هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "سلايت" الأمريكية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على ما آلت إليه الأوضاع في الشرق الأوسط إبان ثورات الربيع العربي، وتلفت فيه إلى أن "آمال الشعوب العربية في مستقبل أفضل يبدو أنها قد أجهضت بعد أن ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في نشأة جيل جديد من الديكتاتوريين في الشرق الأوسط".
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن من بين هذا الدعم "حادثة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.. تمثل مفترق طرق في علاقة الغرب مع الشرق الأوسط الجديد، الذي بدأت ملامحه تتشكل على أنقاض الربيع العربي".
وتضيف المجلة: "حتى لو كان خاشقجي على قيد الحياة، وهو احتمال يتضاءل يوما بعد يوم، فإن اختفاءه القسري يؤكد التنامي الخطير لنفوذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يسعى جاهدا لكتم صوت الناقدين لنظامه داخل البلاد وخارجها".
"ازدواجية أوروبية وأمريكية"
وأشارت إلى أنه "بعد سبع سنوات من الثورات التي اجتاحت مختلف الأقطار العربية، بات من الممكن الآن رؤية نتائج الربيع العربي، الذي تمخض عنه جيل جديد من الحكام الذين يسيرون على خطى صدام حسين ومعمر القذافي وكلهم استعداد لفرض رؤيتهم الاستبدادية باسم الإصلاح بمباركة من الغرب".
ولفتت إلى أن "السياسات الخارجية الأوروبية والأمريكية لطالما طغت عليها الازدواجية، لكن القوانين والرأي العام أجبرها على التعامل مع الأنظمة الاستبدادية، رسميا على الأقل، على أنها منبوذة. وقد يفضي إفلات الجاني من العقاب في قضية خاشقجي إلى بزوغ فجر عصر مرعب، سنكون جميعنا متواطئين في ظهوره".
وذكرت المجلة أنه في تقرير نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" الثلاثاء الماضي، تبين أن المخابرات الأمريكية قامت بالتنصت على اتصالات مسؤولين سعوديين كانوا بصدد مناقشة خطة القبض على خاشقجي قبل اختفائه، ما يشير إلى أن الحكومة قد تكون على علم بهذه المؤامرة بيد أنها لم تكلف نفسها عناء تحذير خاشقجي كما هو مطلوب منها".
وأكدت أن "هذه الفضيحة أثارت جدلا واسعا تجاه دعم إدارة ترامب لولي العهد، الأمر الذي شجعه على تطبيق ميوله المتشددة. ولكن لفهم كيفية صعود الأنظمة الاستبدادية الجديدة في الشرق الأوسط نحتاج إلى النظر في أصل خطيئة الربيع العربي".
"الثورات العربية"
وتوضح المجلة بالقول إن "الثورات العربية التي اندلعت سنة 2011 مثلت صدمة حقيقية بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية المحافظة التي اتسمت بثباتها منذ زمن طويل وعلاقتها التاريخية مع الأنظمة الغربية التي ساعدت على استمراريتها. لكن اتخذت هذه الثورات مسارا غير متوقع، فلمدة سنتين على الأقل كانت نتائج هذه الثورات غير مؤكدة؛ لذلك أجهضت مساعي التغيير رسميا سنة 2013".
وأشارت المجلة إلى أن "انهيار الحكومة المنتخبة بقيادة الإخوان المسلمين في مصر كان على يد جهاز حكومي فعل كل ما في وسعه لضمان فشل هذه الحكومة، ونجح في ذلك من خلال تنظيم انقلاب عسكري في شهر تموز/ يوليو بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي".
وفي سوريا، تقول المجلة، "أطلقت القوات الموالية للأسد صواريخ محملة بغاز السارين على إحدى ضواحي دمشق التابعة للمعارضة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ألف و400 مدني. وفي المقابل، كان التناقض طاغيا على طريقة تفاعل إدارة أوباما مع كلتا الحالتين وهو ما يفسر عدم رد الجانب الأمريكي على الربيع العربي".
"ما حدث لخاشقجي"
وتعتبر المجلة أن "إقرار الولايات المتحدة بنهاية الربيع العربي نابع من الواقع الساخر للمسؤولين الرئيسيين في إدارة أوباما والضغوط الكبيرة التي يفرضها كل من السعوديين والإماراتيين، الذين كانوا ينظرون إلى الانتفاضات الإقليمية على أنها تهديدات خطيرة للحكم الملكي. وقد بذلت ممالك الخليج كل ما بوسعها لإخماد الحركة الديمقراطية في مصر، بالإضافة إلى دفع مليارات الدولارات إلى السيسي وأنصاره".
وقالت المجلة إن "ملوك وأمراء الخليج كانوا يعتقدون أن انفتاح إدارة أوباما على جماعة الإخوان المسلمين مؤامرة خبيثة"، ولكن من الواضح أنهم كانوا مخطئين. فإذا مثلت سنة 2011 فرصة تاريخية للولايات المتحدة لإعادة العلاقات مع العالم العربي التي كانت قائمة على عقود من الدعم للدكتاتورية، وحتى إذا مثلت سنة 2013 أيضا فرصة أخيرة لتجنب حدوث نفس الاحتجاجات التي أدت إلى اندلاع الثورات في المقام الأول، فإنه يبدو جليا أن إدارة أوباما فشلت في كلا الاختبارين".
وأكدت المجلة أن واشنطن "تجاهلت الممارسات التي اتبعها السعوديون لفترات طويلة، والتي تمثلت في خطف المعارضين في الخارج وإعادتهم قسرا إلى البلاد، مثل ما حدث مع الناشطة لجين الهذلول، وقد تكهن بعض المراقبين خلال الأيام الأخيرة بأن خاشقجي ربما يكون قد قتل دون قصد خلال محاولة اختطاف مماثلة. لكن هذه الحوادث من المؤكد أنها نتيجة متوقعة للتجاوزات المسموح بها منذ فترة طويلة".
ونوهت بأن "كل ما حدث لخاشقجي بدأ بشكل فعلي في تبديد أي شعور متبق بالأمان لدى المعارضين العرب في جميع أنحاء العالم. وقد صدمت هذه الحادثة مجموعة كبيرة من الصحافيين والمحللين والحقوقيين في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم، وجعلتهم يشعرون بالغضب والخوف".
وتختم المجلة تقريرها بالقول إن "السعوديين استجابوا للتعتيم الذي أصبح نموذجا للسلطات الاستبدادية الجديدة في المنطقة، حيث صارت تعتمد سياسة الإنكار ونظريات المؤامرة. وإذا مر اختفاء خاشقجي دون محاسبة الجناة، وسُمح للسعودية بممارسة هذه اللعبة، فإننا نكون بذلك قد دخلنا عالما جديدا خطيرا".