المقاومة للرد عليه.
الجديد أن المقاومة ردت هذه المرة بقذائف صاروخية
استهدفت التجمعات الاستيطانية المجاورة لقطاع غزة، ورغم نشر الجيش الإسرائيلي
لمنظومات القبة الحديدية على طول مستوطنات الغلاف، لكن قذائف المقاومة تغلبت
عليها، وتجاوزتها، مما أثار تساؤلات إسرائيلية حول ذلك، وهل أن القبة الحديدية
التي راج صيتها على مستوى العالم باتت عاجزة أمام قذائف قديمة تقليدية؟
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها التي تتجاوز
القذائف الفلسطينية، لكن إخفاقها الأخير يؤكد فرضيات بعض العسكريين بأن هذه
المضادات الدفاعية للقبة الحديدية، لن تتمكن من حماية العمق الإسرائيلي بصورة
محكمة، في حال اندلاع مواجهة شاملة تتعرض خلالها إسرائيل لقصف صاروخي من عدة جبهات.
ولذلك فإن النجاح النسبي الذي حققته القبة في الحرب
الأخيرة ضد غزة، لا يُمكن أنْ ينسحب على المواجهة القادمة، لأنها مخصصة للدفاع عن
مواقع مختارة كالمطارات والمدن، وتبقي في النهاية "قبة لا تغطي كل
الرأس"، ولا تسمى "خوذة حديدية"، بل إن الفلسطينيين في رسومهم
الكاريكاتيرية باتوا يطلقون عليها "القبة الحريرية" دلالة على ضعفها!
اقرأ أيضا: تقديرات إسرائيلية ترجح مواجهة قريبة مع حماس لهذه الأسباب
قذائف غزة الأخيرة دفعت بعدد من الخبراء العسكريين
للتوقف عن كيل المديح لإيجابيات القبة باعتباره من السابق لأوانه، لأنها لم تُعزز
قوة الردع أبدا، بالعكس، فإنها تحد من نجاح الجيش في اتخاذ خطوات عقابية ضد
الفلسطينيين، بادعاء أنها توفر قوة الردع تجاههم، ما يفسح المجال للتشكيك في
قدراتها الحقيقية، لأنها لم تتمكن من الناحية التكنولوجية الدفاع عن المستوطنات
قرب حدود غزة، وبالتالي فإنها في الحد الأقصى يمكنها إحباط الفلسطينيين، لا أنْ
تردعهم.
علاوة على ذلك، في كثير من الأحيان يعتبر
الفلسطينيون أنّ نشر المنظومة في مناطق مختلفة من إسرائيل يعتبر رسالة لهم بأنها
تخاف منهم، مما يرفع من معنوياتهم لمهاجمة العمق الإسرائيلي، وهنا تكمن المشكلة
الرئيسية بنظر الجيش، لأن القبة لا يُمكنها بأي حالٍ من الأحوال الدفاع عن جميع
المدن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ستبقى المستوطنات الجنوبية رهينة بأيدي
التنظيمات الفلسطينية في غزة.
ورغم النجاحات التي يسجلها الإسرائيليون للمنظومة،
لكنها بموازاة ذلك، كما يرى الفلسطينيون، أبقتهم في الملاجئ، وعطلت الحياة اليومية
الروتينية لأكثر من مليون منهم، مما سيوصل القوى الفلسطينية المسلحة الممتلكة
للصواريخ، إلى قناعة مفادها بأن إسرائيل ضعيفة من حيث قدُراتها الدفاعية، رغم أن
عدم التكافؤ في القوى بينها وبين الفلسطينيين يمنحها فرصة ممتازة للدفاع عن نفسها.
وفيما تبلغ كلفة صاروخ اعتراض القبة الحديدية 100
ألف دولار، بينما تصل كلفة الصاروخ أو القذيفة الفلسطينية عشرات أو مئات
الدولارات، ولهذا تُعتبر التكلفة الفعليّة للقبّة أرخص من كلفة صواريخها، ولذلك لا
تحاول اعتراض الصواريخ التي لا تشكل خطرا على المناطق المأهولة.
اقرأ أيضا: محللون يقرأون احتمالات اندلاع عدوان إسرائيلي جديد على غزة
أكثر من ذلك، فإن بعض النتائج الميدانية للقبة جاءت
مخيبة للتوقعات التي وضعها المخططون لها، وانخفض مستوى مصداقيتها، ورغم أنّ ذلك
متوقع في جميع منظومات السلاح، لأنّ الأخطاء واردة، لكنّ الدرس المهم الذي يجب
تعلمه -وفق ما يؤكده عدد من جنرالات الاحتياط- هو التوقف عن خداع الجمهور ببيانات
مصنفة، لأنّ ما ينشر من قبل وزارة الدفاع والجيش هو "أوهام"، وكأن
الحديث يتعلق بـ"منظومة سحرية"!.
يأتي ذلك في ضوء جملة من العوامل والمعطيات، من
أهمها؛ أن المنظومة لا تشكل حلا نهائيا لتهديد الصواريخ، والمنظومة العاملة في
غلاف غزة تجد صعوبة في التغلب على القذائف الصاروخية، والطقس الجوي السيئ يشوش
أعمالها، وفي المقابل، تتعقب حماس كل نقاط الضعف هذه، وتتعلم كيفية استغلالها!.
في الكثير من التقارير العملياتية، وحوادث الأيام
الأخيرة في الجنوب، رسّخت بعض العيوب المحيطة بالقبة الحديدية كونها غير قادرة على
حماية مستوطنات غلاف غزة، رغم أنها متطورة من الناحية الشكلية، كما أن منطقة
الحماية للقبة صغيرة.
ومن أجل حماية ناجعة من عمليات الإطلاق من غزة، يجب
الدفاع عن كل مدينة صغيرة أو كبيرة، على حدة، ما يعني أن البطارية المنصوبة في
عسقلان غير قادرة على اعتراض صواريخ تُطلق على أسدود.
أكثر من ذلك، فإن كلفة الإطلاق التابعة للقبة عالية
جدا، والاستثمار في معظمها مستهلك، والذخيرة وصواريخ الاعتراض، ليست متوفرة، ووقت
إنتاجها طويل، وفي مواجهة أكبر من التي حصلت في الأسابيع الأخيرة ضد غزة، فسيبقى
الداخل الإسرائيلي معرّضا للخطر دون أي حماية، ولن تكون القبة كافية أبدا لاعتراض
مستودع صواريخ المنظمات الفلسطينية.
كما أن عمليات الاعتراض الناجحة للقبة في عسقلان
وبئر السبع هي "نقطة في بحر"، وربما تساعد على ترويج بيعها خارج
إسرائيل، لكنها لن تغير الوضع، فكل مستوطنات النقب الغربي متروكة لمصيرها، بمعنى:
هل سيكون هناك المزيد من بطاريات القبة، تطلق على أهداف أخرى، أو ستدخل المنظومة
في صليات كثيرة من الصواريخ، كما حصل؟ لاسيما وأنه في المواجهة القصيرة الأخيرة، اضطر
مليون إسرائيلي للمكوث في الملاجئ، والحياة الطبيعية تعطلت، والأعمال تضررت،
والمصابون بصدمات ليسوا قلائل، ومساهمة عمليات الاعتراض الناجحة للقبة في الأمن
القومي، وتهدئة نفوس سكان الجنوب كانت هامشية.
أخيرا.. لا أجد خاتمة لهذا التحليل أفضل من طرح هذا
التساؤل أمام مصنعي القبة الحديدية: ماذا سيحصل في مواجهة شاملة، يسقط فيها على
مساحة إسرائيل ألف صاروخ يوميا من كل الاتجاهات والمديات؟ وقواعد سلاح الجو ستهاجم
ولن تتمكن من العمل، ومحطات الطاقة والبنى التحتية الاستراتيجية ستضرب، وماذا سيحل
بمستودعات المواد الخطرة، وهل سيتم إخلاء المدن المزدحمة؟ والأهم من كل ما تقدم:
ماذا سيقدم الجيش القوي في الشرق الأوسط من حل سحري؟