هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا تحت عنوان "44 قبرا صغيرا تثير أسئلة حول السياسة الأمريكية في اليمن"، تتحدث فيه عن الغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية، التي قتلت عشرات الأشخاص، بينهم أطفال، في مدينة صعدة شمال اليمن.
وتقول الصحيفة إن "الأطفال حشروا أنفسهم في الحافلة، حيث جلس ثلاثة في كل مقعد، في الوقت الذي جلس فيه الذين جاؤوا متأخرين في الممر بين صفي الكراسي، وكان الأمل والفرح يملؤهم ويتطلعون للرحلة الميدانية، وبدأوا في الحديث بصوت عال، لدرجة أن طفلا طويلا كان يحاول أن يثير انتباههم حين وضع يديه على أذنيه وصرخ، وبعد ساعات كانوا جميعا موتى".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما توقفت الحافلة في القرية الفقيرة ضحيان لشراء مقبلات، فإن التحالف الذي تقوده السعودية شن غارة جوية، التي ضربت الحافلة بصاروخ، وحولتها إلى حديد ملتو، ونثر ركابها ما بين جريح ونازف وقتيل تحت الشارع، بحسب شهود العيان والآباء.
وتنقل الصحيفة عن طفل مغطى بالدم، قوله: "رجلي ملتوية"، وكان يفحص طرفه الذي تضرر، وقال في فيديو التقط في مكان الحادث: "لقد ضربتنا طائرة"، فيما قال المسؤولون الصحيون اليمنيون إن 54 شخصا قتلوا، بينهم 44 طفلا، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى.
ويلفت التقرير إلى أن الحرب الأهلية اليمنية بدأت عام 2014، عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء، وتبعت ذلك حملة جوية شنها تحالف بقيادة السعودية، يهدف من خلالها إلى إعادة الحكومة الشرعية لعبد ربه منصور هادي، لافتا إلى أن التحالف فشل حتى هذا الوقت في تحقيق أهدافه.
وتقول الصحيفة إن هجوم التاسع من آب/ أغسطس كان صادما حتى في الحرب التي كان الأطفال هم ضحاياها، وعانوا في ظل أكبر كارثة إنسانية، التي انتشر فيها سوء التغذية وموجات من مرض الكوليرا، مشيرة إلى أن الحرب قتلت أكثر من 10 آلاف شخص، قبل أن تتوقف الأمم المتحدة عن إحصاء عدد الوفيات منذ عامين.
ويستدرك التقرير بأن الغارة الجوية أعادت الأسئلة حول أساليب التحالف والدعم الأمريكي للحملة، حيث أكد القادة العسكريون الأمريكيون، الذين عبروا عن غضبهم من الغارات التي قتلت المدنيين في الأسواق والأعراس والجنائز، أن لا دور للولايات المتحدة فيها.
وتورد الصحيفة نقلا عن منظمات حقوق الإنسان، قولها إن الولايات المتحدة لا يمكنها إنكار دورها في الحرب، خاصة أنها باعت أسلحة بمليارات الدولارات إلى دول التحالف، وقدمت لها الدعم الأمني، وزودت طائراتها بالوقود أثناء تحليقها في الجو.
وينوه التقرير إلى أن الكونغرس أظهر قلقا في الآونة الأخيرة بشأن الحرب، مشيرا إلى أن الرئيس دونالد ترامب وقع يوم الاثنين على مشروع قانون دفاع، احتوى على بند دعمه الحزبان، يطلب من وزير الخارجية مايك بومبيو التأكد من أن السعودية وحليفتها الإمارات العربية تتخذان الخطوات اللازمة لتجنب القتلى المدنيين.
وتقول الصحيفة إن بومبيو إذا لم يقدم الشهادة فإن القانون يحظر على الطائرات الأمريكية تقديم الوقود لمقاتلات التحالف، لافتة إلى أن بومبيو طرح الهجوم الذي تعرضت له حافلة الأطفال في مكالمة مع ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، فيما أرسل وزير الدفاع جيمس ماتيس جنرالا من ثلاث نجوم إلى الرياض؛ للضغط على القيادة السعودية لإجراء التحقيق في قصف الحافلة.
ويفيد التقرير بأن المشرعين في الكونغرس ذهبوا أبعد من هذا في أعقاب هذا الهجوم، فطالبوا الجيش بتقديم توضيح للدور الذي يؤديه في الغارات الجوية على اليمن، والتحقيق فيما إن كان دعم الغارات الجوية سيعرض الجنود الأمريكيين للمساءلة القانونية، بما في ذلك اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
وبحسب الصحيفة، فإن شركة التعهدات الدفاعية "ريثيون" حاولت في الوقت ذاته التأثير على المشرعين ووزارة الخارجية؛ من أجل السماح لها ببيع 60 ألف قنبلة دقيقة للسعودية والإمارات، في صفقة بمليارات الدولارات.
وينقل التقرير عن التحالف بقيادة السعودية، قوله إنه يعمل على تجنب استهداف المدنيين، متهما الحوثيين باستخدامهم دروعا بشرية، مشيرا إلى أن المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي قال في يوم الهجوم إن التحالف قام بعملية مشروعة، بعدما قام الحوثيون بقتل جندي، وجرح 11 بصاروخ أطلق على المنطقة الجنوبية من السعودية.
وتورد الصحيفة نقلا عن التحالف قوله في اليوم التالي، إن حادث الحافلة احيل إلى التحقيق الداخلي، بعد تقارير قالت إن الحافلة تعرضت لأضرار جانبية غير مقصودة، مشيرة إلى أن منظمات حقوق الإنسان قالت إنها تشك في تحقيق تدين فيه السعودية نفسها.
وينقل التقرير عن المسؤول السابق في الخارجية لاري لويس، الذي زار السعودية خمس مرات في الفترة ما بين 2015-2016؛ لمساعدتها في تحسين أدائها وطريقة الاستهداف والتحقيق، قوله: "لم يتعلم السعوديون.. هم يواصلون ارتكاب الأخطاء التي ارتكبوها طوال الوقت ذاتها، ونحن لا نضغط عليهم، ونتركهم يفلتون".
وتقول الصحيقة إن زيارة لموقع الحادث، ومراجعة لصور الفيديو، ومقابلات مع الشهود، تكشف عن صورة مختلفة للثمن البشري، حيث أن معظم ركاب الحافلة كانوا من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم 5- 16 عاما، ومن بلدة ضحيان الفقيرة في محافظة صعدة قرب الحدود اليمنية مع السعودية، لافتة إلى أن المنطقة هي معقل الحوثيين، وكانت محلا للغارات المكثفة من التحالف، وفي المقابل استخدمها الحوثيون نقطة انطلاق للصواريخ التي أرسلوها إلى داخل السعودية.
ويبين التقرير أن "الرحلة كانت جزءا من برنامج ديني صيفي، وبالتالي فإن هذه النزهة الخارجية هي بمثابة مكافأة، وعندما جلسوا في مقاعدهم صورهم طفل اسمه أسامة الحمران من عدسة هاتفه وهم فرحون، وكان معظمهم يرتدي سترات رياضية، وبعد ذلك صورتهم عدسة الهاتف وهم يزورون مقبرة اسمها (بستان الشهداء) في قرية قريبة، وظهرت لوحة عليها شعار الحوثيين (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود والنصر للإسلام)، وضحك بعض الأطفال عندما صورهم أسامة، أو حاولوا وضع أيديهم على الكاميرا، ثم ركضوا بين القبور التي نبتت فيها النباتات، ووضعت شواهد بيضاء أو بلاستيكية تحمل صورا للموتى، وسمع صوت أسامة وهو يمشي قائلا (أنا أصور)، وكان هناك طفلان إلى جانب نافورة، وطلب منهما مرافقته لأخذ صورة لهما، وعند هذه اللحظة ينتهي الفيديو".
وتفيد الصحيفة بأنه كان من المفترض أن تواصل الحافلة السير حتى صعدة، وتقوم بزيارة المسجد التاريخي فيها، لكنها لم تصل إليها أبدا، فتوقفت الحافلة لشراء الشراب والمقبلات عندما ضربها الصاروخ.
وينقل التقرير عن علي عبدالله الحملة، وهو مالك مخبز محلي، قوله إنه سمع صوت انفجار ضخم قبل أن يشاهد جثث سبعة من الأطفال، وأضاف: "في بعض الحالات لم يعثر إلا على الجزء العلوي من الأطفال"، لافتا إلى أنه عثر على جثة مشوهة لطفل على سطح أحد المنازل.
وتذكر الصحيفة أن مقاطع الفيديو التي تم التقاطها في أعقاب الحادث تظهر الحافلة المهدمة مع جثث لاثنين من الصبية على الأرض، أما البقية فهم موتى وبقاياهم منتشرة في الشارع، ويقول الحملة: "هذه أول مرة في حياتي أشاهد مجزرة مروعة كهذه".
وبحسب التقرير، فإنه كان من بين القتلى أسامة الذي صور الرحلة على هاتفه، حيث عثر على الهاتف بعد الغارة، مشيرا إلى أن قناة المسيرة قامت بعرض الصور.
وتشير الصحيفة إلى أنه بعد أيام من الغارة قدم السكان قطعة معدنية تكشف عن أن القنبلة مصنوعة في أمريكا، من "جنرال داينمكس"، ولم تتأكد الصحيفة إن كانت القطعة من القنبلة، وزنتها 500 رطل، التي استخدمت في الغارة، مستدركة بأن بقايا القنابل المصنعة أمريكيا عادة ما يعثر عليها في أماكن الغارات في اليمن.
ويورد التقرير نقلا عن الإدارة الأمريكية، قولها إنها لا تسيطر على القنابل التي تشتريها السعودية والإمارات بطريقة تجارية من أمريكا أو شركات غربية، وبأن البنتاغون عرضت أكثر من مرة المساعدة في تحديد قائمة بالأهداف الواجب تجنبها، مشيرة إلى أن الأمريكيين لا علاقة لهم باختيار الأهداف.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن عبد الرحمن الإجري هون على ابنه الجريح حسن في مستشفى قريب، وعبر عن غضبه من التحالف، وقال إن العملية مدبرة، مشيرا إلى أن الأطفال لم يكونوا يحملون سوى دفاترهم وأقلامهم وكتبهم، وحمل أمريكا المسؤولية قائلا: "أمريكا رأس الشر، وكذلك النظام السعودي ومرتزقة النظام السعودي".