هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم أشعر بالأسف الشديد في حياتي مثلما شعرت أمام صور آلاف المتظاهرين في رام الله؛ احتجاجا على قانون الضمان الاجتماعي المتعلق بحقوق الموظفين والعمال، ومطالبتهم برحيل وزير العمل الفلسطيني، واحتجاجهم على المشروع في كل الأحوال بشأن حقوقهم.
لكنها
كارثة التوقيت من جهة، ورام الله المحررة من جهة أخرى، إذ إنه في الوقت الذي كانت
فيه غزة، تتعرض للقصف الإسرائيلي، والشهيد تلو الشهيد، والجريح تلو الجريح، كانت
رام الله المحررة تنتفض، ليس نصرة لغزة، بل من أجل الحقوق المالية للموظفين.
عن
أي رام الله نتحدث هنا، وقد شهدنا في تواقيت سابقة كيف أوقد سكان رام الله
المحررة الشموع، تضامنا مع أبناء غزة، حتى كأنها أقل في ردود فعلها من أي مدينة
عربية وإسلامية، بعد أن كانت رام الله مركزا للانتفاضتين الأولى والثانية، ورمزا
لما تعنيه المدن التي تكافح الاحتلال وتحاربه، وتدفع الثمن بكل بسالة.
لماذا
سنلوم إذا اليوم غياب العرب والمسلمين عن مشهد التضامن مع غزة، إذا كانت رام
الله المحررة تنشغل في اليوم الأول ما بعد عمليات القصف الإسرائيلي، والقتل
والتذبيح، بحقوق الموظفين المالية، هذا مع الإقرار أن حقوقهم تستحق الدفاع، لكنني
أتحدث هنا عن الأولويات، وبكل تأكيد فإن الأولوية للدم، وليس للحقوق المالية.
لقد
كان دور السلطة الوطنية، سابقا وحاليا، دورا واضحا في حدوده وامتدادته، ولا يمكن
هنا أن نتعامى عن الحقائق تحت ذرائع يدعي بعض أصحابها أن مشروع الدولة
الفلسطينية يوجب التضحيات والتنازلات، وعدم تقديم أي ذرائع للاحتلال، من أجل أن
يتمادى أو يعرقل مشروع الدولة.
وراء
هذه المبررات، تم إنتاج دور جديد للمدينة بما تعنيه من مركز سياسي فلسطيني، ومركز
تنظيمي تقليدي، لبعض الحركات، ونرى اليوم كيف أصبح هناك مدن غائبة عن نصرة غزة،
بذريعة أن نصرة غزة تعني نصرة تنظيمات مغضوب عليها، تنظيمات منشقة تختطف غزة،
وفقا لمعايير السلطة، هذا على الرغم من أن الكل يدرك أن الأبرياء في غزة يدفعون الثمن
الأكبر من كل هذه الصراعات والتحديات والمواجهات، نيابة عن قوى أخرى.
ربما
بنظر كثرة، فإن تسجيل موقف ضد رام الله بمعناها السياسي يعد ترفا، نمارسه من
بعيد، باعتبارنا مجرد متفرجين، نطالب غيرنا بدفع الثمن، ونكتفي نحن بمتابعة نشرات الأخبار،
لكن بالتأكيد فإن ما نراه من رام الله الجديدة لا يمكن احتماله، وهو يتطابق
مع مناطق ثانية، بحيث لم يعد غريبا أن يتظاهر سكان رام الله، مطالبين بحقوقهم
المالية، وبعد أن بات كل همهم تأمين رواتبهم نهاية الشهر، تاركين الغزيين لمصيرهم.
فلا
نطالب إذا مدن العرب بالغضب، ولنشعل الشموع في العالم العربي، باعتبار أن ذلك أكثر
ما يمكن أن نقدمه لأهل غزة، وسط هذه المحن، وهذا أضعف الإيمان.
عن صحيفة الدستور الأردنية