هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب مايكل هيرش، يقول فيه إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يبدو مستعدا للاعتراف بأن الصحافي جمال خاشقجي قضى في القنصلية السعودية في إسطنبول، قبل أسبوعين؛ نتيجة تحقيق لم يسر كما كان ينبغي، لإنقاذ ما تبقى من سمعته الدولية المتداعية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ما قالته "سي أن أن" وغيرها من وسائل الإعلام الإخبارية في الغرب، بأن السعوديين يستعدون لإلقاء اللوم في هذه القضية على "مارقين"، بعد أن أصروا لمدة أسبوعين على أن خاشقجي غادر القنصلية التي شوهد أنه دخلها في تاريخ 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وأنه لا فكرة لديهم عما حصل له.
ويورد هيرش نقلا عن "سي أن أن"، قولها إن السعوديين يعدون تقريرا يعترف بأن خاشقجي، الحاصل على إقامة دائمة في أمريكا، كان من المفترض أن يتم اختطافه من تركيا، لإرساله إلى السعودية للسجن، وليس قتله.
وتعلق المجلة قائلة إن هذا التوضيح يتناغم مع فكرة تم طرحها يوم الاثنين، عندما قال الرئيس دونالد ترامب للصحافيين: "يبدو بالنسبة لي وكأن قتلة مارقين هم المسؤولون.. من يعلم؟".
ويتساءل الكاتب: "لماذا انقلب موقف الرياض؟" مشيرا إلى قول نيكولاس بيرنز، الذي عمل نائبا لوزير الخارجية في ظل حكم جورج بوش الابن: "إنهم محاصرون وظهورهم إلى الحائط.. أعتقد أن السعوديين أخطأوا الحسابات خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما هددوا بالانتقام، وأصدر البريطانيون والفرنسيون والألمان بيانا صباح (الأحد) يدعوهم لإظهار الحقيقة، وحتى ترامب توعد بعقوبات صارمة، وأفضل أصدقائهم التجاريين يقومون الآن بمقاطعة مؤتمرهم، فشعروا أنهم معزولون".
وينقل التقرير عن محللين، قولهم بأن الخيار الوحيد هو الخروج من الأزمة بالاعتراف بما هو أقل، والقول بأن العناصر الذين قتلوا خاشقجي فعلوا ذلك دون أوامر.
وتجد المجلة أنه "بالاعتراف بالمشاركة في عملية (تسليم غير عادي) لخاشقجي -بدلا من قتله- قد تكون الحكومة السعودية تحاول الحصول على درجة من المساواة الأخلاقية مع أمريكا والدول الأخرى التي تقوم بتلك الممارسات".
ويقول هيرش: "قد تكون حسابات محمد بن سلمان بأن اعترافا جزئيا سيكون كافيا لإرضاء الرئيس الأمريكي، الذي يبدو غير مستعد لأن يضحي بصفقات الأسلحة المربحة مع السعودية، وإدارة يقال إن رئيسة مخابراتها المركزية، جينا هاسبيل، كانت قد شاركت في برنامج التسليم والتحقيق العنيف في الماضي".
ويلفت التقرير إلى أن أمريكا طبقت برنامجا بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، تم بموجبه اعتقال المشتبه بهم سريا، واختطافهم إلى بلدان أخرى، حيث يسمح باستخدام أساليب وحشية في التعذيب.
وتورد المجلة نقلا عن لورا بيتر من "هيومان رايتس ووتش"، قولها إن خمسة من المشتبه بهم قضوا في أسر وكالة الاستخبارات المركزية، بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بمن فيهم غول رحمان، وهو أفغاني تم ضربه ومات في 2002، بعد أن تم تجريده تماما من الملابس أسفل الخاصرة، وربطه في درجات حرارة قريبة من الصفر، مشيرة إلى أنه بحسب تقرير في آب/ أغسطس في "نيويورك تايمز"، فإن هاسبيل أشرفت على سجن سري في تايلندا، حيث مورس فيه الإيهام بالإغراق، الذي يعد شكلا من أشكال التعذيب.
ويستدرك الكاتب بأن "خاشقجي لم يفعل شيئا أكثر من أنه كتب مقالات تنتقد محمد بن سلمان في (واشنطن بوست)، ومع أنه ليس من الواضح كيف مات خاشقجي، فيبدو أن الحكومة السعودية تراهن على أن رواية ضربه واستخدام العنف ضده في محاولة لإرجاعه للسعودية سيتم قبولها بصفتها توضيحا مقبولا لما حصل".
ويقول هيرش: "قد يكون ترامب مستعدا لأن يسامح، لكن من الأقل احتمالا أن يكون الكونغرس بالتسامح ذاته، ففي السنوات الأخيرة، بدأ محمد بن سلمان حربا لا تحظى بالتأييد الدولي في اليمن، وقام بابتزاز النخبة في السعودية، وحاصر حليفا تقليديا هي قطر، وقام باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، مؤقتا خلال زيارة للرياض".
وينوه التقرير إلى أن مجموعة من الحزبين من مجلس الشيوخ دعت في الأسبوع الماضي لفرض عقوبات على السعودية إن تم التحقق من أنها مسؤولة عن قتل خاشقجي، فيما يتوقع أن يزيد الضغط من الكونغرس إن عاد الديمقراطيون للسيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية الشهر القادم.
وتنقل المجلة عن بعض الناقدين، قولهم إن السعوديين لا يزالون يكذبون، فقال بيرنز: "هذه القصة بالنسبة لي لا يمكن تصديقها.. إنها كانت مهمة منظمة بشكل كبير، لقد أرسلوا فريقا ليقوم بخطفه وتعذيبه، لا أظن أنه يجب مكافأتهم لهذه الرواية.. وحتى لو كانت صحيحة، فإنه فعل يستحق التوبيخ، لدينا مصلحة في أن نواجههم ونقول لهم بأن هناك ثمنا لذلك، لا أقول إنه يجب أن ننهي علاقتنا بهم، لكن يجب أن تكون هناك عقوبات".
ويذكر هيرش أن مستشار الأمن القومي في ظل حكم جورج بوش الابن، فرانسيس تاونزإند غرد قائلا بأنه إذا كان مقتل خاشقجي عملية مارقة "فإن التسجيلات الصوتية والفيديوهات التي تزعم تركيا أنها تمتلكها تصبح أكثر أهمية في تقدير مصداقية هذا التوضيح.. يجب على أمريكا أن تحصل عليها وتتحقق منها إن كانت موجودة".
ويفيد التقرير بأن من بين التفاصيل التي تجعل قصة التحقيق والخطف غير قابلة للتصديق، هو ما نشرته "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أتراك الأسبوع الماضي، بأن الفريق ضم متخصصا في الطب الشرعي مسلحا بمنشار عظام.
وتشير المجلة إلى أن هذه التقارير الجديدة جاءت بعد محادثات مركزة بين أمريكا والسعودية، بما في ذلك زيارة قام بها وزير الخارجية مايك بومبيو يوم الثلاثاء للرياض، كما أنها تأتي بعد أسبوعين من تبادل الاتهامات الموجهة لابن سلمان، الذي أدت مشاركته المزعومة في مقتل خاشقجي لتخريب علاقات المملكة مع بقية العالم.
ويلفت الكاتب إلى أن الشخصيات الكبيرة انسحبت في الأيام الأخيرة، الواحد تلو الآخر، من المؤتمر السنوي الذي يقيمه محمد بن سلمان في الرياض، مستدركا بأنه بالرغم من الإغراءات باكتتاب صفقات كبيرة، بما في ذلك تعويم جزء من شركة "أرامكو" السعودية، فإن الخزي المتعلق بحضور الاجتماع في وقت يتهم فيه ولي العهد بتدبير مقتل خاشقجي كان كبيرا جدا بالنسبة لعمالقة وول ستريت، بمن فيهم جيمي ديمون وجي بي مورغان تشيس ولاري فينك، مدير "بلاك روك"، وستيفين شوارزمان، مدير "بلاكستون" للأسهم.
ويعلق هيرش قائلا: "لقد كان هذا أسوأ عملية قصاص خلال سنة ونصف من عند محمد بن سلمان بصفته وليا للعهد، قام خلالها بحملة لا رحمة فيها ضد المعارضين. وفي الوقت ذاته اكتسب تأييدا دوليا لمحاولته تنويع وتحديث الاقتصاد السعودي القائم على النفط".
ويورد التقرير نقلا عن الأستاذ المتخصص في الشأن السعودي في جامعة تكساس، ف. غريغوري غوس، قوله: "هذا مثال آخر على أن (أم بي أس) يظن أن البلد أقوى مما هي.. أعتقد أن هذا الفصل هو حول القيادة الحالية للسعودية، وبالذات كيف يتعلم (أم بي أس) محدودية قوة السعودية".
ويعتقد غوس في الوقت ذاته بأن الكونغرس بدوره سيتعلم التعايش مع السعودية، ويقول: "على المدى القصير لا أظن أن يمرر الكونغرس أي شيء يمكن أن يعد لصالح السعودية"، لكن أعضاء سيصوتون في النهاية لصالح "مبيعات الأسلحة التي تجلب الوظائف لدوائرهم الانتخابية".
ويضيف غوس: "لطالما أبغض الكونغرس السعودية، لكنه دائما تقريبا يصادق على مبيعات الأسلحة؛ لأن تلك المبيعات مصممة بحيث تستفيد منها الكثير من الولايات والمناطق".
وتستدرك المجلة بأنه مع ذلك، فإن معظم المحللين يرون بأن العلاقة ستستمر، فالسعودية لاعب رئيسي في الجهد الأمريكي لمكافحة التطرف، وإعادة بناء العراق، ومواجهة إيران، والمساعدة في جلب الفلسطينيين لطاولة المفاوضات مع إسرائيل بوساطة أمريكية، كما أشار السفير السابق لليمن والخبير حاليا في معهد الشرق الأوسط جيرالد فيرستاين، الذي قال: "تلك الأمور كلها تعتمد كثيرا على السعودية.. وليستطيع ترامب القول بأن استراتيجيته في الشرق الأوسط كانت ناجحة فإنه يحتاح للسعوديين".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول الخبير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، الذي تموله الإمارات والشركات الأمريكية، حسين أبيش، بأن أمريكا والسعودية لصيقتان ببعضهما "سواء أحببنا ذلك أم لا.. وليس أمام أي طرف خيار جيد".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا