حرمان
الإخوان سلطويا من
الإعلام استراتيجية قديمة متجددة منذ زمن
الملك فاروق، ثم الطاغية الأول عبد الناصر، فصاعدا. هذا القرار يجد جذوره الأولى، ويرتبط ارتباطا وثيقا، بمحتلي بلادنا الغربيين المتصهينين. إن النواة الصلبة للتصدي
للمحتلين هي المقاومة ذات المرجعية الدينية، التي تلك تملك إلى جانب روح الجهاد أدوات التعبئة والحشد.
علماء
ومراكز دراسات الأعداء انتبهوا مبكرا جدا، عقب مشاركة الإخوان كمتطوعين في مقاومة
العصابات الصهيونية منذ 1948، إلى أن إجهاض حركة الإخوان سلطويا لا بد أن يصحبه
منعهم من امتلاك أو إدارة وسائل الإعلام التي تحشد وتعبئ وتحمس.
الإخوان -من جانبهم- انتبهوا إلى تلك الاستراتيجية الخبيثة التي يصعب تجاوزها ماديا، فكان أن
عولوا على ما تعرف بوسائل الاتصال الفردي. خبراء السياسة والإعلام ممن فقهوا دينهم
وسيرة وتاريخ انتشاره في أصقاع الأرض؛ لاحظوا أن ما نشر الإسلام ليست وسائل
الإعلام المتاحة تاريخيا كمعلقات الشعر وخطب المنابر.. ما نشر الإسلام وحبب فيه
البشر هو الاتصال الفردي والسلوكيات التي تنفع الناس عمليا.. التجار الأمناء
والمعلمون المخلصون والأطباء المهرة والأغنياء الكرماء والفاتحون الرحماء.. كلهم
كانوا وسط غير المسلمين وسائل إعلام لا تضارعها ولا تنافسها وسائل الإعلام
المكلماتية قديما ولا المكتوبة، ثم المسموعة فالمرئية فيما بعد.
لعل
ملاحظة أي مراقب مدى تقبل شباب
المصريين فكر وحركة الإخوان، دون أن يكون تحت أيديهم
وسائل إعلام تقليدية، يدرك قيمة الاتصال الفردي.
إعلام
ما بعد 25 يناير
ولكي
لا أطيل على القارئ، وأقفز مختصرا غير مبتسر إلى مرحلة ثورة يناير وما بعدها:
خبراء
السياسة والإعلام في قيادة وصفوف الإخوان أظنهم - بل ولعلي متأكد أنهم - خاضوا
غمار
الثورة وسنة الرئيس مرسي؛ ولسان حالهم سياسيا وإعلاميا يقول: نعلم أننا نخوض
معارك مع الدولة العميقة ومن وراءها بالخارج، دون توازن في الأسلحة التي يمتلكها
أعداء الثورة داخليا وإقليميا ودوليا. كل من حملوا راية الإسلام في فتوحاته لم
يكترثوا للعدد والعتاد الهائل عند الأعداء. السبب بسيط للغاية، وهو علمهم باستحالة
تحقيق توازن القوى في المدى القصير أو المتوسط مع ما يملكه الأعداء والخصوم.
العبد
لله شاهد على مدى نحو ثلاثين سنة على الجهود المبدعة التي بذلها إعلاميو الإخوان
القلائل وقادتهم؛ لكي يكسروا حصار السلطة للحركة إعلاميا. خبراء الإعلام الإخوان
حققوا نجاحات في هذا الصدد لم يتخيلها أهم أكاديميي الإعلام. خبراء إعلام وخبراء
سياسة في الإخوان إبان سنوات التدافع مع الطاغية مبارك؛ توجوا نجاحاتهم بتدريب
وإنضاج آلاف المواطنين الصحفيين في مجالات الخبر التلفزيوني اللحظي. أما امتلاك
وسائل الإعلام التقليدية البالغ تكلفتها الملايين، فكان أمرا خارج قدرات الإخوان
المالية. الإخوان انطلاقا من حقيقة أن توازن القوى الكمي مع الخصوم والأعداء لن
يثنيهم ولن يقعدهم عن خوض معاركهم، اعتمدوا على القليل المتاح؛ مدركين أن لا سبيل
أمامهم إلا ذلك.
إعلام
الحقيقة والتطبيل
كان
إعلاميو وساسة الإخوان يدركون جيدا عدم التكافؤ في المعركة سياسيا وإعلاميا. بعضهم
كان متيقنا بأن مجهضي ثورة يناير وثمراتها قبل نضجها سيستدعون ليس فقط إعلام رجال
أعمال النهب المصريين، بل وقنوات تمولها دولتا عيال سعود وزايد من أموال النفط
المنهوبة من شعوبهما. خبراء إعلام الإخوان كانوا يدركون أيضا أن الإعلام الغربي
المشهور بمهنيته قد يتخلى عن تلك المهنية بأوامر لا قبل له بمخالفتها، لكي لا
تنتصر الديمقراطية في مصر.
المعركة
غير المتكافئة أشرف ألف مرة من النكوص والتخلي عن الشعب الثائر. قدر خبراء إعلام
الإخوان أن الإعلام الذي بني على باطل سيفقد مصداقيته في الأمد المتوسط فالبعيد.
خبراء إعلام من الإخوان ساهموا في ذات المدة الزمنية (عقب الثورة وطيلة شهور
المجلس العسكري) في وضع مشروع قانون لإعلام ما بعد الثورة، وتم تسليم مشروع
القانون للبرلمان وللرئيس مرسي كي تتم محاولة محايدة وعلمية لفرملة وتطهير إعلام
مصر الحكومي والخاص المهيمن عليه حكوميا ومن إعلام عيال آل سعود وزايد المتصهين
المعادي للثورة والديمقراطية.
أدوات
الانقلاب القضائية والعسكرية المدعومة غربيا أجهزت على النظام الوليد، ومن ثم مات
مشروع قانون المجلس الوطني لإعلام ما بعد الثورة تحت جنازير الدبابات وفِي مجازر
الانقلاب.
ختاما،
ها نحن وكل خبراء إعلام الدنيا ندرك أن سلاح رهان الانقلاب على الأذرع والأبواق
الإعلامية يرتد تباعا على أصحابه بفقدان مصداقيته تماما. المستقبل إن شاء الله
للإعلام المهني. الخبراء الأجانب في صنعة ودراسات الإعلام يؤكدون أن وسائل الإعلام
التقليدية التي منع منها الإخوان باتت في حكم المنتهية الصلاحية.