نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا تحدثت فيه عن كيفية تجنب الضغط في المدن، التي أصبحت الحياة فيها تشكل ضغطا على سكانها لعدة أسباب، منها النقص الملحوظ في عدد الشقق السكنية، واكتظاظ الشوارع بالحافلات والسيارات.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن البحث عن المسكن بات من أكثر المشاكل التي تواجه سكان المدن. فخلال السنوات الماضية، ارتفعت قيمة الإيجار في ألمانيا بنسبة 4.5 بالمائة في أغلب المدن الكبرى. وينفق قرابة أربع من بين كل عشر أسر في ألمانيا 30 بالمائة من الميزانية على الإيجار. ونتيجة لذلك، أصبح الألمان يتنقلون بصورة أقل، وفي حال أنجبوا طفلا، يصبح من الصعب عليهم العثور على منزل أكبر.
وأكد العلماء أن الانتقال إلى منزل أكبر بتكلفة أكثر ليس حلا لهذه المشكلة، وليس سوى عبء آخر على ميزانية العائلة. في المقابل، يمكن إعادة تخطيط المنزل الحالي، وتخصيص ركن لكل فرد في العائلة. وحسب عالمة الأحياء التطوري في جامعة فيينا، إليزابيث أوبرتساوخر، فإنه "من المهم لكل إنسان أن يكون له مساحة خاصة به يستطيع فيها اتخاذ القرارات ويطبق فيها قواعده الخاصة. وفي حال غابت تلك المساحة، سيشعر المرء بالضغط". بالطبع، ليس من الضروري أن يكون ذلك الركن الخاص فخما، فغرفة صغيرة ستفي بالغرض.
وأوردت الصحيفة أن عدم وجود حديقة في المنزل أو شرفة واسعة، لا يسبب التوتر، في حين أن وجود مساحة كبيرة مثل شرفة السطح الواسعة، التي يمكن مشاركتها مع الجار، يضفي جوا إيجابيا على المنزل. ويستطيع الساكن أن يقابل معارفه في هذا الفضاء المشترك، ما يساهم في تغيير الحالة النفسية للأفراد، ويحول دون شعورهم بالوحدة. ومن المناسب وضع قواعد ثابتة بين الأطراف المشتركة التي لابد من الالتزام بها لتجنب حدوث مشكلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الطرق المغلقة بفعل
الازدحام أصبحت لا تطاق، حيث يقضي سكان المدن ومرتادو وسائل النقل ساعات طويلة في
الطرقات المزدحمة. فعلى سبيل المثال، يقضي كل سائق سيارة في مدينة ميونخ المزدحمة 51 ساعة في الطريق، وقد تضاعف هذا الرقم أربع مرات مقارنة بالسنة الماضية. كما يزداد عدد ركاب وسائل النقل كل سنة في المدن الكبرى، فمثلا يبلغ عدد الركاب الذين يمرون سنويا في برلين مليار شخص، ويزداد العدد بمعدل 30 مليون شخص سنويا.
ونوهت الصحيفة إلى أنه بسبب المواصلات العامة والشوارع المزدحمة، باتت سياقة السيارة في المدن الكبرى مرهقة ومسببة للتوتر والضغط النفسي. ويزداد توتر الفرد كلما اخترق الأشخاص المحيطون به مسافته الشخصية. وقد أثبتت الدراسات أن الجلوس لفترة طويلة في وسائل النقل مضّر بالصحة. وحسب مسح أجرته شركة التأمين الصحي العام في ألمانيا، تبين أن الخطر يزداد على صحة الإنسان كلما كان مكان العمل بعيدا عن المنزل.
وذكرت الصحيفة أنه من أجل تجنب التوتر الناجم عن المواصلات والازدحام، يقترح الخبراء على الأفراد الذهاب لعملهم بالدراجة الهوائية أو مشيا على الأقدام. وأفادت دراسة دانماركية بأن هذه الطريقة لا تساهم في الحفاظ على صحة الإنسان فحسب، بل تجعله يشعر أكثر بالراحة.
أما في حال كان الشخص ممن يستقلون القطار، الذي عادة ما يكون مزدحما، فما عليه سوى ارتداء سماعات الأذن وسماع بعض الموسيقى من أجل الاسترخاء. وبالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون سيارة، فمن المفترض أنهم يشعرون بتوتر أقل مقارنة بغيرهم لأنهم يتحكمون في وقتهم بصورة أكبر، فهؤلاء الأشخاص أقل عرضة للاختلاط بغيرهم، واختراق المسافة الشخصية.
وأوضحت الصحيفة أن المنازل المتراصة بجانب بعضها البعض تشكل واجهة المدينة، والأمر سيان بالنسبة للطرقات الممهدة والمرصوفة، ولكن نادرا ما توجد مساحات خضراء. ويطغى على الصورة العامة للمدينة اللون الرمادي الموحش. وقد أدى انخفاض الغطاء النباتي في المدن، الذي يعمل على تنقية الهواء، إلى ارتفاع نسبة التلوث وانتشار بعض الأمراض، مثل أمراض القلب والشرايين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الطرقات المعبدة بالإسفلت تختزن حرارة الشمس، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. وهو ما يفسر التفاوت في درجات الحرارة بين المدينة والريف، لهذا السبب تعاني المدن بصورة كبيرة من موجات الحر. فضلا عن ذلك، لا يمكن للأرضيات المرصوفة امتصاص مياه الأمطار، وتذهب أغلب مياه الأمطار إلى المجاري، في حال أنه كان يمكن استغلالها لتلطيف الجو في حال امتصتها تلك الأرضيات.
وأكدت الصحيفة أن العلماء يعتقدون أنه يمكن إزالة الإسفلت غير اللازم من بعض المساحات لزرع الحدائق والمساحات الخضراء. ويمكن تزيين واجهات المباني بالنباتات المتسلقة، وزراعة أسطح المنازل، وتخصيص الأحواض الموجودة حول الأشجار في الشوارع لزراعة الأزهار. وذكر العالم النفسي في العيادة المركزية للصحة النفسية في مانهايم، أندرياس ماير-ليندنبيرغ، أن رؤية الأشجار والأزهار مفيدة للصحة النفسية للإنسان.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه يمكن للأشخاص الذين لا يوجد مناطق خضراء في مكان إقامتهم، اختيار طريق مختلف في أثناء الذهاب للعمل أو التسوق، يكون مليئا باللون الأخضر المريح للعين. كما أن وجود النباتات واللون الأخضر في شرفة المنزل، يقلل من خطر الإصابة بالأمراض النفسية.