هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمراسلها بيتر بيومنت، عن تنافس القوى الكبرى على التأٌثير في أفريقيا، وسط إعلان الولايات المتحدة عن خطط لسحب قواتها وبعثاتها، بعد مقتل أربعة من قواتها الخاصة في كمين نصبه متشددون من تنظيم جهادي العام الماضي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن آخر الدول التي تتنافس على التأثير هي روسيا التي أرسلت متعهدين خاصين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وأعلنت في بداية الشهر الحالي عن إنشاء قاعدة لوجيستية في إرتيريا، ما يمنحها منفذا في البحر الأحمر، حيث جاءت هذه القاعدة بعد رفض جيبوتي السماح لروسيا بإقامة قاعدة بحرية على شواطئها، أسوة بالفرنسيين والأمريكيين والسعوديين والأمريكيين.
ويلفت بيومنت إلى أن الأشهر التسعة الماضية شهدت حراكا دبلوماسيا روسيا من القرن الأفريقي الى البحيرات العظمى حتى دول أفريقيا الجنوبية، مشيرا إلى أن هذا النشاط جاء وسط مخاوف منظمات حقوق الإنسان وتداعيات أمنية من خلال بيع الأسلحة لأنظمة ضعيفة أو تعاني من نزاعات، خاصة في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة عن خطط لسحب قواتها من القارة وإغلاق بعثات فيها.
وتذكر الصحيفة أن هذه المخاوف زادت الشهر الماضي بعد مقتل ثلاثة صحافيين روس في جمهورية أفريقيا الوسطى، عندما كانوا يحققون في نشاطات مثيرة للجدل تقوم بها شركة التعهدات الأمنية المعروفة باسم "واغنر".
ويورد التقرير نقلا عن المراقبين، قولهم إن نشاطات الشركة التي أدت دورا في شرق أوكرانيا وسوريا هي جزء من الرحلات المكوكية التي قام بها المسؤولون الروس إلى العواصم الأفريقية، حاملين معهم عروضا لبيع الأسلحة والخدمات العسكرية، وعادة بشروط قليلة، مقابل حصول موسكو على دعم دبلوماسي، وأحيانا حقوق التنقيب عن المعادن.
ويقول الكاتب إن "وصول 172 من المتعهدين الروس في الشركة الخاصة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى إمدادات عسكرية، لم يكن أمرا مثيرا للريبة فقط، إلا أنه أصبح علامة على الجهود الروسية الأوسع في أفريقيا بشكل فاجأ حتى الذين يعملون هناك".
وتنقل الصحيقة عن أحد المسؤولين الدوليين، الذي راقب عن قرب الأحداث في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومنذ بداية وصول المستشارين الروس، قوله: "الرواية الرسمية هي أن الحكومة الروسية وجمهورية أفريقيا الوسطى لديهما علاقة تعاون قديمة.. لكن بصدق لو قال أحدهم في الخريف الماضي إن هذا سيحدث، وبأن هناك روسيين سيأتون إلى هناك لم يكن أحد ليصدق هذا".
ويورد التقرير نقلا عن مراقب آخر، قوله: "اندهش الجميع بالسرعة التي حدثت فيها الأمور.. في كانون الثاني/ يناير علمنا أن الروس يقومون بتدريب قوات الأمن في بيرغينا (في قصر الديكتاتور السابق جون بيدل بوكاسا القديم)، وانتقل الأمر من مجرد شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود روسي في سرعة لا تصدق".
ويفيد بيومنت بأن "الأمر لم يتوقف عند تقديم الدعم العسكري وقوات على الأرض، بل قدمت موسكو نفسها على أنها الوسيط بين الحكومة والمتمردين في محادثات عقدت في السودان، بشكل يضعف دور الاتحاد الأفريقي، وهناك من يقول إن روسيا تستخدم الوساطة مع المتمردين من أجل الحصول على منافذ للتنقيب عن الذهب والماس واليورانيوم في مناطق المتمردين.
وتقول الصحيفة إن جمهورية أفريقيا الوسطى لم تكن هي المكان الذي فاجأت فيه روسيا الدول الغربية، بل إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيسة المجلس الفيدرالي الروسي فالنتين ماتييفنكو،(المقربة من فلاديمير بوتين)، وقعا سلسلة من صفقات الأسلحة، فقام وزير الخارجية سيرغي لافروف بزيارة رسمية في آذار/ مارس لكل من ناميبيا وأنغولا وموزامبيق وإثيوبيا وزيمبابوي، حيث وقع سلسلة من الاتفاقيات لإنشاء مناطق اقتصادية والتنقيب عن المعادن والدعم العسكري والفني.
وينوه التقرير إلى أنه جاء دور مدير الخدمات الروسية للتعاون العسكري والفني ديمتري شوغاييف في تموز/ يوليو، الذي أعلن على هامش قمة "بريكس" عن توقيع مذكرة تفاهم مع جمعية التنمية في جنوب أفريقيا للتعاون العسكري والتدريب أيضا.
ويشير الكاتب إلى أن المراقبين للسياسة الخارجية يرون أن تحول روسيا نحو أفريقيا له عدة أسباب؛ منها التهديد بالعزلة الدبلوماسية من أوروبا والولايات المتحدة؛ بسبب الدور الذي تقوم به موسكو في كل من سوريا وشرق أوكرانيا، وهو ما دفع روسيا للبحث عن حلفاء في أفريقيا، للحصول على دعمهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وينقل التقرير عن بول سترونسكي من مؤسسة كارنيغي، قوله: "تنظر روسيا لنفسها من خلال الدور التاريخي" الذي أدته في أثناء الحقبة السوفييتية في القارة، وأضاف أن روسيا "عندما بدأت بالعودة (إلى القارة) في السنوات القليلة الماضية فإن وضعها كان يرثى له مقارنة مع الصين، فهي لا تستطيع عرض بضائع استهلاكية مثل الصين، لكنها تستطيع تقديم السلاح ومساعدات من وقت لآخر لتخفيف الديون مقابل صفقات أسلحة."
ويتابع سترونسكي قائلا إن الروس يحاولون إيجاد موطئ قدم ينافسون من خلاله، وهو أن لديهم أسلحة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه المسؤولون البارزون بتوسيع التأثير الروسي في القارة الأفريقية، إلا أن المستوى الثاني من التفاعل جذب المقربين من فلاديمير بوتين، مثل رجال الأعمال وشركات التعهدات الأمنية مثل "واغنر".
ويورد بيومنت نقلا عن تيري فيركلن من مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، قوله إن روسيا تمزج في محاولتها للتأثير على أفريقيا ما بين التجارة والدبلوماسية وعقود السلاح، ويضيف: "بدأ هذا كله في أيلول/ سبتمبر الماضي عندما سافرت رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى إلى سوتشي، ووقعت أول صفقة سلاح مع موسكو.. توسعت العلاقات منذ ذلك الوقت، حيث عوضتها العلاقات بعقود للتنقيب عن المعادن مقابل الخدمات العسكرية".
ويرى فيركلن أن هناك فرقا بين اهتمام روسيا في ذروة الاتحاد السوفييتي واليوم، و"الفرق هو أن العلاقة واضحة، وتستخدم روسيا الشركات الخاصة وشركات المتعهدين الأمنيين، التي لا ترتبط رسميا بالكرملين، لكنها مرتبطة بها، ولا يوجد ما يخفي العلاقة، وهم يحاولون استهداف أنظمة لا علاقات جيدة لها مع الغرب، أو أنها غير راضية عنه، مثل زيمبابوي والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى".
وتقول الصحيفة إن النشاط الروسي لا يقوم على مجال العلاقات العسكرية فقط، بل يقوم الكرملين بتفعيل علاقاته مع الناشطين والمقاتلين الذين دربهم الاتحاد السوفييتي، أو درسوا في جامعاته، مشيرة إلى أن ما يثير الدهشة هو محاولة روسيا بناء قاعدة لها في القرن الأفريقي، تماما مثل وجود قواتها في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي رفضت فيه جيبوتي طلبا روسيا لبناء قاعدة لها هناك، فإن لافروف أعلن في بداية أيلول/ سبتمبر عن قاعدة لوجيستية في إرتيريا.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا