هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أن تسير في أي مدينة أوروبية أو أمريكية، وتجد رجلا يسير عاريا فى جزئه الأعلى تماما، أو سيدة تسير بشورت قصير جدا وحمالة صدر فقط، فذلك أمر صار طبيعيا هناك. سبب ذلك هو الحرية الشخصية واسعة النطاق أولا، ثم الأجواء الحارة جدا هذه الأيام في العديد من دول أوروبا.
ظهر السبت الماضى كنت أسير في شوارع لندن. درجة الحرارة زادت على 35 درجة، مصحوبة أيضا بارتفاع في نسبة الرطوبة. وسمعنا عن انصهار طرق هناك نتيجة لموجة الحر غير المسبوقة، والتي زادت على درجات الحرارة في بعض بلدان الخليج العربي.
بصفة عامة، ونتيجة للتغيرات المناخية، فإن هناك توقعات علمية بأن درجات الحرارة سوف تستمر في الارتفاع فى بريطانيا، وقد تصبح مثلها مثل بعض دول الشرق الأوسط أو إفريقيا في ما يخص درجات الحرارة والرطوبة المرتفعة.
بعض الأوروبيين يقولون إنه بمجرد أن تختفى الثلوج في موسم الشتاء، وتتجاوز الحرارة الدرجات الخمس، فإن السيدات يبدأن فى ارتداء الشورت القصير. رأيت ذلك في شوارع أورلاندو ونيويورك ونيوجيرسي قبل سنوات، خصوصا في المناطق التي يقطنها ناطقون بالإسبانية من أصول لاتينية.
طوال ثلاثة أيام قضيتها في لندن من عصر الخميس إلى الأحد الماضى، تجولت خلالها في العديد من الشوارع والمناطق المختلفة بالعاصمة البريطانية، فإن حجم التعري في ملابس السيدات وصل إلى مراحل يصعب وصفها!!
لا أكتب هذه الكلمات، لكي أعظ عن الفضيلة أو أنصب نفسي مرشدا أخلاقيا، لكن لألفت النظر إلى زاوية في منتهى الأهمية من وجهة نظري.
في هذه المدينة، وغيرها من المدن الأوروبية تسير معظم الفتيات والسيدات، وهن شبه عرايا تماما، لكن لا أحد يتحرش بهن أو يتفنن في مضايقتهن. في حين أن المدن والدول التي يتغنى بعض أهلها ليل نهار بالفضيلة والأخلاق والقيم الدينية، فإن رجالها من أكثر الناس تحرشا بالسيدات.
لو أن منطق الملابس هو العامل الحاسم في عملية التحرش، لكان طبيعيا أن تكون هناك الآلاف من عمليات الاغتصاب في المدن الأوروبية كل لحظة.
السيدات يسرن بشورتات قصيرة جدا وملابس تكشف أكثر مما تخفي، وعلى الرغم من ذلك لا يتعرضن لأي مضايقة. والأهم لا أحد ينظر إليهن أو يهتم بما يلبسنه، إلا غالبية مواطني الشرق الأوسط والمنطقة العربية للأسف.
في هذه الشوارع كل شخص في حاله، الحرية الشخصية مقدسة في المأكل والملبس والمعتقد وطريقة وأسلوب الحياة، شرط ألا تتعدى على حرية الآخرين أو تخالف القانون.
هل معنى ذلك أن الأوروبيين ملائكة ونحن شياطين.. ليس ذلك بالمرة ولديهم تحرش أيضا في معظم فئات المجتمع ودليل ذلك حملة "me too"، التى كشفت عن التحرش فى الوسط السينمائي في هوليوود وغيرها، لكن الفارق فقط في وجود دولة قانون لديهم تعاقب أي متحرش، وثقافة عامة تقدس الحرية الشخصية.
مرة أخرى لا أقصد أن يتم فهم كلامي باعتباره دعوة إلى أن تسير سيداتنا في الشوارع كما تفعل الأوروبيات. بالعكس أنا باعتباري صعيديا أفضل الاحتشام في ملابس السيدات. لكن ما أقصده بوضوح هو كشف النفاق الذى يسود حياتنا ويصدقه بعضنا، رابطا بين ارتفاع ظاهرة التحرش وملابس السيدات، في حين أن الوحوش الضارية التي تسير في شوارعنا لا تفرق في تحرشها وبذاءتها بين عارية أو محجبة أو منتقبة!!
معظمنا يعاني من حالة نفاق وازدواجية مريعة، ولدينا منظومة قيم تكرس ذلك للأسف، على الرغم من أن ديننا الإسلامي يفترض أنه يحارب كل ذلك.
علينا أن نقول للمتزمتين والمتعصبين إن معظمنا يتحدث عن قشور الدين والثقافة والأخلاق، لكن نمارس عكس ما نتحدث عنه دائما!!!
(عن صحيفة بوابة الشروق المصرية)