هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سياسي متمكن، يعرف كيف يحقق أقصى قدر من الفوائد، وكان هذا واضحا في خطابه في البرلمان التركي.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أردوغان قام بتكذيب الرواية السعودية الرسمية بازدراء، بأن مقتل جمال خاشقجي كان حادثا نتج عن عملية تحقيق لم تسر كما يجب على يد "مارقين" من المخابرات السعودية.
ويقول كوكبيرن إن "من السذاجة تخيل أن أردوغان كان سيفصح عن كل ما تعرفه تركيا حول جريمة القتل، والدور السعودي فيها؛ لأن مثل هذه المعلومات والأشرطة المسجلة لعملية القتل تعطي تركيا قوة ضغط على السعودية وبدرجة أقل على أمريكا".
ويلفت الكاتب إلى أن "أردوغان خيب أمل الإعلام بعدم الكشف عن تفاصيل الجريمة، لكن ليس من مصلحته فعل ذلك بعد، لكنه كان قاطعا في إظهار أن مقتل خاشقجي كان متعمدا، حيث قال: (لدى المخابرات والمؤسسات الأمنية أدلة تظهر أن جريمة القتل كانت مخططة.. وإلصاق هذه القضية ببعض عناصر الأمن والمخابرات لن يقنعنا ولن يقنع المجتمع الدولي)".
وينوه كوكيبرن إلى أن "هذه هي الرواية التي تحاول السعودية تسويقها لبقية العالم، ولم يذكر أردوغان ولي العهد محمد بن سلمان بالاسم، لكنه لا يحتاج لفعل ذلك، وكل ما احتاج قوله هو: (يجب محاسبة كل من له علاقة.. من الشخص الذي أعطى الأمر إلى الشخص الذي قام بالفعل)، لكن السعودية انكرت مرارا أن يكون ولي العهد متورطا بأي شكل".
ويستدرك الكاتب بأن "ولي العهد يكتشف، كما اكتشف العديد من الزعماء المستبدين سابقا، بأنه عندما تسيطر تماما على بلد ما فإنه يصبح من المستحيل الحديث عن عدم العلم بالجرائم التي تقع".
ويقول كوكبيرن إن "أردوغان يضرب نحو مرمى لا حارس له، فعندما أنكرت السعودية أنها تعلم أي شيء عن الجريمة لمدة 17 يوما، ثم أصدرت اعترافا ضبابيا حول (عملية مارقة)، فإنها خلقت فراغا معلوماتيا حول قصة تابعها العالم باهتمام بالغ، ويملأ هذا الفراغ إيجازات من مسؤولين أتراك لا تذكر أسماؤهم، يتم إرسالها بأسلوب التنقيط لوسائل الإعلام التركية والأجنبية، بوتيرة تهدف إلى إبقاء الأصبع مشيرا إلى الرياض، وإبقاء القضية في أعلى أجندة الأخبار لأطول فترة ممكنة".
ويرى الكاتب أن "الاعتراف السعودي يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر، بأن خاشقجي قتل، جعل الأمر لهم أسوأ وليس أفضل، فالقصة الضعيفة التي اختلقوها للتغطية على الأمر أصبحت ممزقة تماما، وما يطلبه أردوغان بشكل معقول هو ماذا حصل للجثة، ومن هم (المتعاونون) الأتراك الذين تدعي الرياض أن الفريق سلم لهم الجثة".
ويجد كوكبيرن أن "المشكلة بالنسبة للسعودية هي أن أي محاولة لإيضاح دورها في القتل غالبا ما سيتم تكذيبها مباشرة عن طريق التسريبات التركية، ومن المؤكد تقريبا أن تسجيلا صوتيا لآخر لحظات حياة خاشقجي موجود في الواقع، وسيتم نشره، وهي في الوقت ذاته تساعد تركيا على مراكمة الضغط على المملكة؛ لمعرفتها بأن لديها بطاقات الضغط كلها".
وينوه الكاتب إلى أن "هذه البطاقات ستلعب بحرص شديد؛ لأنها في الوقت الذي تكشف فيه تفقد قيمتها، فكانت قضية خاشقجي بالنسبة لتركيا فرصة معجزة لإعادة تقويم علاقاتها بالسعودية وأمريكا لخدمة مصالحها، فمحاولة السعودية لتكون الزعيمة التي لا ينازعها أحد على قيادة المسلمين السنة، التي لم تكون في الأصل مقنعة، وكان فيها دائما مبالغة لقوة المملكة، تذوب يوما فيوم، ويستطيع أردوغان أن يحصل على تنازلات من السعودية في موضوع حرب اليمن، وحصار قطر، ومواجهة إيران، بالإضافة إلى فوائد مادية".
ويعتقد كوكبيرن أنه "مهما حصل فإن السياسة السعودية الخارجية العدوانية والمتغطرسة والمعرضة للكوارث على مدى الثلاث سنوات الماضية تحت قيادة ولي العهد غالبا ما سيتم تخفيفها بشكل كبير في المستقبل".
ويفيد الكاتب بأن "أردوغان ينظر إلى تعديل الموقف الأمريكي تجاه تركيا في موضوع التحالف الأمريكي مع الأكراد السوريين، الذين تقول أنقرة أن الجيب الذي تسيطر عليه تلك القوات يدار من فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، الذي تحاربه الدولة التركية منذ عام 1984".
ويبين كوكبيرن: "هذه لحظة دقيقة بالنسبة للرئيس ترامب، فقضية خاشقجي قد لا تؤثر كثيرا على الانتخابات النصفية، لكنها ستؤثر على موقع أمريكا في العالم، وكان انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية مع إيران، وفرض حظر على تصدير النفط الإيراني في بدايات تشرين الثاني/ نوفمبر أكبر تغيير في سياسته قام به ترامب، وكان من المفترض أن يكون أكبر حليف أقليمي لأمريكا في هذا الموضوع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بصفته الحاكم الفعلي للسعودية، لكن هذه الاستراتيجية أصبحت تعاني من إشكالية عميقة، وتحتفظ تركيا بعلاقات قريبة، وإن كانت مزعزعة مع إيران، وتقول إنها لن تلتزم بالعقوبات، والسعودية ستستمر في كونها لاعبا إقليميا مهما بسبب أموال النفط، لكن هيبتها ونفوذها تضررا لدرجة يصعب معها الإصلاح".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إن استطاع ولي العهد أن ينجو، فإنه سيكون تحت التأثير الأمريكي بشكل أكبر، وأقل احتمالا أن يتصرف بشكل مستقل من الماضي، أما الآن فإنه سيراقب الأخبار القادمة من أنقرة ويعيشها من تسريب إلى الذي يليه".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا