هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقال رأي للكاتب، تيموثي غيل، ناقش فيه تأثير انتماء عدد كبير من السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين إلى حكومة دونالد ترامب.
وعلى وجه الخصوص، يملك هؤلاء المسؤولين خلفيات في مجال الشركات والأعمال، الأمر الذي يحيل إلى أن انتماءاتهم قادرة على التأثير على القرارات السياسية في الولايات المتحدة.
وقال الأستاذ المساعد في علم الاجتماع، تيموثي غيل، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الحزب الجمهوري لطالما عُرف بأنه الحزب الذي دأب على احتضان مصالح الشركات، حيث يبدو أن تخفيض معدل الضريبة على الشركات من مستوى 35 بالمائة إلى حدود 21 بالمائة يثبت هذه الحقيقة.
وأظهر فحص قام به المجلس الاستشاري الرئاسي الأمريكي، الذي شمل مدة الخمسين سنة الماضية، أن كلا الحزبين الرائدين في الولايات المتحدة يحافظان على مستويات متشابهة من العلاقات مع نخبة الشركات الفاعلة في البلاد.
يبدو أن إدارة ترامب نقلت هذه العلاقة إلى آفاق جديدة. وعلى الرغم من ادعاءات ترامب الشعبوية، إلا أن حكومته تتضمن نخبا تنشط في المجال التجاري أكثر من أي حكومة أخرى على مدى نصف القرن الماضي.
وتعكس هذه التركيبة بشكل واضح خلفية دونالد ترامب وانتماءه لهذه النخبة، كما أنها تترك الباب مفتوحا أمام احتمال منح إدارته الأولوية لمصالح الشركات على حساب المصالح الأخرى على نحو غير مسبوق.
اقرأ أيضا : UNZ: كيف فازت إسرائيل في الانتخابات النصفية الأمريكية؟
وأورد الكاتب أن العلاقة التي تجمع بين النخب التي تدير الشركات والوسط السياسي لها جذور عميقة. ففي مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه، سيطر قادة الشركات على المجالس الاستشارية.
وعلى سبيل المثال، أجرى بيتر فرايتاغ دراسة خلال سنة 1975 حول الوضع بين سنتي 1897 و1973، ليجد أن 76 بالمائة من جميع أعضاء الحكومة الرئاسية يمتلكون خلفيات في مجال الشركات.
وتوصلت الدراسة إلى أنه يوجد اختلاف بسيط على مستوى انتماءَات المستشارين التابعين للحزبين الديمقراطي والجمهوري، حيث ينتمي 78 بالمائة من الجمهوريين إلى الشركات، في حين تبلغ هذه النسبة 73 بالمائة لدى الديمقراطيين.
وأورد جيل أنه على الرغم من هيمنة الشركات على هذه الهيئة ذات النفوذ القوي، إلا أن منظور التعددية السياسة كان سائداً بشكل عام.
وجادل علماء السياسة وعلماء الاجتماع بأنه لم يسبق أن سيطرت مجموعة اجتماعية واحدة على السياسة الأمريكية.
وتعمل جماعات أصحاب المصالح، لاسيما العمالة ومجال التعليم العالي وقطاع الأعمال، على موازنة بعضها البعض لتشكيل قوام متوازن للحكومة.
ومن جهتهم، رصد آخرون مشاكل على مستوى طبيعة سياسيي النخبة في الحياة السياسية الأمريكية، حيث سبق لعالم الاجتماع السياسي، رايت ميلز، التعبير عن قلقه إزاء الرابط الوثيق بين الحكومة والشركات الكبرى.
وتحديدا، لاحظ أن النخب السياسية ورجال الأعمال يتنقلون عبر الدوائر الحكومية والشركات بسهولة كبيرة وبانتظام غير مسبوق.
اقرأ أيضا : هل قفز ماتيس من "مركب ترامب" قبل غرقه باستقالته؟
وتجدر الإشارة إلى أن هذه "النخب الحاكمة" أصدرت جميع القرارات الكبرى حتى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ذكر الكاتب بعض القرارات التي اتخذتها هذه النخب، على غرار المشاركة في الحروب وتشييد مجمع عسكري صناعي.
وكانت لهذه القرارات حوافز ضارة، حيث نجم عنها في بعض الأحيان فوائد جمة للمسؤولين التابعين للمجلس الاستشاري الرئاسي.
ويمكن تسليط الضوء على هذا الضرر من خلال الحديث عن استفادة وزير الخزانة، بول أونيل، الذي عمل أثناء فترة الرئيس جورج بوش، من الحروب نظرا لامتلاكه علاقات وثيقة بشركة ألكوا لتصنيع الألمنيوم، والتي تستفيد بشكل كبير من العقود العسكرية.
على الرغم من رفض العديد من علماء الاجتماع السياسي لرأي ميلز، بسبب نقده المشحون للسياسة الأمريكية خلال الأجواء الاحتفالية التي تشوبها التعاليم المعادية للشيوعية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن برنامجه البحثي ساهم في جذب انتباه مجموعة شابة من علماء الاجتماع الذين نضجوا خلال فترة الستينيات الفوضوية.
ولاحظ هؤلاء الشبان مشكلة العلاقات بين الشركات والسياسة، وتساءلوا عن ما إذا كانت الشركات الفاعلة تؤثر بشكل غير متناسب على السياسة الأمريكية، وعن قدرتها في الواقع على الحد من الاحتمالات الديمقراطية.
بين الكاتب أن هذه المجموعة الجديدة من علماء الاجتماع أعادت صياغة الحوار المتعلق بالتقاطع بين سلطة الشركات والسلطة السياسية، وهو ما نجم عنه ظهور منظور أكثر انتقادا للسياسة الأمريكية.
وعلى سبيل المثال، فإنه على الرغم من إقصاء الماركسية من عدد كبير من الجامعات الأمريكية خلال خمسينيات القرن الماضي، إلا أنها شهدت صحوة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والتي لا تزال مستمرة إلى اليوم، لاسيما في خضم العديد من التخصصات مثل علم الاجتماع السياسي.
وفي حين أعاد هؤلاء العلماء الطموحون صياغة الحوار، نجد أنهم عجزوا عن تغيير واقع عملية اتخاذ القرار في الوسط السياسي، حيث استمرت النخبة الحاكمة في تشكيل السياسة الأمريكية.
وفي الواقع، يبدو أن تنامي عدد المرات التي فازت خلالها النخب السياسية والشركات وفرضت تعاليمها وشروطها خلال العقود التي تلت إصدار رايت لكتابه "النخبة الحاكمة"، تكسبها أهمية أكبر في الوقت الحالي.
نتيجة لهذا الفوز، تراجعت معدلات الضرائب المفروضة على الشركات وبعض شرائح المجتمع بشكل كبير، فضلا عن تراجع النشاط النقابي وسط قرارات المحاكم التي ضربت استراتيجياتهم التنظيمية، كما بقي الحد الأدنى للأجور على حاله وظل راكدا بشكل عام.
وخلال العقود السابقة، تحصلت الشركات الكبرى على تعويضات ضخمة، وذلك بالتزامن مع التجائها إلى البلدان منخفضة الدخل لتصنيع منتجاتها، على غرار دول أمريكا الوسطى وجنوب شرق آسيا.
اقرا أيضا : ترامب الغاضب يقصي ماتيس مبكرا ويعين نائبه قائما بأعمال الوزير
وأفاد كاتب المقال بأن هذه الممارسات تحيل على التساؤل حول ما إذا كانت هذه السياسة المنحرفة هي نتيجة لاستمرار الأشخاص الذين يمتلكون علاقات تجارية مستمرة في السيطرة على مجالات صنع القرار مثل المجلس الاستشاري الرئاسي.
وأشار الباحث تيموثي جيل إلى أن البحث الذي أجراه حول المجلس الاستشاري الرئاسي الأمريكي، يظهر أنه لطالما انتمى إليه عدد كبير من الأعضاء الذين يمتلكون خلفيات صناعية وتجارية.
ومنذ فترة ولاية نيكسون، كان أكثر من 70 بالمائة من أعضاء المجلس الديمقراطيين والجمهوريين يعملون لوقت طويل في الشركات الكبرى، أو من الأشخاص الذين توجهوا للعمل في هذه الشركات بعد فترة تواجدهم داخل المجلس.
وبين كاتب المقال أن هذه النسبة بلغت أوجها في عهد الرئيس جورج بوش، لتبلغ 100 بالمائة، في حين كانت تبلغ نسبة 90 بالمائة خلال فترة نيكسون الرئاسية و82 بالمائة أثناء تولي جيرالد فورد رئاسة البلاد.
في المقابل، كانت حكومات كارتر وبوش الأب تحتوي على أقل نسبة تمثيل النخب التي تمتلك خلفيات صناعية وتجارية بواقع 71 بالمائة. ومن جهته، لم يحد باراك أوباما عن اتباع هذا النهج بواقع 81 بالمائة، حيث امتلك غالبية مستشاريه ووزرائه خلفيات تجارية، أو اتجهوا نحو الشركات الكبرى بمجرد انتهاء خدمتهم.
ومع ذلك، نقل ترامب هذا التقليد إلى مستوى جديد كليا، حيث تضم إدارته أفرادا كانوا يعملون في الشركات الأمريكية بنسبة 72 بالمائة، وذلك بشكل يتجاوز أي إدارة حديثة.
وشملت هذه الإدارة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي كان يضطلع بمنصب الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل.
وبشكل عام، تجاوز ترامب بذلك الرئيس جورج دبليو بوش، والذي عمد إلى جلب 64 بالمائة من أعضاء حكومته من مجال الشركات.
بعد الاطلاع على هذه المعطيات، من الجدير التساؤل حول مدى تأثير انتماءَات الوزراء على الحكومة، فضلا عن تأثير النخب المنتمية للشركات على الإدارة الأمريكية.
وبطبيعة الحال، فلا يعني هذا الأمر أن المجلس الاستشاري الرئاسي يسعى لخدمة أهداف الشركات الكبرى.
في المقابل، تؤثر هذه الانتماءَات بشكل جذري على القضايا التي تُناقش داخل المجلس ووجهات النظر التي تُؤخذ بعين الاعتبار في الوقت الذي يتعامل فيه المديرون مع المعضلات السياسية.
وعند ملء المجلس الاستشاري بأعضاء لهم انتماءَات في مجال الشركات، سيتسنى لكبرى الشركات إيصال خياراتهم المفضلة بشكل أسهل إلى الإدارتين الجمهورية والديمقراطية.
والجدير بالذكر أن المواطنين الأمريكيين العاديين لا يتمتعون بالميزة ذاتها. وبالنظر إلى القوة التي يمتلكها أعضاء الحكومة على البيروقراطيات الحكومية، فإن من شأن هذا الأمر أن يثير قلق هؤلاء المواطنين.
ويمكن للأشخاص النافذين تشويه السياسة الأمريكية وتقويض أهدافها على حساب جميع الأمريكيين، باستثناء الأثرياء.