هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث الأمريكي ستيفن وولت، يتحدث فيه عن تراجع سلطة الولايات المتحدة العالمية وتأثيرها.
ويبدأ الباحث في جامعة هارفارد مقاله بالإشارة إلى ما ورد في مقالة المعلق المعروف ديفيد إغناطيوس في صحيفة "واشنطن بوست"، عن التداعيات المقصودة أو غير المقصودة عندما تغيب القوة الأمريكية عن العالم، خاصة في الشرق الأوسط، حيث ضرب إغناطيوس مثالين، وهما الخلاف بين السعودية وكندا، والأزمة مع تركيا، قائلا إنه عندما تفك أمريكا ارتباطها بالعالم فإنها تدفع اللاعبين المحليين لتقوية مواقعهم واتخاذ قرارات سيئة في غياب الدليل الأمريكي، ومن هنا فإن أي احتمالات لتغيير إيجابي في المنطقة، أي الشرق الأوسط، بعيدة، وعلينا أن نحضر أنفسنا للأسوأ.
ويرى وولت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "ما كتبه إغناطيوس جميل ويستحق القراءة، لكنه كاشف في الوقت ذاته؛ لأنه يقوم على أهمية الثقة بأمريكا، وبأن السياسة الخارجية الأمريكية كانت تعمل للخير، ومن هنا فإن تراجعها بقرار، أو بطريقة عرضية، أمر يجب أن يثير حزننا، لكن من يتابع السياسة الأمريكية، خاصة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، فإنه يكتشف أن الوضع مختلف، وأن لا أحد يريد الدفاع حتى الموت عن الموقف الأمريكي".
ويقول الكاتب إنه "من السهل فهم السبب الذي يجعل النخبة الأمريكية تحظى بالتأثير، الذي لم يكن من السهل تجنبه، إن الولايات المتحدة لا تزال قوة كبيرة في النظام الدولي، ويجب على اللاعبين الدوليين الانتباه لما سيقوله العم سام، وبالنسبة للعاملين في السياسة الخارجية فإن التأثير الكبير، والمشاركة الواسعة يعنيان تجربة تثير الصداع، وهذا يعني أن الحكومات الأجنبية ستستمع لمكالماتك وتحترمك عندما تزورها، وتنفذ نصيحتك، أو على الأقل تتظاهر باتباع نصيحتك، ولو كان شغلك في مجال السياسة الخارجية فإن من الأفضل أن تكون ممثلا للولايات المتحدة، بدلا من محاولة تمثيل دولة صغيرة أو ضعيفة لا صوت لها".
ويستدرك وولت قائلا إن "التأثير هو وسيلة لنهاية وليس نهاية بحد ذاتها، بالإضافة إلى أن التأثير الواسع ليس جيدا، خاصة إن كنت لا تعلم ماذا ستفعل فيه أو إن كان ما ستفعله سيكون خطأ، أو سينتهي بك الأمر حاملا للعبء والمسؤولية لأخطاء تنقصها الحكمة، هذا كله يقود إلى الشرق الأوسط الذي يتلاشى فيه -على ما يفترض- التأثير الأمريكي، فما هو سجل الولايات المتحدة هناك في الماضي؟".
ويجيب الباحث قائلا إن "التاثير الأمريكي كان إيجابيا في مجمله أثناء الحرب الباردة، فكان التأثير الأمريكي محدودا، ودعمت الولايات المتحدة عددا من الحلفاء لمجموعة من الأسباب السياسية والاستراتيجية والمحلية، وعملت جهدها لتحديد الدور السوفييتي في المنطقة، والتأكد من تدفق النفط والغاز الطبيعي للأسواق العالمية، وحتى عام 1991 في حرب الخليج، قامت واشنطن بدورها دون أن ترسل قواتها إلى الأرض، أو قواتها الجوية لمدة طويلة، أو أن خوض حروبا مكلفة، واعتمدت عوضا عن ذلك على الدبلوماسية والتعاون الاستخباراتي والدعم الخارجي، وأدت بشكل عام دور (الموازن الخارجي)، معتمدة على الحلفاء المحليين، وتاركة قواتها بعيدة، بل إنها غيرت مواقعها في حالة أو حالتين، عندما أملت عليها الظروف، وفي المجمل لم تكن الاستراتيجية الأمريكية تامة، لكن نهجها نجح".
ويستدرك وولت بأن "دور الولايات المتحدة في المنطقة -رغم كونه كبيرا- ظل سلبيا وبالكامل، فرغم ما توفر لدى الإدارات الديمقراطية والجمهورية من أوراق نفوذ إلا أنها أساءت التعامل مع العملية السلمية التي نجمت عن عملية أوسلو، بشكل زاد من التطرف، وساعد على جعل حل الدولتين ميتا بحلول عام 2018. بالإضافة إلى أن الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة لوكلائها المتعددين في المنطقة ساعد على صعود جماعات مثل تنظيم القاعدة، وأسهمت سياسة (الاحتواء المزدوج) التي تبناها كلينتون عام 1998، على حرف انتباه اسامة بن لادن عن أعدائه القريبين (آل سعود) إلى العدو الأبعد، وهي الولايات المتحدة، بشكل أدى إلى هجمات 11/ 9".
ويشير الكاتب إلى أن "إدارة جورج دبليو بوش قررت بعد هجمات أيلول/ سبتمبر أنها بحاجة لتأثير أكبر في المنطقة، وحاولت البدء في عملية تحول ديمقراطي، من خلال الإطاحة بنظام صدام حسين، وإنشاء حكومة ديمقراطية موالية لواشنطن في العراق، وكان تمرين التأثير القائم على افتراض خاطئ سببا في زيادة التأثير الإيراني، وتبذير عدة تريليونات من الدولارات، وخسارة آلاف الجنود، وأدى إلى إلهاء إدارتين اثنتين عن المهام الكبرى، وضرب الهيبة الأمريكية، وبشكل لافت للنظر فإن إدارة باراك أوباما كررت الأخطاء ذاتها، وإن كان ذلك على قاعدة أصغر، من خلال الإطاحة بنظام معمر القذافي، مع أنها لم تكن تعرف ماذا سيحصل بعد".
ويلفت وولت إلى أن "(الحرب الدولية على الإرهاب) جرت الولايات المتحدة إلى الصومال واليمن بآثار مهلكة، وتستخدم ما تبقى لها من تأثير لدعم الحملة العسكرية السعودية القاسية في اليمن، متحملة مسؤولية عن أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ولا ننسى كيف ضغط (التأثير) الأمريكي على مصر للتحول إلى الديمقراطية بعد الإطاحة بحسني مبارك، ثم كيف دعمت أمريكا بشكل تكتيكي الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، وغضت الطرف الآن عن القمع والفساد المستمر في مصر".
ويقول الباحث: "قد أمضي طويلا في الحديث، لكن النقطة التي يجب إيضاحها هي أن أمريكا كان لديها الكثير من التأثير في هذه الفترة، لكن من الصعب القول إنها مارست هذا التأثير بحكمة ونجاح، وتتحمل الإدارتان الجمهورية والديمقراطية مسؤولية هذه الهزائم، وفشلهما المشترك هو واحد من الأمثلة الواضحة على التحزب الباقي في السياسة المستقطبة".
ويتفهم وولت قلق النخبة العاملة في السياسة الخارجية من تراجع التأثير الأمريكي، و"قد يكون هذا سيئا في بعض الظروف، لكن علينا الاعتراف بأن (التأثير) ليس كافيا بحد ذاته، ويترك آثارا سلبية، فالتأثير الأمريكي المفرط يؤدي إلى القيام بمهام لا نعرف كيف نقوم بها (مثل بناء مؤسسات سياسية فاعلة في مجتمعات مختلفة بشكل جذري)، والسماح للفاعلين المحليين بإلقاء اللوم علينا بسبب فشلهم، وحرف انتباه المسؤولين الأمريكيين عن المشكلات التي يمكنهم حلها، ففي مناطق، والشرق الأوسط على رأسها، ربما كان تأثير أمريكي قليل جيدا، وفي ضوء النجاح الذي نحاول أن نديره كله، ربما كان من الأفضل ترك الآخرين المحاولة، ولن يكون بوسعهم أسوأ".
ويجد الكاتب أن "التحرك نحو هذ الهدف يقتضي تغيرا في عقلية نخبة السياسة الخارجية الأمريكية، فقد ظل أفرادها يؤمنون ولوقت طويل أن أمريكا (أمة لا يمكن الاستغناء عنها)، وأن الحل لمشكلات العالم كلها أو على معظمها على الأقل يجب أن تقرر من واشنطن".
وينوه وولت إلى أن "طلاب الإدارة يدرسون أن القيادة الفاعلة يجب أن تفوض المسؤولية؛ لأنه لا يوجد شخص واحد لديه المعرفة والسلطة والحكمة لحل المشكلات كلها، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الشعوب القائدة، والتعلم لحرف المشكلات للآخرين هو مهارة تحتاج لجهد، وطالما ظل الأمريكيون يتعاملون مع التأثير باعتباره نهاية متأصلة، ومصدرا يجب الحفاظ عليه كالذهب، فإننا سنجد أنفسنا ملتزمين فوق طاقتنا وأقل فاعلية مما نريد، وكما قال الرئيس هاري ترومان: (من المدهش كم ستحقق إن لم تهتم بمن سيحصل على الشرف)".
ويختم الباحث مقاله بالقول: "عليه، فإنه يجب على الأمريكيين القلق أقل حول مستوى التأثير الذي تمتع به بلدهم، والقلق أكثر حول التأثير الذي تم استخدامه، ولو استطاع المسؤولون الأمريكيون وضع مجموعة من الأهداف لتحقيقها فإنهم سيكتشفون أن تأثيرهم زاد، وقلت المشكلات التي ستواجههم، بدلا من زيادتها".